أرباح “باسف” تتراجع و”مرسيدس بنز” تخفض توقعاتها مع المنافسة القوية في الصين
تتأثر الآفاق طويلة الأجل للاقتصاد الألماني بعجز الدولة عن تحقيق نمو ذي مغزى، فضلا عن تأثر الآمال السياسية للأحزاب الثلاثة الحاكمة تحت قيادة المستشار أولاف شولتس.
في ظل تدهور ثقة الأعمال الأسبوع الماضي، واحتمالية إشارة البيانات الاقتصادية المنتظرة إلى أن الناتج المحلي الإجمالي بالكاد ارتفع في الربع الثاني، فإن البلد، الذي لطالما كان محرك النمو في أوروبا، يبدو بشكل متزايد وكأنه أصبح عبئا ثقيلا.
من بين قراءات الناتج المحلي الإجمالي الفصلية العشر التي صدرت منذ تولي شولتس منصبه، أظهر أكثر من نصفها إما عدم وجود نمو يُذكر أو انكماش.
وفي قلب ضعف ألمانيا، تكمن القاعدة التصنيعية التي دعمت النمو القائم على التصدير لمعظم هذا القرن، حسب ما أوضحته وكالة أنباء “بلومبرج”.
كان الزخم يضعف حتى قبل الجائحة، إذ أفسدت الفترة الرئاسية الأولى لدونالد ترامب والتوترات مع الصين البيئة التجارية العالمية التي ازدهر فيها المصدرون الألمان.
فقد كانت نهاية واردات الغاز الرخيصة من روسيا ضربة قاصمة للشركات التي لا تزال تكافح لتجاوزها، خاصة في الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة.
تقول ساندرا إبنر، الاقتصادية الكبيرة في “يونين إنفستمنت”، إنه “لا يزال هناك هذا الأمل في أن يعود العالم المعولم الذي استفدنا منه كثيرا يوما ما، لكن هذا لن يحدث، ونحن نواجه صعوبة بالغة في التعود على ذلك”.
تحاول شركات تصنيع السيارات الألمانية، وهي ركيزة أساسية لنجاح الاقتصاد في الماضي، أيضا تعويض الفجوة في الإنتاج أمام الصين في مجال السيارات الكهربائية وفي سوقها المحلي، حيث يجري إلغاء السيارات العاملة بالاحتراق الداخلي.
أفادت هيلينا ويسبيرت، أستاذة اقتصاد السيارات في جامعة أوستفاليا، إن “12% فقط من السيارات المسجلة حديثًا في ألمانيا كهربائية مقارنة بأكثر من 20% العام الماضي”.
تظهر النتائج المالية الأخيرة للشركات الصناعية الكبرى في البلاد صورة مماثلة، فقد تراجعت أرباح “باسف” بعد انخفاض الأسعار في قطاع الكيماويات، وخفضت مجموعة “مرسيدس بنز” توقعاتها الرئيسية بسبب الآفاق المتشائمة والمنافسة القوية في الصين.
تعود جذور الصراعات الاقتصادية إلى ما هو أبعد من التقلبات الدورية، إذ تعتبر نصف تقديرات انخفاض النشاط الصناعي البالغة 7% هيكلية، وفقًا لأبحاث “بلومبرج إيكونوميكس”.
بالرغم من هذه المشاكل، يعتقد بعض المراقبين أن الأسوأ قد يكون قد مر.
في أكتوبر الماضي، قال هولجر شميدينج، الاقتصادي في “بيرينبيرج”، إن الركود الصناعي الألماني قد يكون قريبًا من نهايته.
لكن الصناعة كانت لا تزال تعاني مع بداية الربع الثاني.
في أبريل، قال معهد “إيفو” إن الاقتصاد كان يستقر، لكن الانتعاش الاقتصادي العالمي لم يساعد بطريقة ما المصنعين الألمان، وهو نتيجة وصفت آنذاك بأنها “محيرة”.
وفي الحقيقة، كان الإنتاج ينخفض مرة أخرى ثم انخفض أكثر في مايو ليصل إلى أدنى مستوى له في أربعة أعوام.
وقال رئيس “إيفو” كليمنس فوست الأسبوع الماضي لتلفزيون “بلومبرج” إن النظرة العامة لألمانيا “قاتمة إلى حد كبير”.
ربما يقدم تخفيف التضخم غير المرتبط بالطاقة واستمرار نمو الأجور دعما للمعنويات، كما يمكن تفعيل خطة الميزانية لعام 2025 التي تمكنت حكومة شولتس المتعثرة من الاتفاق عليها الشهر الماضي بعد مفاوضات شاقة.
لكن لا يبدو أن أيًا من ذلك يتغذى على المستهلك حتى الآن، مع إظهار مؤشر الثقة في الأعمال الذي يتابعه “إيفو” عن كثب انخفاضا في الخدمات، والتي تميل إلى تتبع الاستهلاك المحلي.
التأخيرات المتكررة في التعافي “علامة مشؤومة” للمستشار المتعثر
تعتبر التأخيرات المتكررة في تعافي الاقتصاد الألماني علامة مشؤومة للمستشار المتعثر، الذي أكد الأسبوع الماضي أنه يخطط للترشح لولاية ثانية العام المقبل.
في بداية يوليو الجاري، اعتمدت الإدارة خطة نمو تهدف إلى إعادة البلاد إلى المسار الصحيح، وتتضمن الحزمة خطوات لتعزيز الاستثمار الخاص والعام وتسريع التوسع في الطاقة المتجددة، وخصومات ضريبية إضافية للشركات وحوافز للناس للعمل لفترة أطول.
كما ستمدد الحكومة الإعفاءات الضريبية على تكاليف الكهرباء للمصنعين وتسريع الجهود لخفض الروتين البيروقراطي.
لكن من غير المرجح أن يشعر الناخبون بالتأثيرات قبل الانتخابات العامة المقررة في سبتمبر 2025.
وفي ظل تراجع الديمقراطيين الاجتماعيين الذين يقودهم المستشار في استطلاعات الرأي، يبدو أن الأوضاع الاقتصادية السيئة في ألمانيا ستصبح جزءًا من إرثه.
وبعيدًا عن المناخ الجيوسياسي السيء، تعاني ألمانيا من تراجع القوى العاملة، والبيروقراطية، وانعدام اليقين بشأن الاتجاه السياسي لتحقيق الاقتصاد الخالي من الكربون.
كما أن القيود الذاتية على الاقتراض الحكومي بسبب ما يسمى بكبح الديون تعني أن هناك مجالا ضيقا للإنفاق العام لمعالجة المشاكل الاقتصادية طويلة الأجل في البلاد.