غالباً ما يعاني أي اقتصاد من ركود حال تسجيله انكماشا على مدار ربعين سنويين متتاليين.. لكن صُناع السياسات الأوروبيون يأملون أن يكون هناك فصلان متتاليان من النمو بشكل ملحوظ.
أظهرت البيانات الصادرة في 14 أغسطس، أن اقتصاد الاتحاد الأوروبي نما مرة أخرى بنسبة 0.3% في الربع الثاني من العام مقارنة بالربع السابق.
ورغم أن هذا النمو ليس بالكبير وفقًا للمعايير الأمريكية، إلا أنه يشكل ارتياحاً بعد أكثر من عام من الركود.
ولا تتوقف الأخبار الجيدة عند هذا الحد، فمعدلات التوظيف في ارتفاع، وإن كان بمعدل أبطأ من ذي قبل، كما أن نمو الأجور يتجاوز معدل التضخم، مما يؤدي إلى تحسين مستويات المعيشة.
ففي هولندا، التي لديها أحدث بيانات سوق العمل في القارة، ارتفعت الأجور المتفاوض عليها مركزيًا بنسبة 7% في يوليو، وهو ضعف معدل التضخم.
كما أن الأجور المتفاوض عليها في ألمانيا تعتبر قوية أيضًا.
ومع ذلك، كان البنك المركزي الأوروبي واثقًا بما فيه الكفاية من خطوة خفض أسعار الفائدة في يونيو، ومن المتوقع أن يقوم بذلك مرة أخرى في سبتمبر، حسب ما أوضحته مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية.
إذن .. هل يمكن التقدم بخطوات ثابتة؟
ليس تمامًا، إذ تواجه القارة عددًا من المخاطر التي يمكن أن تجعل الصورة أكثر قتامة.
ويتلخص الخطر الأول في أن الطلب لا يبدو صحيًا كما تشير إليه أرقام النمو، وكما يتضح من قطاع البناء.
كما ترتفع الإيجارات في العديد من المدن الأوروبية الأكثر جاذبية، إذ تشهد أثينا وبرلين ومدريد جميعها نموًا في إيجاراتها يقارب 10% سنويًا.
وفوق ذلك، فإن انخفاض أسعار الفائدة ينبغي أن يعزز أسعار العقارات.
ومع ذلك، فإن ثقة شركات البناء عند أدنى مستوياتها هذا العام، لأسباب غير واضحة.
ويفترض أن يؤدي نمو الدخل إلى تعزيز الاستهلاك، لكن في الواقع، “لم نشهد بعد أي انتعاش ملموس في الطلب المحلي الحقيقي”، وفقًا لما ذكره كليمنتي دي لوتسيا، من “دويتشه بنك”.
وبدلاً من الإنفاق، توجه معظم الأسر الأموال الإضافية الناتجة عن الزيادات في الأجور إلى حساباتها المصرفية.
وبمرور الوقت، يمكن أن يؤدي تباطؤ سوق العمل إلى تقليل الرغبة في الإنفاق.
كما يشير دافيد أونيجليا، من شركة الاستشارات “تي إس لومبارد”، إلى أن التوظيف في قطاع الخدمات قد تراجع، وهو القطاع الذي كان المصدر الرئيسي للوظائف في الأعوام الأخيرة.
ومن غير المرجح أن تدعم الحكومات الطلب عبر زيادة الإنفاق، فقد تسببت ألمانيا مرة أخرى في انقسامات داخلية تقريبًا بسبب التعقيدات القانونية لقواعد الميزانية المتوازنة، ولا تزال المفاوضات جارية، لكن النتيجة المحتملة هي خفض الإنفاق.
أما فرنسا وإيطاليا، فكلاهما يخضع لإجراءات “العجز المفرط”، وهي العقوبة التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على أكبر المخالفين لإرشاداته، وبالتالي من المتوقع أن تكون السياسة المالية عاملاً مثبطًا للنمو في الأعوام القادمة.
تتعلق المخاوف التالية بدولة واحدة، وهي ألمانيا، التي لم تشهد نموًا يذكر منذ 2019.
وفي الآونة الأخيرة، تراجعت صادرات ألمانيا بنسبة 4.4% في يونيو على أساس اسمي مقارنةً بالعام السابق، وتشير الاستطلاعات إلى أن الأسوأ لم يأت بعد.
كما أن الشركات الصناعية التي فشلت في التحديث تواجه الآن تحديًا أكبر من الصين، إذ تتدفق السيارات الكهربائية منخفضة التكلفة من مصانعها.
في الوقت نفسه، تعتبر التوقعات طويلة الأجل لألمانيا مثيرة للقلق أيضًا، فبخلاف ليتوانيا، لن تخسر أي دولة أخرى في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مزيدًا من العمال بسبب التقاعد خاصة مع توافد أشخاص جدد إلى سوق العمل.
تعتبر ألمانيا كبيرة لدرجة أن أزماتها الاقتصادية ستؤثر على النمو الاقتصادي في أوروبا.
ولا يمكن الاعتماد على شركاء التجارة في القارة لإنقاذها، فالطلب الأمريكي بدأ في التراجع رغم أنه كان مرتفعًا، واقتصاد الصين في حالة فوضى، وهو ما يأمل المسؤولون في إصلاحه عبر دعم التصنيع.
إذا تم انتخاب دونالد ترامب، ستتفاقم الحروب التجارية، سواء عبر الأطلسي أو بين أمريكا والصين، مما سيفاقم الوضع.
والواقع أن النزاع الأوروبي مع الصين جاري بالفعل، حيث تستعد الأخيرة لمقاضاة الاتحاد الأوروبي في منظمة التجارة العالمية بسبب رفع الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية.
في الوقت الحالي، يبدو أن أوروبا تتجه نحو هبوط سلس، حتى وإن كان اقتصادها لم يشهد أبدًا ارتفاعًا كبيرًا في المقام الأول.
فقد انخفض معدل التضخم إلى 2.5%، وهو ما يزيد قليلاً عن هدف البنك المركزي الأوروبي، وتمتعت القارة بربعين متتاليين من النمو.
لكن ينبغي على صُناع السياسات في منطقة اليورو ألا يبالغوا في التفاؤل، خاصة أن هناك العديد من المخاطر التي يجب التعامل معها قبل بدء الاحتفالات.