ازداد تركز معاملات القطاع المصرفى خلال السنوات الماضية لدى بنكى الأهلى ومصر، فيما تراجعت الحصص السوقية لبقية البنوك بالقطاع التى يزيد عددها على 30 بنكًا.
وبحسب صندوق النقد الدولى فالقطاع المصرفى بحاجة إلى زيادة المنافسة وتعزيز المرونة خلال الفترة المقبلة.
ويتطلب ذلك بحسب مصرفيون توزيع الحكومة والشركات الحكومية كأكبر لاعب فى الاقتصاد حاليًا شبكة علاقاتها المصرفية، وعدم قصرها على البنكين الكبيرين فقط، وانتهاء تشديد السياسة النقدية وانخفاض مستويات أسعار العائد، حتى تنتهى فجوة أسعار العائد بين البنكين وبقية القطاع المصرفى.
وقال المدير المالى لأحد البنوك الخاصة إن تعزيز المنافسة يتطلب تغييرا جذريا فى طبيعة علاقات الجهات الحكومية بالبنوك العامة، وطبيعة توفير التمويل لها، وهو ما قد يحدث مع عملية إصلاح الشركات التى تنفذها الحكومة حاليًا.
أشار إلى أن الجهات الحكومية تفضل وضع ودائعها لدى البنكين وهذه الودائع ذات التكلفة أقل نسبيًا من ودائع العملاء الطبيعيين سواء أفراد أو شركات، وفى المقابل فإنها أيضًا تمنح قروضا بهامش فائدة منخفض فى كثير من الأحيان، وتحصل على ضمانات من وزارة المالية.
وبنهاية أبريل الماضى تجاوزت ودائع القطاع الحكومى نحو 2.67 تريليون جنيه بينها نحو 536 مليار جنيه تعادل 11.2 مليار دولار ودائع بالدولار.
وذكر أن توحيد الشركات الحكومية وتحسين أدائها المالى سيؤدى بطبيعة الحال لاحتياجها خدمات مالية مختلفة عن طبيعة ما تطلبه حاليًا، وهو ما سيسمح بالتنافس القوى على جذبها.
وكانت حصة البنكين السوقية 43.2% فى يونيو 2016، وبمرور الوقت ارتفعت إلى 49.7% فى سبتمبر 2023، وجاءت معظم الزيادة من البنك الأهلى المصرى.
المنافسة على صغار العملاء
رغم حجم الأصول الضخم للبنكين الحكوميين لكنهما كانا دائما من بين الأسرع نموًا خلال أوقات الأزمات، فى ظل اعتماد البنك المركزى عليهم كأدوات للسياسة النقدية، عبر طرح شهادات بعوائد قياسية تساعد على سحب السيولة من السوق.
وطرح بنكا “الأهلى” و”مصر” فى مارس الماضى شهادات ادخارية ثلاثية بأعلى سعر عائد سنوى يصل إلى 30% متناقصة، تبدأ من ألف جنيه.
وفى يناير من العام الجارى، طرح البنكان شهادات تتيح عائد سنوى 23.5% يُصرف شهريًا، وعائد سنوى27% يُصرف نهاية مدة الشهادة المحددة بعام واحد ولا تُجدد، ووصلت حصيلة الشهادات فى البنكين نحو 612 مليار جنيه فى 8 فبراير الماضى.
وفى أول 9 أشهر من العام الماضى بلغت نسبة تكلفة الودائع فى بنكى الأهلى ومصر 8.3% فيما كانت لدى البنك التجارى الدولى أكبر بنوك القطاع الخاص نحو 5.2%.
لكن لم تكن تلك هى الميزة الوحيدة فبحسب مسح لـ”بنوك وتمويل” فإن منتجات البنكين الموجهة لصغار المودعين أكثر تنوعًا.
ويقول ماجد فهمى، رئيس بنك التنمية الصناعية الأسبق، إن بنكى الأهلى ومصر يطرحان شهادات ومنتجات مرتفعة العائد هى الأعلى فى السوق، وقادرة على تلبية احتياجات كل الشرائح لأنها تبدأ من ألف جنيه، ما يجذب إليها عملاء جدد ويدفع عملائها للتمسك بالبقاء فيها، ولكن تحرص بعض البنوك الكبرى على المنافسة حتى لو طرحت عوائد أقل نسبيًا.
وأضاف فهمى أن فئة المعاشات هى الأكثر بحثًا عن أعلى سعر عائد خاصة بالنسبة لدورية الصرف الشهرية قى السوق لأنها تعتبر دخلًا إضافيًا لها، وكذلك الفئات التى تبحث عن دخل شهرى إضافى بأعلى عائد كانت تتجه فورًا للاستفادة من منتجات البنكين الحكوميين، وبعض العملاء سحبت مدخراتها من بنوك أخرى إليهم.
وأوضح أن عودة التنافسية للقطاع المصرفى فى جذب مختلف الشرائح من العملاء مرتبطة بعودة أسعار الفائدة فى السوق المصرى لمستويات 10% أو أعلى قليلًا، لأن تقارب أسعار الفائدة بين جميع البنوك، سيوجه خططها التوسعية نحو تعزيز جودة الخدمات والانتشار على نطاقات أوسع، وطرح منتجات تكنولوجية أحدث ومنح العملاء مزايا إضافية.
وأشار إلى أن المنتجات والخدمات الرقمية قادرة على جذب مختلف شرائح العملاء، وهو ما ستركز عليه البنوك فور انتهاء فترة التشديد النقدى وعودة السوق لطبيعته، خاصة أن النمو الذى حققته شركات التكنولوجيا المالية الكبرى خلال السنوات الماضية يُشير لوجود فرص هائلة غير مستغلة جيدًا من قبل البنوك، كما أنها المنتجات أقل كُلفة من نظيرتها التقليدية.
وبحسب بيانات رسمية صادرة عن البنك الأهلى المصرى، تجاوزت استثماراته فى البنية التحتية والتكنولوجية 500 مليون دولار أمريكى خلال 5 سنوات.
ووصل عدد ماكينات الصراف الآلى الخاصة بالبنك الأهلى إلى 6.7 ألف ماكينة بمختلف أنحاء الجمهورية، بالإضافة إلى 469 ألف نقطة بيع الكترونية فى يونيو 2023.
ووصل عدد البطاقات المصدرة من بنك مصر 16 مليون بطاقة، بينما وصل عدد التجار المتعاقدين مع البنك 312 ألف تاجر بعدد 640 ألف نقطة بيع، وتجاوزت قيمة معاملات التجار المتعاقدين مع البنك 144.4 مليار جنيه بنهاية نوفمبر 2023.
وارتفع عدد المحافظ الإلكترونية للبنك إلى 2.27 مليون محفظة بنهاية نوفمبر 2023، بخلاف المحافظ الإلكترونية التي يديرها البنك، وعدد ماكينات الصراف الآلى التابعة له إلى 5.4 ألف ماكينة.
تقييمات البنوك وفرص النمو تفتح الباب أمام عمليات الدمج والاستحواذ بالقطاع المصرفى
وقالت مروة الشافعى، مصرفية بأحد البنوك، إن بعض البنوك الخاصة لا تستهدف الوصول لكل العملاء بمختلف شرائحهم ولكنها تجتذب فئات وشرائح مُحددة وفقًا لاستراتيجيتها ومستهدفات كل بنك، لذلك فإن بعض البنوك لا تستهدف الفئات الصغيرة من الأساس، وهو ما يظهر فى تحديد شروط فتح الحسابات مثلا، عند مستوى دخل شهرى معين، أو الحد الأدنى لفتح الحساب والاحتفاظ بقيمة مالية معينة بالحساب.
وأشارت إلى أن التوسع فى خدمات ميكنة الرواتب أو المعاشات جزء من استراتيجية البنك، فبعض البنوك تستهدف الشركات الكبرى ذات المرتبات المرتفعة، وتتجنب التعامل مع الجهات المانحة لمرتبات أقل من حد معين، لأن تكلفة المنتجات الخاصة بتلك الشريحة مرتفعة مقارنة بأصحاب المرتبات المرتفعة.
أضافت أن بنوك أخرى قد تستهدف تلك الفئة عمدًا حتى تتوسع فى ترويج منتجات أخرى لها مثل القروض الشخصية أو البطاقات الائتمانية، والأمر فى النهاية يرجع لسياسة كل بنك.
وتطرقت إلى أن التنافسية على الشرائح الصغيرة من العملاء قد يكون من نصيب لاعبين جُدد من خارج القطاع المصرفى عبر البنوك الرقمية، خاصة شركات التكنولوجيا المالية الكبرى، لأنها بالفعل تستهدف تلك الشريحة فى نماذج أعمالها الحالية وتعرف متطلباتها وإمكانياتها واحتياجاتها وتستطيع توظيف خبرتها مع شريحة صغار العملاء لتوسيع قاعدة عملياتها.
ووصل عدد نقاط البيع الالكترونية المملوكة للشركات التى تقوم بدور مُيسر دفع إلى 1.07 مليون نقطة بيع فى ديسمبر الماضى متعاقدة مع 5 بنوك من الجهاز المصرفى، مقابل 893.1 ألف نقطة بيع متعاقدة مع 4 بنوك فى يونيو 2023، بحسب بيانات رسمية صادرة عن البنك المركزى.
الانتشار الجغرافى ميزة نسبية
قالت سهر الدماطى الخبيرة المصرفية، إن العدد الكبير لفروع بنوك “الأهلى” و”مصر” و”الزراعى المصرى” هى السبب الرئيسى وراء قدرتها على تنويع شرائح عملائها واجتذاب عدد كبير من العملاء، خاصة أن فروعها موجودة فى مناطق نائية وبعيدة.
وأضافت الدماطى أن البنوك الأجنبية أو الإقليمية ربما لا تستهدف شرائح صغار المودعين لذلك فإنها لا تطرح منتجات جاذبة لهم مُرتفعة العائد أسوة ببنكى الأهلى ومصر، خاصة أنها منتجات مُكلفة بالنسبة للبنوك لذلك تُفضل توجيهها أحيانًا للشرائح العليا.
وأوضحت أن عدد البنوك الحكومية يصل إلى 9 بنوك، ليست جميعًا قادرة على طرح منتجات مرتفعة العائد جاذبة لصغار المودعين، ولكن حجم العمليات الضخم لبنكى الأهلى ومصر يؤهلهما لذلك، خاصة أنهما يستهدفان أيضًا شرائح كبار العملاء والمودعين، ويمتلكان تنوعًا هائلًا يمتص التكلفة المرتفعة للمنتجات البنكية التى تخدم الشرائح الدُنيا.
ويمتلك بنك مصر أكبر حصة سوقية فى خدمات ميكنة الرواتب منذ بدء منظومة وزارة المالية لميكنة المرتبات فى 2005، بحصة سوقية 48%، ونحو 2.73 مليون بطاقة تخص الجهات الحكومية المتعاقدة مع البنك وعددها 1126 جهة.
وتجاوزت قيمة المرتبات للقطاعين العام والخاص المُحولة عبر البنك 170.5 مليار جنيه بنهاية نوفمبر 2023.
وبلغ عدد شركات القطاع الخاص المتعاقدة مع البنك 4.2 ألف شركة بعدد بطاقات 1.48 مليون بطاقة وأكثر من 357 ألف حساب، إذ يقدم الخدمة لشركات قطاع الأعمال العام والخاص.
ويصل عدد فروع بنك مصر إلى 825 فرعًا والبنك الأهلى إلى 654 فرعًا، بينما وصل إجمالى عدد الفروع البنكية فى مصر إلى 4638 فرعًا فى يونيو 2023، وفقًا للبيانات الرسمية من البنك المركزى.
ويطرح البنكان شهادات ادخارية تتراوح حدودها الدنيا من 500 جنيه وحتى 2500 جنيه، بعوائد سنوية تبدأ من 12.25% وتصل إلى 30%.
وخصص البنكان الحكوميان حسابات بنكية لبعض الفئات، وأتاح بنك مصر حساب توفير “الممكن” لذوى الإعاقة بعائد سنوى ثابت 13.5% يُصرف شهريًا، بحد أدنى لفتح الحساب واحتساب العائد 500 جنيه.
ولفئة الشباب، يوفر بنك مصر حساب توفير مخصص لهم، وتتراوح شريحته بين 500 جنيه إلى 20 ألف جنيه بعائد سنوى يصل إلى 12.5% حسب دورية صرف العائد.
أما بالبنك الأهلى، فيتراوح العائد بين 5.5% إلى 5.7% بحسابات التوفير على الشريحة التى تتراوح بين 3 آلاف جنيه إلى 5 آلاف جنيه، ويتراوح بين 8.5% إلى 8.7% على الشريحة من 5 آلاف جنيه وحتى 100 ألف جنيه، ويتدرج العائد حسب دورية صرفه.
ويُخصص البنك حساب المدخر الصغير للقصر فقط، ويتيح عائد سنوى 9.75% للشريحة بين 3 آلاف جنيه وحتى 30 ألف جنيه.
تعزيز المنافسة ضرورة لتخفيف الضغط عن البنكين
وقال مصرفى – رفض ذكر اسمه – إن عدد العملاء الكبير ببنكى “الأهلى” و”مصر”، والذى تضاعف مؤخرًا نتيجة لتكرار طرح الشهادات البنكية مرتفعة العائد منذ بدء تنفيذ سياسة التشديد النقدى فى 2021، يفوق قدرات الموظفين والفروع رغم أعدادهم الكبيرة.
وأضاف أن ذلك يتجلى بوضوح عند طرح تلك الشهادات ونتيجة لتركز العملاء بالبنكين تأثرت الفروع بضغط العملاء على مدار العام.
تابع: “أصبح هناك ضرورة لإعادة توزيع العملاء مُجددًا على بقية البنوك خلال الفترة المقبلة، خاصة أننا قد نشهد خلال ما تبقى من العامين الجارى والمقبل أيضًا تخفيف قيود السياسة النقدية، وعودة شراسة المنافسة من جديد للقطاع المصرفى عندما تتقارب أسعار الفائدة على المدخرات مُجددًا”.
ويستحوذ بنكا الأهلى ومصر على نحو 35% من العاملين بالقطاع المصرفى، إذ يصل عدد العاملين فى بنك مصر إلى 22.2 ألف موظف، وفى البنك الأهلى 26.09 ألف موظف بنهاية يونيو الماضى، بينما بلغ إجمالى عدد موظفين القطاع المصرفى نحو 137.9 ألف موظف.
منافسة غير مباشرة
وقال رئيس سابق لقطاع الاستثمار في أحد البنوك العامة، إن البنوك يمكنها أن تنافس بشكل غير مباشر عبر تملك حصص فى شركات التكنولوجيا المالية التى وصفها بأنها المنافس الأقوى فى قطاع التجزئة المصرفية خاصة على الشرائح الصغيرة، لقدرتهم على الوصول إليهم عبر انتشار نقاط البيع الالكترونية بدلًا من الوصول إليهم عبر الفروع.
وقالت شيماء وجيه الخبيرة المصرفية، إن تعزيز مرونة القطاع المصرفى يحتاج لاستمرار تهيئة البنية التحتية المالية الرقمية و التكنولوجيا المالية، بالإضافة إلى التوسع فى الخدمات المصرفية و تحفيز الادخار طبقا لاحتياجات العملاء.
وقال محمد ربيع المدير التنفيذى وأحد مؤسسى الشركة الناشئة “بايمنت” المتخصصة فى خدمات المدفوعات، إن شركات التكنولوجيا المالية قادرة على الوصول لأماكن نائية وبعيدة لا تستطيع البنوك الوصول إليها، وهو ما يجعلهما مُكملان لبعضهما البعض فى تنفيذ سياسات الشمول المالى، خاصة أن الشركات تعمل دومًا تحت مظلة بنكية.
وشهدت الفترة الماضية استثمارات قوية من البنوك فى تأسيس شركات مدفوعات.