تتمتع الشركات الناشئة بسوق كبير وجاذب يمكنها من الانتشار والحصول على التمويلات اللازمة لزيادة النمو، لكنه شهد تحديات أدت إلى انخفاض الاستثمارات الموجهة له محليا وعالميا.
ومع التحديات على الساحة الاقتصادية العالمية شهدت التمويلات الموجهة للشركات الناشئة تراجعًا حادًا خلال عام 2023 والنصف الأول من 2024 بعد عزوف عدد كبير من مستثمرى رأس المال المخاطر للمشاركة بالجولات التمويلية.
واعتبر مستثمرون فى قطاع رأس المال المخاطر أن أبرز التحديات فى الوقت الحالى تتمثل فى ارتفاع معدل الفائدة مما يجعل تقييمات الشركات غير دقيقة، ويصعب عملية ضخ الاستثمار، كما يزيد جاذبية أوعية استثمارية أخرى على حساب القطاع.
ويرى محمد عكاشة الشريك المؤسس بصندوق “ديسربتيك”، إن انخفاض الاستثمارات الموجهة للشركات الناشئة وعزوف بعض المستثمرين عن القطاع خلال الفترة الأخيرة جاء بسبب ارتفاع أسعار الفائدة مما دفع العديد من صناديق الاستثمار لتوجيه استثماراتهم إلى وجهات ذات عائد ثابت.
أضاف أن طرق تقييم مضاعفات الربحية للشركات انخفضت بسبب معدل الفائدة مما جعل التقييمات غير مناسبة للوضع الحالى للشركة الناشئة، ولذلك تقوم الشركات بإعادة التقييم خاصة فى ظل ما يطرأ على الساحة الاقتصادية.
وأضاف أنه مع توقعات انخفاض أسعار الفائدة عالمياً فمن الطبيعى أن تشهد الفترة المقبلة تحسنا وتوازنا بين الاستثمارات فى رأس المال المخاطر كالشركات الناشئة، واستثمارات العائد الثابت.
وأوضح أن كل صندوق استثمار يقوم بتقييم الشركات برؤية مختلفة، ويقيم صندوق “ديسربتيك” الشركات الناشئة على أساس المستقبل، حيث يركز على فريق العمل للشركة وقدراتهم التنفيذية وإمكاناتهم على تحقيق خطة الشركة، بالإضافة إلى حجم السوق الذى تتواجد به الشركة ونشاطها خاصة إذا كانت تعمل بسوق كبير وبه قابلية للتوسع خارجياً بعدة دول.
“ستارت آب بلينك”: مناخ أعمال الشركات الناشئة المصرى جاذب للاستثمارات
وأشار إلى أن هناك بعض الشركات الناشئة التى تبحث عن النمو بأى شكل مما يكبدها خسائر كبيرة وفرص نجاحها قليلة، على عكس الشركات الناشئة التى تستهدف النمو الصحى والتى تضع نسب ربحية منطقية وواضحة مما يدفعها للتقدم والاستمرار.
ووفقاً للمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية فقد ساهم تباطؤ النمو العالمى من 3.5% عام 2022 إلى 3% عام 2023، وما شهده من انهيارات مدوية لعدد من البنوك الدولية على رأسها بنك سيليكون فالى فى إحداث حالة من الارتباك فى حركة الاستثمارات الموجهة للشركات الناشئة، لتبدأ بحالة تتطلب التزام التأنى فى اتخاذ قرارات التمويل.
وبلغ حجم الاستثمار بالشركات الناشئة عالميًا عام 2023 نحو 285 مليار دولار، بنسبة انخفاض تصل إلى 38% عن عام 2022 والذى كان وصل حجم التمويل فيه إلى 462 مليار دولار.
وساهمت المعدلات التاريخية للتضخم فى إنهاء مرحلة انتعاش تمويلات الشركات الناشئة، وتسارع معها ارتفاع معدلات الفائدة وهو ما أثر سلبًا على أداء الشركات عالميًا، نظرًا لما صاحبه من ارتفاع مخاطر الاستثمار فى هذا النوع المتقلب من الأصول وعزوف المستثمرين عنها.
كما زاد انهيار بنك سيليكون فالي، المتخصص فى تمويل الشركات الناشئة فى القطاع التكنولوجي، الأمر سوءًا، حيث يتعامل البنك مع 50% من شركات رأس المال الاستثمارى المتخصصة فى هذا القطاع فى الولايات المتحدة.
دلالة: من المتوقع انتعاش الاستثمارات مجددًا بعد انتهاء التشديد النقدى
وقال رفيق دلالة الشريك المؤسس بشركة “إنوفنتشورز” إن تقييم الشركات الناشئة قائم على مستقبل السوق الذى تعمل به الشركة الناشئة والتزامها، فالشركات الناشئة لا تحقق الربحية فى بدايتها وتنمو بوتيرة طبيعية.
وأوضح أن لكل مستثمر معايير معينة بالشركات الناشئة التى يستثمر بها، مشيراً إلى أن المعايير لشركة “إنوفنتشورز” تتركز على الشركات التى تعمل بمجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى حيث يوجد توجه عالمى لها والتى تكون شركات واعدة وتدرسهم الشركة وتقوم بتقييمها.
وأضاف أن الشركة توسعت باستثماراتها بعدة مجالات تشمل التكنولوجيا المالية، والتجارة الإلكترونية، والذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا الصحية.
وتابع أن فكرة فقاعة الشركات الناشئة والتقييمات المتضخمة لم تعد لها وجود مثل الأعوام السابقة،حيث اختلف شكل السوق الحالى عن الفترات السابقة وأصبحت مصر دولة واعدة فى الشركات الناشئة والتى تبعد عن الإجراءات البيروقراطية للشركات الضخمة.
هل تحتاج مصر لتدشين بورصة للشركات الناشئة؟
وقال إن الاستثمارات بالشركات الناشئة انخفضت بسبب ارتفاع أسعار الفائدة والتى ارتفعت بشكل كبير عالمياً خاصة فى أمريكا فى الفترة السابقة، مما أدى إلى تخوف المستثمرين من المخاطرة وعزوفهم عن الاستثمار بالشركات الناشئة.
وتوقع انخفاض معدل الفائدة خلال الفترة القادمة وانتعاش السوق وزيادة الاستثمارات به مرة أخري.
ووفقُا لتقرير “ستارت اب بلينك” عن البيئة العالمية للشركات الناشئة لعام 2023، فإن مصر تقع ضمن أفضل بيئات الشركات الناشئة حيث تحتل المركز 67 عالميا والثالثة فى منطقة الشرق الأوسط بعد الإمارات التى تحتل المركز 28 والمملكة العربية السعودية التى تحتل المركز 66.
وأضاف التقرير، أنه خلال النصف الأول من العام الماضي، شهدت مصر تباطؤًا فى نشاط الشركات المصرية فى الدخول بجولات تمويلية بنسبة 28% عن النصف الثانى من عام 2022، ورغم تمكن الشركات المصرية من حصد تمويل يقدر بنحو 510 ملايين دولارًا إلا أن ذلك جاء من خلال 15 صفقة فقط.
سليمان: بيئة القطاع فى المنطقة قادرة على الازدهار
وأشار عبدالرحمن سليمان كبير محللى الاستثمار بشركة مالتيبلز للاستشارات بالشركات الناشئة، إلى أن مستقبل النظام البيئى للشركات الناشئة فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سيتحدد من خلال قدرته على التكيف مع البيئة الاقتصادية العالمية مع الاستفادة من نقاط القوة الكامنة به.
وأضاف أن الحكومات فى المنطقة تدرك بشكل متزايد أهمية وجود بيئة حاضنة مزدهرة للشركات الناشئة وتنفذ سياسات لدعم هذا النمو، مما يحسن الأطر التنظيمية، ويزيد فرص الحصول على التمويل، وتعزيز الابتكار الذى يعد أمراً بالغ الأهمية.
وتابع أن الشركات الناشئة فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يمكن أن تتغلب على الشكوك التى تكتنف السوق العالمي وتساهم فى التنويع الاقتصادى والنمو فى المنطقة، وتبرز كمركز حيوى للابتكار وريادة الأعمال على الرغم من العقبات التى تواجهها ومن خلال التركيز على المبادرات الاستراتيجية والاستفادة من نقاط قوتها الفريدة، فإن النظام البيئى للشركات الناشئة فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لديه القدرة على الازدهار فى خضم التحديات العالمية، والمساهمة بشكل كبير فى اقتصاد الابتكار العالمي.