تشهد الصين موجة من التعريفات الجمركية فى الاقتصادات النامية تهدف إلى مواجهة طفرة صادراتها، ما يعقد جهود بكين لتوسيع أسواقها خارج نطاق الغرب الذى يزداد عداءً.
غضبت بكين من خطط الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى لفرض رسوم جمركية أعلى على مجموعة من المنتجات.
وفى الشهر الماضى، تفاعل دبلوماسيوها بحدة عندما أعلنت كندا عن نيتها فرض تعريفات على واردات السيارات الكهربائية والصلب.
بدأت العديد من الدول النامية فى اتباع نفس النهج بهدوء، حيث تستخدم التعريفات الجمركية لإجبار الصين على الاستثمار داخل حدودها ومنح قواعدها الصناعية مكانًا فى السباق العالمى على السيارات الكهربائية، بحسب صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
كما فرضت البرازيل وتركيا تعريفات على واردات السيارات الكهربائية هذا العام لضمان أن شركة “بى واى دى”، أكبر مُصنع للسيارات الكهربائية فى الصين، تمضى قدمًا فى بناء مصانع محلية مع توسع الشركة عالميًا.
ارتفعت الاستثمارات الصينية المباشرة فى مشاريع جديدة بالخارج إلى أكثر من 160 مليار دولار العام الماضى، وهو رقم قياسى وفقًا لخدمة “إف دى آى ماركتس” التابعة للصحيفة البريطانية.
قال كولين ماككيراتشر، رئيس قطاع النقل النظيف فى “بلومبرج إن إى إف”، إن “الجميع يحاول الحصول على جزء من الكعكة، فهناك منافسة للاستفادة من هذا السوق العالمى المتنامى لمبيعات السيارات الكهربائية، وأحد الطرق لتحقيق ذلك هو أن تقول: يجب أن تقيم مصنعًا محليًا أو تتعرض لرسوم جمركية”.
تعكس التحركات الأخيرة للأسواق الناشئة تأثير الركود فى الاقتصاد الصينى الذى دفعها نحو زيادة الصادرات.
فقد رفعت البرازيل التعريفات الجمركية على الصلب، كما فعلت تشيلى، بينما فرضت جنوب أفريقيا تعريفات قدرها 10% على الألواح الشمسية فى يوليو الماضى.
ومددت إندونيسيا هذا الشهر الرسوم على المنسوجات الرخيصة، وزادت تايلاند ضريبة القيمة المضافة على السلع المستوردة منخفضة القيمة، حيث تصارع كل هذه الصناعات وسط المنافسة الصينية.
وقال كايل تشان، الباحث فى السياسات الصناعية الصينية فى جامعة برينستون: “من وجهة نظر صُناع السياسات الصينيين، السيناريو الأسوأ هو أن تفرض مجموعة كبيرة من الدول تعريفات جمركية، وبالتالى قد تستثمر الصين فى مصانع أجنبية كوسيلة لتعزيز العلاقات بدلاً من الاعتماد على برنامج الحزام والطريق المتراجع”.
تزايدت صادرات السيارات الصينية هذا العام بفضل السيارات ذات محركات الاحتراق الداخلى التى أصبحت أقل شعبية فى السوق المحلية.
كذلك، تسعى الدول النامية إلى تعزيز قواعدها الصناعية والاستفادة من ريادة الصين فى تصنيع السيارات الكهربائية الرخيصة.
فى البرازيل، وافقت شركة “بى واى دى” على إنشاء مصنع للسيارات الكهربائية بعد أشهر من فرض تعريفات قائمة على الحصص، ويُتوقع ارتفاعها من 18% هذا العام إلى 35% بحلول 2026.
ورغم أن هذه الرسوم لم تستهدف بلدانًا معينة، إلا أنها جاءت فى وقت شهدت فيه الواردات الصينية زيادة كبيرة وأصبحت تشكل غالبية مبيعات السيارات الكهربائية فى البرازيل.
أما فى تركيا، فقد أعلنت حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان هذا العام عن فرض تعريفات إضافية بنسبة 40% على السيارات الكهربائية، لكنها تراجعت عن هذا القرار بعد أن أكدت “بى واى دى” فى يوليو أنها ستبنى مصنعًا بقدرة إنتاجية تصل إلى 150 ألف سيارة فى المنطقة الصناعية الغربية بتركيا.
فى الوقت الذى كانت “بى واى دى” تتفق فيه على بناء مصنع فى تركيا، كانت تفتتح منشأة مماثلة بقدرة إنتاج 150 ألف سيارة فى تايلاند، وهى مركز عالمى آخر لصناعة السيارات استفاد من فرض التعريفات لتعزيز الاستثمارات.
بينما انتقدت الصين بشدة “الحمائية” التى تتبناها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، كانت أكثر دبلوماسية مع شركائها التجاريين فى العالم النامى.
مع ذلك، تواجه العديد من الدول النامية مشكلة أعمق تتجاوز سوق السيارات الكهربائية، وهى أن بكين تواصل تشجيع طفرة فى الصادرات تزيد من الضغوط على المنافسين الأجانب.
ارتفع ميزان التجارة فى الصين منذ عام 2019، ويرجع ذلك جزئيًا إلى سياسات دعم التصنيع المحلى.
فقد أظهرت أرقام الجمارك المنشورة، يوم الثلاثاء، أن الصادرات ارتفعت بنحو 9% على أساس سنوى فى أغسطس، وهذا شمل نموًا مزدوج الرقم فى الصادرات إلى البرازيل ودول الآسيان من حيث الرنمينبى.
قدرت كميل بولينوا، مديرة مساعدة فى مجموعة “روديوم” للأبحاث، أن الصين كان بإمكانها خلق طلب بقيمة 360 مليار دولار على واردات من الأسواق الناشئة، أى أكثر من عُشر إجمالى صادرات هذه الأسواق، لو ارتفعت وارداتها الصناعية بنفس القدر الذى ارتفعت به صادراتها بين 2019 و2022.
وقالت بولينوا، إن الحفاظ على الصناعات ذات القيمة المنخفضة أمر حيوى بالنسبة لصُناع القرار فى الصين لأنها توظف عددًا كبيرًا من الأشخاص.
وأضافت أن الحكومات المحلية، على وجه الخصوص، لديها حافز للإبقاء على الشركات قائمة حتى وإن كانت غير تنافسية أو تعانى من فائض فى الإنتاج، لأن هذه الشركات توفر فرص عمل وتسهم فى النمو الاقتصادى.
من جانبه، أكد تشانغ يانشنغ، الباحث الرئيسى فى مركز الصين للتبادل الاقتصادى الدولى، أن “العلاقات التنافسية بين الصين والدول المتقدمة، وكذلك الدول النامية والأسواق الناشئة، ستزداد حدة”.
وبالرغم من أن بناء المصانع فى الدول النامية قد يساعد الشركات الصينية فى تجنب التعريفات الجمركية فى تلك الدول، إلا أنه من غير المرجح أن يساعد بكين على الوصول المستمر إلى الأسواق الغربية، مثل الولايات المتحدة.
واشنطن تستعد بالفعل لفرض تعريفات أعلى على الألواح الشمسية المستوردة من دول جنوب شرق آسيا، حيث أنشأت الشركات المصنعة الصينية مصانع هناك.
كما استفادت المكسيك من جهود بكين لنقل الإنتاج خارج الصين، ويُتوقع أن تعلن شركة “بى واى دى” قريبًا عن موقع منشأة مخططة فى المكسيك، لكن هذه الخطوة الآن تحت مراقبة السياسة الأمريكية، حيث أعلن دونالد ترامب، الذى يخوض مرة أخرى انتخابات الرئاسة الأمريكية، أنه سيفرض تعريفات تصل إلى 200% على السيارات الصينية المصنعة فى المكسيك إذا تم تصديرها إلى الولايات المتحدة.