رغم أن الحد الأدنى لرأس المال لـ”البنوك الرقمية” لا يتجاوز 41 مليون دولار فى الوقت الحالى، لكن لم يظهر للنور أى مستثمر حصل على رخصة مبدئية باستثناء “وان بنك”، وهو ما يرجعه المصرفيون لحاجة المستثمرين لرؤية تجربة فعلية قبل تأسيس بنك رقمى فى مصر، والضوابط الصارمة للبنك المركزى.
لكن منصة “فورى” أكدت فى بيان نتائج أعمالها أنها ماضية فى إجراءات الحصول على ترخيص وأن نشاط البنوك الرقمية دافع أساس لنمو أعمالها.
وعلى الصعيد الإقليمى بدأت منذ سنوات البنوك الرقمية عملها فى الإمارات والسعودية، وأعلن البنك المركزى العراقى تلقيه 70 طلبًا لتدشين بنوك رقمية.
واشترط البنك المركزى المصرى للحصول على رخصة البنك الرقمى، أن يكون بها مساهم استراتيجى بحصة لا تقل عن 30%، وألا يقل رأس المال المصدر والمدفوع عن مليارى جنيه فى حالة ممارسة كل أعمال البنوك، باستثناء تمويل الشركات الكبرى، مع إمكانية تمويل تلك الشركات حال وصل رأس المال المُصدر والمدفوع إلى 4 مليارات جنيه.
وتوقع شريف البحيرى الرئيس التنفيذى لشركة مصر للابتكار الرقمى، أن تنطلق عمليات “وان بنك” أول بنك رقمى فى مصر خلال الربع الأول من العام المقبل، وذلك فور حصول الشركة على الرخصة النهائية.
وأضاف فى تصريحات سابقة لـ”البورصة”، أنه سيتم التقدم للحصول عليها خلال العام الجارى، والتى تعد المرحلة الأخيرة بعد الانتهاء من المرحلة الثانية للفحص النافى للجهالة والحصول على رخصة التشغيل.
وحصلت شركة مصر للابتكار الرقمى على الموافقة المبدئية لرخصة البنك الرقمى فى مايو الماضى، وتم إعلان الانتهاء من المرحلة الأولى من الترخيص وشملت البنية التحتية، والأنظمة التكنولوجية وكذلك أنظمة الأمن السيبرانى.
حامد: المستثمرون الأجانب ينتظرون انطلاق “وان بنك” لتقييم السوق
وقال معتز حامد، مصرفى بأحد البنوك، إن صناعة البنوك الرقمية مازالت فى مراحلها الأولى عالميًا، ولم تصل إلى مرحلة النضج التى تُثقلها جرأة التوسع فى الأسواق الناشئة والتى مازالت تتسم بثقافة المعاملات المالية النقدية.
وأضاف أن المستثمرين محليًا وعالميًا فى حالة اختبار للسوق وترقب لاستقبال الأفراد لفكرة البنوك الرقمية، لذلك من الصعب المُجازفة بدخول الأسواق الناشئة فى البداية، خاصة التى يميل أفرادها إلى التعاملات النقدية.
وبحسب تقرير صادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، فإن البنوك الرقمية ظهرت لأول مرة خلال 2010 عقب الأزمة المالية والتخلف عن سداد الرهونات العقارية، وخلال العام الماضى وصلت إيراداتها إلى 83 مليار دولار فى 2023 بدلًا من 58 مليار دولار فى 2022.
وأوضح حامد أن هناك حالة ترقب لشكل الإقبال على منتجات وخدمات “وان بنك” فور بدء عملياته، وهو ما حدث فى بداية انطلاق خدمات التكنولوجيا المالية والمدفوعات الرقمية فى البداية حتى وصلنا إلى مرحلة المنافسة الشرسة حاليًا.
وذكر أن نشاط الإقراض يجب أن يُقابله نشاط الإيداع، ولا نعرف مدى تقبل ثقافة المجتمع لفكرة الإيداع رقميًا، وهل سيتقبل الأفراد الفكرة بسهولة أم لا؟.
إيرادات “بنوك النيو” تقفز إلى 83 مليار دولار فى 2023.. بنمو 43%
وقال إن حجم التعاملات فى البنوك التقليدية لا يتجاوز 20% من تعاملات الأفراد والشركات الحقيقية، ورغم أن الشمول المالى يصل إلى 70%، إلا أنها تشمل حسابات المرتبات والمعاشات ولكن استخدام المنتجات والخدمات المصرفية يوميًا بانتظام لا يتعدى 20%، وهو ما يمثل فرصة وتحدى، ما بين سوق متسع وتغيير القناعات.
وتوقع أن تعتمد البنوك التقليدية الموجودة بالسوق المحلى، على بنيتها التكنولوجية حتى تتأكد أن السوق أصبح مؤهلًا لتقبل التعامل مع البنوك الرقمية، ثم ستنطلق لاحقًا بأذرع لبنوك رقمية منفصلة.
وأشار تقرير مركز دعم واتخاذ القرار إلى أن قيمة المعاملات فى سوق البنوك “النيو” عالميًا، ارتفعت من 0.23 تريليون دولار فى 2017 إلى 4.96 تريليونات دولار فى 2023، كما ارتفع متوسط قيمة المعاملة لكل مستخدم من 12.39 ألف دولار فى 2017 إلى 19.76 ألف دولار فى 2023.
وقالت شيماء وجيه مصرفية بأحد البنوك الخاصة، إن الحد الأدنى الحالى لرأس المال جاذب ومن الأفضل ألا يرفعه البنك المركزى حتى يستكشف السوق فى مصر وتحديد احتياجاته، وتأتى التعديلات على الاشتراطات بعد التجربة الفعلية.
وأضافت وجيه، أن عدم الإعلان عن منح الرخصة إلا لشركة واحدة فقط والتى حصلت على رخصة مبدئية، يرجع لصرامة البنك المركزى المصرى فى التأكد من توفر كل شروط السيبرانية اللازمة لتنفيذ عمليات البنوك الرقمية بأمان واستقرار.
وقال محمد بدير الرئيس التنفيذى لبنك قطر الوطنى فى تصريحات سابقة إن البنك تقدم رسميًا بطلب الحصول على رخصة بنك رقمى ضمن مستهدفات الخطة التوسعية للبنك نشر ثقافة الشمول المالى والتحول الرقمى، ويعمل على استيفاء المتطلبات المحددة التى تنطبق على البنوك الرقمية والمضمنة فى الشروط والأحكام التى وضعها مؤخرًا «المركزى».
ويمتلك بنك قطر الوطنى، المنصة الرقمية “كيو إن بى ببساطة”، والتى تُقدم الخدمات البنكية دون الحاجة لزيارة الفروع أو الاتصال بخدمة العملاء، وتتيح خدمات مثل فتح الحساب، الاقتراض، ربط الشهادات أو الودائع، الحصول على بطاقات خصم مباشر أو ائتمانية.
مصدر: البنوك الرقمية تواجه منافسة حاليًا أشرس من الموجودة قبل عقد
وقال مصدر فى إدارة التحول الرقمى بأحد البنوك الحكومية، إن رأس المال ليس المتطلب الوحيد الذى يطلبه البنك المركزى لكن أيضًا هناك حجم الاستثمارات المطلوبة فى البنية الرقمية وخاصة الأمن السيبرانى كبير، ويزيد على أضعاف الحد الأدنى.
ولفت إلى أن الاختبارات والاشتراطات التى يطلبها البنك المركزى على أعلى مستوى وبمستوى عال من الحزم.
وذكر أن البنوك الرقمية فى الوقت الحالى تلاقى منافسة كبيرة عن الموجودة وقت انطلاقها أول مرة، ما بين شركات تكنولوجيا مالية، وبنوك تقليدية تتوسع للاستثمار فى بنيتها التكنولوجية، وشركات اتصالات تمارس قسم كبير من الأعمال.
دراسة: البنوك الرقمية جاذبة للشباب والشركات الصغيرة والمتوسطة
وأشارت دراسة أعدتها “بى دبليو سى – الهند” تحت عنوان “بنوك النيو والثورة البنكية المقبلة”، إلى أن خدمات البنوك للأفراد والشركات الصغيرة والمتوسطة أصبحت متاحة بشكل رئيسى عبر الإنترنت أو قنوات إلكترونية أخرى بدلاً من الفروع المادية، ورغم أن هذه البنوك لا تمتلك تراخيص بنكية خاصة بها فى الهند حتى الآن، إلا أنها تستخدم شركاء لتقديم خدمات مرخصة من البنوك.
وتتمثل بعض ميزات البنوك الجديدة التى تجذب الشركات الصغيرة والمتوسطة والمستخدمين غير المخدومين بشكل كافٍ مثل المستقلين والعاملين فى الاقتصاد الحر فى سهولة فتح وإدارة الحسابات، الدفع السلس، حلول التحويلات والمدفوعات، وطرق بديلة لتقييم الجدارة الائتمانية. وقد وفرت هذه البنوك لهذه الشرائح إمكانية الوصول إلى خدمات ومنتجات مالية كانت إما نادرة أو تأتى برسوم باهظة وشروط صارمة.
بلغت قيمة سوق البنوك الجديدة العالمية 18.6 مليار دولار فى عام 2018، ومن المتوقع أن تنمو بمعدل نمو سنوى مركب يقارب 46.5% بين عامى 2019 و2026، لتصل إلى حوالى 394.6 مليار دولار بحلول عام 2026.
يُعزى النمو الكبير المحتمل للبنوك الرقمية إلى نموذجها منخفض التكلفة للعملاء، مع عدم وجود أو وجود رسوم شهرية منخفضة جدًا على الخدمات البنكية مثل الحفاظ على الحد الأدنى من الرصيد، الإيداعات، والسحب.
ومن أبرز العوامل التى تحفز نجاح البنوك الرقمية الجديدة، تبنى التكنولوجيا المبتكرة، وازدياد استهلاك المستهلكين، واعتماد الشباب والشركات الصغيرة والمتوسطة ومن يملكون دخلًا غير منتظم، وفى عام 2018، شكل قطاع الأعمال معظم إيرادات السوق العالمية للبنوك الرقمية، بسبب زيادة قبول المدفوعات الرقمية فى كل من الشركات متعددة الجنسيات والشركات فى مراحلها الناشئة.
وأوضحت الدراسة حول البنوك الرقمية فى الهند، أنها مميزة أكثر من التقليدية للشركات الصغيرة والمتوسطة، لأنها تتمتع بنماذج أعمال أقل تعقيدًا وتكنولوجيا متقدمة، تتيح فتح الحسابات بسلاسة، خدمة العملاء على مدار الساعة مدعومة بالروبوتات، التحويلات عبر الحدود شبه الفورية، والخدمات المحاسبية والمالية الآلية المعتمدة على الذكاء الاصطناعى، إلى جانب توفير الخدمات المصرفية الأساسية، مثل خدمات المحاسبة والتسوية الآلية شبه الفورية للدفاتر، الميزانيات، بيانات الأرباح والخسائر، وخدمات الضرائب مثل الفواتير المتوافقة مع ضريبة السلع والخدمات، وسجلات المدفوعات الضريبية، والتسوية على المنصات المحمولة بتكاليف ميسورة.
وتسعى البنوك الجديدة إلى تقديم إشعارات وتفسيرات فى الوقت الفعلى لأى رسوم أو غرامات تترتب على العميل.
وتعتمد البنوك الأجنبية فى الهند على فروعها التقليدية لتقديم المنتجات الرقمية لأن البنك المركزى هناك لم يمنح تراخيص للبنوك الرقمية ويُشدد على الحضور المادى لمقدمى الخدمات المصرفية الرقمية.
ويعد وجود فروع البنوك الفعلية أمرًا هامًا لخدمة العملاء وحل نزاعاتهم وشكاواهم شخصيًا. فى إرشادات عام 2014 لمنح تراخيص بنوك المدفوعات، أشار البنك الاحتياطى الهندى إلى أنه لا يتصور أن تتحول بنوك المدفوعات إلى “بنوك افتراضية” أو بنوك بدون فروع.
كجزء من استراتيجياتها التجارية وللتغلب على العقبات التنظيمية، تشارك البنوك الجديدة مع البنوك التقليدية وتقدم خدمات مصرفية تجارية واستهلاكية. بالنسبة للعميل النهائى، تقدم البنوك الجديدة الخدمات المالية والمصرفية، لكن من المنظور التنظيمى، تتم إدارة المعاملات المالية من قبل البنوك الشريكة.
تعد ميزات مثل الوصول، الوظائف المصرفية والمالية المتعددة بتكلفة فعالة تحت مظلة واحدة، والتخصيص، من العوامل المحفزة للبنوك الجديدة على مستوى العالم. وتقوم شركات التكنولوجيا المالية ببناء حلول موجهة نحو العمال ذوى الياقات الزرقاء واحتياجات الشركات الصغيرة والمتوسطة غير المخدومة جيدًا، وهى خطوة نحو الأمام.
وتطرقت الدراسة إلى أنه رغم اكتساب البنوك الرقمية الزخم، إلا أن معظمها لم يظهر بعد ربحية مستدامة. ومع ذلك، لديها إمكانيات كبيرة لتغيير قواعد اللعبة فى الخدمات المصرفية والمالية، ولتكون كيانات مربحة يتطلب الأمر اتجاه البنوك التقليدية للاستثمار فى التكنولوجيا الحديثة وإعادة هندسة العمليات لتوفير تجارب سلسة وسريعة للعملاء.
مع تزايد المنافسة بين البنوك التقليدية، وشركات التكنولوجيا المالية الحديثة، أن نرى ما إذا كان السوق عميقًا بما يكفى لكى تنمو البنوك الجديدة بشكل مستدام وعادل.
ومن العوائق الأساسية التى تواجهها البنوك الرقمية التنظيم والامتثال، وأمن البيانات والأمن السيبرانى، والتكامل السلس لبرمجة التطبيقات، وتوسيع نطاق المنتجات والخدمات.