كم من المال اقترضته السنغال؟
وفقاً لما أعلنه رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو، فإن ديون السنغال أكبر مما كان يعتقد سابقاً.
ففي مؤتمر صحفي عقده في 26 سبتمبر، أكد سونكو، الذي تولى منصبه في أبريل، أن الحكومة السابقة “كذبت على الشعب” من خلال إخفاء قروض تعادل 10% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يكفي لرفع الدين العام للبلاد إلى 83% من الدخل الوطني.
وحتى الآن، لم يتم نشر تدقيق شامل لهذه الأرقام، مما يجعل من الصعب التأكد من صحتها.
وصندوق النقد الدولي، الذي يدير برنامج إنقاذ بقيمة 1.9 مليار دولار مع السنغال، لم يخفِ استياءه من هذه الأرقام المخفية.
الدين الخفي ظاهرة شائعة
الارتباك حول حجم الديون ليس حالة فريدة، إذ تكافح العديد من الحكومات لتتبع كل ما تدين به، خاصة فيما يتعلق بديون الشركات المملوكة للدولة التي غالباً ما تتورط في الاقتراض غير المنضبط.
والبعض الآخر من الحكومات يلجأ إلى الاقتراض السري لتجنب الرقابة العامة، حسب ما ذكرته مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية.
ووفقاً لدراسة حديثة أجراها باحثون من البنك الدولي وجامعتي دويسبورج-إيسن ونوتردام، فقد جمعت الدول النامية منذ عام 1970 ما لا يقل عن تريليون دولار من الديون الخارجية غير المعلنة للبنك الدولي عند توقيعها، وهذا يمثل أكثر من 12% من إجمالي الاقتراض الخارجي خلال تلك الفترة.
تأتي هذه الأرقام من خلال تتبع المراجعات على إحصاءات الديون الخارجية للبنك الدولي، والتي تعتمد على تقارير الحكومات المدينة، وما يقرب من 70% من تقديرات الديون يتم تعديلها بعد نشرها للمرة الأولى.
في حين أن معظم التعديلات صغيرة ويبدو أنها غير مقصودة، فإن المراجعات التصاعدية تكون أكبر من الهبوطية، مما يشير إلى وجود أنماط منهجية في عدم الإبلاغ الكامل عن الديون.
وبطبيعة الحال، لا يمكن احتساب الديون المخفية إلا عندما يتم اكتشافها، مما يعني أن قيمتها الحقيقية قد تكون أعلى بكثير.
هناك بعض الشفافية في تقارير قروض البنك الدولي، التي يتم الكشف عنها بانتظام، وكذلك السندات المتداولة علناً.
ومع ذلك، تأتي أكبر المراجعات من القروض الخاصة، مثل الائتمان المصرفي أو القروض الثنائية بين الحكومات.
الديون المخفية تميل إلى التراكم عندما تكون الاقتصادات مزدهرة، وتصبح أكثر عرضة للاكتشاف عند تباطؤ النمو الاقتصادي، حيث تسعى الدول للتعافي أو الحصول على مساعدة من صندوق النقد الدولي.
في الأعوام الأخيرة، تزايد الكشف عن الديون المخفية بشكل ملحوظ مع تعامل الدول مع تداعيات جائحة كوفيد-19، وقد يكون تحسين أنظمة التقارير سبباً آخر لهذا الارتفاع.
وقد أظهرت مراجعات عام 2022 لإحصاءات البنك الدولي أن هناك زيادة تصاعدية تزيد على 200 مليار دولار، وهي الأكبر في تاريخ الإحصاءات.
فضائح الفساد
تعد حالات الفساد الأسوأ ضمن الديون المخفية.
في موزمبيق، على سبيل المثال، اقترضت شركات حكومية سرًا مبلغ 1.2 مليار دولار ضمن خطة دبرها مصرفيون من “كريدي سويس”، ومسئولون حكوميون، وشركة لبنانية لبناء السفن.
عندما تم الكشف عن هذه القروض في عام 2016، انهار الاقتصاد المحلي.
العديد من المسؤولين الذين تورطوا في هذه الفضيحة، والذين حصلوا على رشاوى، تم إيداعهم السجن.
في أغسطس الماضي، تم إدانة وزير المالية الذي وقع على هذه الصفقات بتهم الاحتيال وغسيل الأموال في محكمة بنيويورك.
كما أن الاقتراض الغامض يمثل أيضاً عائقاً أمام إعادة هيكلة الديون.
ففي زامبيا، أدى الارتباك حول الحجم الفعلي للديون إلى تفاقم الشكوك بين الدائنين الغربيين والصينيين عندما سعت البلاد لأول مرة إلى إعادة هيكلة ديونها في عام 2020، واستمرت عملية إعادة الهيكلة حتى هذا العام.
وتمت مراجعة الرقم المعلن عن ديون زامبيا لعام 2021 بزيادة تزيد على 3 مليارات دولار، أو ما يعادل 14% من الناتج المحلي الإجمالي.
بشكل عام، وجدت الدراسات أن البلدان تقضي فترة أطول في حالة تعثر عندما تكون الديون المخفية جزءاً من المشكلة.
الشفافية ضرورة ملحة
إحدى الطرق الواضحة لزيادة الشفافية هي فرضها بموجب القانون، فقد وجد مسح أجراه صندوق النقد الدولي على 60 دولة، من ألبانيا إلى زيمبابوي، أن نصف هذه الدول تقريباً لا تمتلك تشريعات تلزم الحكومات بتقديم تقارير حول إدارة الديون إلى البرلمانات، بينما القليل منها فقط يطلب نشر شروط القروض السيادية.
مشكلة أخرى تتمثل في الإفراط في استخدام بنود السرية ضمن العديد من عقود الديون، وهي بنود غالباً ما تتجاوز ما يمكن تبريره باعتبارات تجارية.
يتحمل المقرضون أيضاً جزءاً من المسؤولية.
ففي عام 2019، قام معهد التمويل الدولي، وهو نادٍ للجهات المالية، بتطوير مجموعة من المبادئ التي تشجع المقرضين من القطاع الخاص على الكشف عن قروضهم للحكومات طوعاً.
ومع ذلك، سجل بنكان فقط معلومات حول قروضهما في السجل العام الذي تم إنشاؤه لهذا الغرض، وكان أحدهما “كريدي سويس” بعد فضيحة موزمبيق، في محاولة منه لاستعادة سمعته.
لم يسجل السجل أي قروض متفق عليها هذا العام، وقد أظهرت تحقيقات أجرتها مجموعة “ديبت جاستيس” البريطانية أن ما لا يقل عن 37 مليار دولار من القروض كان يجب أن تُنشر، مقارنة بمبلغ 2.9 مليار دولار فقط الذي تم تسجيله بالفعل في ذلك الوقت.
اقترح النشطاء أن العقود السيادية يجب أن تكون غير قابلة للتنفيذ في المحاكم إذا لم يتم الكشف عنها علنًا في غضون 30 يومًا من إصدارها.
يمكن تحقيق هذا الإصلاح من خلال بعض التعديلات القانونية في إنجلترا ونيويورك، حيث تتم مناقشة معظم قضايا الديون الدولية، ولن يؤدي هذا إلى القضاء تماماً على المشكلة، ولكنه سيكون خطوة في الاتجاه الصحيح.