مع بقاء أسابيع قليلة فقط على الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يسعى كل من المرشح الرئاسى دونالد ترامب، ونائبة الرئيس الديمقراطية كامالا هاريس للفوز بأصوات الناخبين المترددين فى الولايات الصناعية المتأرجحة مثل ميشيجان؛ حيث يُعد الاقتصاد القضية الحاسمة للناخبين.
وقال إدوارد مونتجمرى، رئيس جامعة ميشيجان الغربية: «إذا قمت بتشغيل التلفاز فى هذه الولاية، لا يمكنك تجنبها.. هذه الولاية بالتأكيد ضمن المنافسة، وهذه الانتخابات تخبرك بمدى شدة تلك المنافسة».
هذا الأمر ينطبق بشكل خاص على مقاطعة كينت، التى صوتت لصالح ترامب فى عام 2016، ولصالح بايدن فى عام 2020، ما ساعده على الفوز بولاية ميشيجان بفارق حوالى 150 ألف صوت، أى ما يقارب 3 نقاط مئوية.
أظهرت أحدث استطلاعات الرأى فى ميشيجان تقدم هاريس بفارق 1.6 نقطة على ترامب، ما يعكس الصعوبات التى تواجهها فى ما يسمى «ولايات الجدار الأزرق» التى أسهمت فى إيصال بايدن إلى البيت الأبيض.
كما يعكس هذا التقدم غضب الجالية العربية الأمريكية الكبيرة فى ميشيجان من دعم بايدن، وهاريس الآن، لإسرائيل فى غزة، بحسب ما ذكرته صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.
تأمل حملة هاريس أن تعزز البيانات الاقتصادية الإيجابية فى الولايات المتحدة، مثل النمو القوى فى الوظائف، وتراجع التضخم، وانخفاض أسعار الفائدة، من تقدمها الضئيل فى الولاية، إلى جانب اقتراحات تتعلق بمكافحة استغلال الأسعار.
لكن التضخم ترك أثره، وانقسم الناخبون فى ميشيجان حول هذه القضية.
فقد قالت مارى بالمر، متقاعدة تبلغ من العمر 63 عاماً من مدينة بوين، إنها «متفائلة» بشأن مستقبل الولايات المتحدة، وستدلى بصوتها لصالح هاريس.
بينما عبر آخرون عن غضبهم، لا سيما حول الأسعار.
فقد صرح رايان ماكفيكر، عامل لحام فى مصنع «برادفورد وايت» فى مدينة ميدلفيل، قائلاً: «إنها أسعار مبالغ فيها»، فى إشارة إلى فواتير البقالة والكهرباء الخاصة به.
وأضاف: «الجمهوريون أفضل مع المال»، مشيرًا إلى دعمه لترامب.
وتجادل إدارة بايدن ـ هاريس فى هذا الأمر، مشيرة إلى جهودها لخفض التكاليف واستراتيجيتها الصناعية الجديدة التى تتضمن تقديم إعانات ضخمة لإحياء التصنيع فى المناطق الصناعية مثل ميشيجان، والتى تعد بتوفير وظائف على المدى الطويل.
ومع ذلك، يعانى الكثير من سكان ميشيجان مما يصفونه بأزمة تكاليف المعيشة فى الوقت الحالى.
وقال كين إيستيل، رئيس بنك الطعام «فيدينج أمريكا» فى غرب ميشيجان، إن «سياسات إدارة بايدن تسببت فى ضرر أكبر للأشخاص الذين نخدمهم، من حيث زيادة عدد الأشخاص الذين يتوافدون إلينا».
وأوضح أن عدد الزيارات إلى بنوك الطعام فى الولاية ارتفع بنسبة تزيد على 20% خلال الأشهر الاثنى عشر الماضية، بعد زيادة بنسبة تقارب 30% فى العام السابق، مشيراً إلى أنه «من الصعب التغلب على ثلاث سنوات سابقة من الأسعار المرهقة».
استغل ترامب هذه المشاعر المرتبطة بعدم الرضا الاقتصادى خلال حملته الانتخابية، فقد قال فى تجمع حاشد بالقرب من ووكر، غرب ميشيجان، فى أواخر سبتمبر: «بلدنا فى ورطة.. إنها فوضى».
وأظهر استطلاع حديث أجرته غرفة التجارة الإقليمية فى ديترويت أن 47% من الناخبين المسجلين يعتقدون أن اقتصاد الولاية يسير فى «الاتجاه الخاطئ»، مقابل 43% لديهم وجهة نظر أكثر إيجابية.
ووجد استطلاع آخر أجرته «نيويورك تايمز ـ سيينا» للناخبين المحتملين فى ميشيجان، أن 55% يثقون فى ترامب فيما يتعلق بالاقتصاد مقارنة بـ42% لهاريس.
وتظهر البيانات الاقتصادية الشاملة صورة أكثر إيجابية عن الولايات المتحدة تحت إدارة بايدن ـ هاريس.
على الرغم من مرور أكثر من عام من ارتفاع أسعار الفائدة، فإنَّ الاقتصاد الأمريكى نما بسرعة.
ويقدر بنك الاحتياطى الفيدرالى فى أتلانتا أن الاقتصاد سيتوسع بنسبة تقارب 3% فى الربع الثالث، وهو أحد أسرع الاقتصادات نموًا فى العالم المتقدم.
وظل سوق العمل الأمريكى قويًا حتى مع انخفاض التضخم من ذروته فى عام 2022، ففى سبتمبر، تراجع معدل البطالة إلى 4.1%، وهو أعلى من العام الماضى لكنه لا يزال منخفضًا تاريخيًا.
ومع ذلك، ظهرت بعض الإشارات التحذيرية للاقتصاد، فقد أصبح عدد الأمريكيين الذين يسعون للحصول على وظيفة ثانية فى ازدياد.
وكذلك عدد الأشخاص الذين ظلوا عاطلين عن العمل لمدة 15 أسبوعًا أو أكثر، وارتفعت حالات التخلف عن سداد بطاقات الائتمان؛ حيث استنفد المواطنون الأموال التى قدمتها الحكومة خلال الجائحة.
قال بول إيزيلى، أستاذ الاقتصاد فى جامعة جراند فالى ستيت فى ميشيجان، إنَّ «المواطنين لا يشعرون بالأمان كما كانوا من قبل، وحتى لو كانت معظم جوانب حياتهم أفضل الآن، فإنهم يدركون أنهم ينفقون أكثر مما يمكنهم تحمله، بينما كان ذلك مخفيًا فى الماضى؛ بسبب المدخرات الزائدة التى كانت لديهم».
شعرت العديد من الشركات فى ميشيجان بضغط الأوضاع هذا العام، فقد قال نيلسون سانشيز، الرئيس التنفيذى لشركة «رومان مانيوفاكتشرنج» فى جراند رابيدز: «كنا نعمل بكامل طاقتنا، لكن فى يناير، كان الأمر كما لو أن شخصًا ما قلب المفتاح»، وهذا الأمر دفعه إلى تقليص عدد موظفيه.
وعزا سانشيز هذا التباطؤ إلى تراجع الطلب الاستهلاكى وقلة الأعمال القادمة من قطاع صناعة السيارات.
ومع ذلك، بدأت الطلبات فى العودة بشكل تدريجى، ما جعله «متفائلاً» بشأن عام 2025، فحينها قد تتمكن شركته من البدء فى توظيف المزيد من العمال مرة أخرى.
زاكارى فيرهولست، الذى يدير شركة «بيور أركيتكتس» فى جراند رابيدز، قال إنَّ ارتفاع أسعار الفائدة دفع المواطنين إلى تأجيل مشاريعهم المخططة العام الماضى.
وأضاف فيرهولست، البالغ من العمر 37 عامًا: «كان المواطنون فى حالة من الذعر، يحاولون معرفة ما الذى سيحدث».
وأوضح أنه بدأ يتلقى مكالمات من عملاء يفكرون فى استئناف مشاريع البناء بعد أن أشار الاحتياطى الفيدرالى فى وقت سابق هذا العام إلى نيته خفض أسعار الفائدة.
هذه التلميحات بالتعافى تركت البعض يشعرون بالتفاؤل، لكن التحدى الذى يواجه هاريس سيكون كيفية استغلال هذا التفاؤل فى ميشيجان.
مونتجمرى، وهو ديمقراطى مدى الحياة وكان سابقًا كبير اقتصاديى وزارة العمل، قال إنَّ هذا قد يكون تحديًا صعبًا.
وأضاف أن «المشكلة هنا هى أن التضخم هو معدل الزيادة، وقد تباطأ، لكن تركيز الجمهور ينصب على الأسعار المطلقة».
وأوضح رئيس جامعة ميشيجان الغربية، أن «الأمر يتطلب الكثير حتى تنخفض الأسعار، وسيكون ذلك بمثابة ركود وانكماش، وليس من الواضح ما إذا كنت ترغب فى ذلك».
بالنسبة للمقيمين فى أكثر المناطق اكتظاظًا بالسكان فى الولاية ـ التى تشمل ديترويت، ووارن، وديربورن ـ فإن التكاليف اليومية الآن أعلى بكثير ولا تزال ترتفع، فقد ارتفع التضخم إلى ما يقارب 10% فى عام 2022 ولا يزال فوق 3% حتى أغسطس، وفقًا للبيانات الفيدرالية.
وقد أدى ذلك إلى ارتفاع تكاليف الإسكان بنسبة 36% منذ تولى بايدن منصبه، كما أن أسعار الوقود أصبحت أكثر تكلفة مما كانت عليه فى عهد ترامب، وارتفعت أسعار البقالة بنسبة 25% فى السنوات الأربع الماضية.
فقط فى العام الماضى، بدأت الأجور الأمريكية ترتفع بشكل أسرع من أسعار السلع والخدمات.
يقول «ترامب»، إنَّ الحل هو خفض تكاليف الطاقة واللوائح، رغم أن الاقتصاديين يحذرون من أن خططه لفرض تعريفات جمركية واسعة النطاق وتخفيضات ضريبية قد تؤدى إلى زيادة التضخم.
أما خطة هاريس، فتركز على توفير مزايا الأمان الاجتماعى ودعم الشركات الصغيرة، بجانب فرض المزيد من الضرائب على الأثرياء والشركات الكبيرة.
ومع ذلك، هناك العديد من الناخبين غير مقتنعين بأى من الطرفين، ومتشائمون بشأن قدرة واشنطن المنقسمة على تقديم المساعدة.