شهدت أسعار الذهب قفزة هائلة العام الجاري، وبلغ المعدن النفيس أعلى مستوى قياسي له عند 2772 دولاراً للأوقية الأسبوع الماضي.
ومع مكاسب بلغت نحو 33% منذ بداية العام، تجاوزت عائدات الذهب سوق الأسهم بما في ذلك مؤشر “ناسداك 100” الذي يعتمد على أسهم التكنولوجيا بما في ذلك السبعة الكبار، بنحو 10 نقاط مئوية، وفقاً لما ذكرته “Business Insider”، واطلعت عليه “العربية Business”.
ومنذ بدء سوق الأسهم الصاعدة في أكتوبر 2022، تجاوز الذهب مكاسب الأسهم، حيث حقق عائداً بنسبة 67% مقارنة بعائد مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” الذي بلغ نحو 63%، وفقاً لبيانات “YCharts”، ما يجعل المعدن الأصفر أحد أفضل الاستثمارات في العالم، فما هي العوامل التي جعلته متفوقا من حيث العائدات؟.
الطلب من البنوك المركزية
كانت البنوك المركزية العالمية في حالة شراء للذهب على مدى السنوات القليلة الماضية؛ إذ اشترت البنوك المركزية 483 طناً من الذهب في النصف الأول من العام، ويعد ذلك رقماً قياسياً.
وتصدرت البنوك المركزية من تركيا والهند والصين قائمة أكبر المشترين، بحسب بيانات مجلس الذهب العالمي.
يأتي جزء من الارتفاع في الطلب من الدول التي تريد تنويع حيازاتها بعيداً عن الدولار.
وقال “جولدمان ساكس” في مذكرة الشهر الماضي: “نعتقد أن مضاعفة مشتريات البنوك المركزية ثلاث مرات منذ منتصف عام 2022 بسبب المخاوف بشأن العقوبات المالية الأمريكية والديون السيادية الأمريكية هي عملية هيكلية وستستمر”.
لقد كانت هذه الديناميكية واضحة منذ غزو روسيا لأوكرانيا في عام 2022، حيث سعت أمريكا إلى إلحاق أقصى قدر من الضرر الاقتصادي بروسيا من خلال العقوبات، ولكن من الصعب تنفيذ العقوبات ضد دولة أقل اعتماداً على الدولار، وإحدى الطرق لتقليل الاعتماد على الدولار هي شراء الذهب.
إنها ديناميكية يجب على الولايات المتحدة مراقبتها عن كثب، وفقاً للخبير الاقتصادي محمد العريان.
كتب العريان في مقال رأي لصحيفة “فاينانشيال تايمز” أن الارتفاع المستمر في الذهب “يجسد نهجاً آخذ في التزايد بين الصين ودول القوة المتوسطة”.
وأضاف العريان: “هناك أيضاً اهتمام باستكشاف البدائل المحتملة لنظام المدفوعات القائم على الدولار والذي كان في صميم البنية الدولية منذ نحو 80 عاماً”.
وحققت روسيا نجاحاً في هذا الصدد، حيث تمكنت من توجيه اقتصادها بعيداً عن الركود التام بعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات واسعة النطاق في عام 2022، ما قد يمنح الدول الأخرى الثقة لتقليل اعتمادها على الدولار، ما سيعود بالنفع في نهاية المطاف على الذهب.
التوترات الجيوسياسية
يعد الذهب أحد الأصول الآمنة نظراً لتاريخه الطويل كمخزن ثابت للقيمة؛ لذا عندما ترتفع التوترات الجيوسياسية، يميل المستثمرون إلى الإقبال على المعدن النفيس، فمن حرب روسيا ضد أوكرانيا إلى الاشتباكات المتصاعدة في الشرق الأوسط إلى التهديد الصيني الطويل الأمد ضد استقلال تايوان، تتصاعد التوترات الجيوسياسية ولا تتراجع.
وعلاوة على ذلك، فإن ارتفاع الديون الأمريكية يعني أن سندات الخزانة – وهي أصل تاريخي آخر من الملاذ الآمن – قد لا تكون خالية من المخاطر بعد الآن.
قال “بنك أوف أمريكا” في مذكرة الشهر الجاري: “يبدو أن الذهب هو آخر أصول الملاذ الآمن، مما يحفز المتداولين بما في ذلك البنوك المركزية على زيادة التعرض له”.
تجارة ترامب
اكتسبت تجارة ترامب زخماً مؤخراً مع ارتفاع احتمالات فوز الرئيس السابق في الانتخابات، وكان الذهب من اكبر المستفيدين، وذلك لأن رئاسة ترامب المحتملة من المتوقع أن تكون مصحوبة بعجز حكومي مرتفع ونمو سريع للديون، ما من شأنه أن يزيد من المخاوف بشأن انتعاش التضخم واستدامة الدولار الأمريكي.
ويرى كبير الاستراتيجيين لدى شركة “Interactive Brokers”، ستيف سوسنيك، أنه حتى لو لم يفز ترامب بالانتخابات، فمن المرجح أن ينمو العجز، مما يدفع الذهب لتسجيل المزيد من المكاسب.
أسعار الفائدة
استفادت أسعار الذهب تاريخياً من انخفاض أسعار الفائدة، حيث ارتفعت بنسبة 10% في الأشهر الستة التي أعقبت أول خفض لسعر الفائدة من قِبَل بنك الاحتياطي الفيدرالي، بحسب بيانات مجلس الذهب العالمي.
كما تعزز توقعات خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة عدة مرات على مدار العام المقبل أسعار الذهب.
وبينما قفزت العائدات منذ أول خفض لسعر الفائدة من قِبَل بنك الاحتياطي الفيدرالي الشهر الماضي، إذ سجلت عائدات سندات الخزانة لأجل 10 سنوات أعلى مستوى منذ يوليو الأسبوع الماضي، استمرت أسعار الذهب في الارتفاع، ما يشير إلى أن مستثمري الذهب أكثر تركيزاً على مسار أسعار الفائدة العالمية، حيث تبدو البنوك المركزية العالمية على استعداد لتخفيف السياسة النقدية.