تتفاوت الدول الفقيرة بشكل كبير فيما بينها، إذ يعيش نصف سكان النيجر، الدولة الأفريقية الحبيسة التي تعاني من الانقلابات العسكرية، في فقر مدقع، فيما يفتقر 80% من السكان إلى الكهرباء، ولا يتجاوز نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 620 دولاراً سنوياً.
على الجانب الآخر، يتمتع متوسط دخل الفرد في بنجلاديش بزيادة تصل إلى أربعة أضعاف مقارنة بالنيجر، حيث لا يُعد سوى شخص واحد من بين كل 18 شخصاً ضمن أفقر سكان العالم.
في بنجلاديش، لم تعد مشكلة توفير الكهرباء هي التحدي الأساسي، بل يركز صُناع القرار على جذب الاستثمارات الأجنبية لبناء مشاريع الطاقة المتجددة، بهدف تقليل الاعتماد على الفحم.
هذا التنوع الكبير بين الدول الفقيرة يجعل مهمة البنك الدولي أكثر تعقيداً، إذ يتولى إقراض 78 من أفقر دول العالم عبر “المؤسسة الدولية للتنمية”، التي تقدم المساعدات بشروط ميسرة جداً بناءً على نصيب الفرد من الدخل ومدى استدامة الديون.
ووفقاً لتقرير نشرته مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية، وزعت المؤسسة في العام المالي الماضي منحاً وقروضاً بقيمة 28 مليار دولار، ما يمثل أكثر من ثلث إجمالي تمويل البنك، لتصبح إحدى أكبر الجهات المقرضة للدول منخفضة ومتوسطة الدخل.
تحديات التمويل المتزايدة
أصبح من الصعب على البنك الدولي تلبية احتياجات هذا العدد الكبير من الدول ذات الظروف المتباينة، وهو ما اتضح في المؤتمر الذي عُقد في السادس من ديسمبر في العاصمة الكورية الجنوبية سيؤول.
وتعتمد “المؤسسة الدولية للتنمية” على إعادة تدوير القروض المسددة، لكنها بحاجة إلى تمويل إضافي كل ثلاث سنوات نظراً لشروطها السخية.
في هذا الإطار، أعلن رئيس البنك الدولي، أجاي بانجا، عن خطة تمويل بقيمة 100 مليار دولار، بزيادة عن 93 مليار دولار تم جمعها في الجولة السابقة.
ورغم أن الرقم يُعد الأكبر على الإطلاق، إلا أن مساهمات المانحين، التي بلغت 24 مليار دولار فقط، ظلت ثابتة تقريباً مقارنة بالجولة السابقة، بل إنها الأدنى من حيث السخاء بعد تعديلها لمراعاة التضخم.
هذا التراجع في دعم الدول الغنية يفرض تحديات كبيرة على البنك الدولي.
ومع تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع أسعار الفائدة، تراجعت الآمال في أن تُصبح الدول الفقيرة غنية بما يكفي لعدم حاجتها للدعم.
وبالتالي، يسعى البنك إلى سد الفجوة عبر الاقتراض من الأسواق المالية، حيث سيحتاج إلى جمع 3.22 دولار لكل دولار يقدمه المانحون، مقارنة بـ2.96 دولار قبل ثلاث سنوات.
تخطط المؤسسة لتطبيق تدابير مالية جديدة، مثل تحويل بعض القروض إلى أسعار فائدة متغيرة وتقديم خدمات التحوط، لتوفير التكاليف.
ومع ذلك، ستؤدي هذه التدابير إلى نقل التكاليف الإضافية مباشرة إلى الدول الأكثر فقراً، التي تعتمد بشكل أساسي على المنح بدلاً من القروض.
التحديات المقبلة للدول الفقيرة
على مدار العقد الماضي، زادت قيمة المنح الموجهة إلى الدول الفقيرة ثلاث مرات، لكن يُتوقع أن تنخفض قيمتها الفعلية خلال السنوات الثلاث المقبلة.
بالإضافة إلى ذلك، سينخفض الحد الأقصى للمساعدات التي يمكن أن تحصل عليها أي دولة من مليار دولار إلى 650 مليون دولار، ما يُنذر بإصلاحات إضافية لتقليل النفقات بعد الصعوبات التي واجهت جمع الأموال في كوريا الجنوبية.
التغير المناخي مقابل التنمية
يرى البنك الدولي أن التعديلات الجديدة ضرورية لإتاحة مزيد من القروض لدول أخرى، بما في ذلك تلك التي تسعى لمكافحة تغير المناخ.
فبعض الدول الأغنى بين مقترضي “المؤسسة الدولية للتنمية” تسعى للحصول على تمويل لمشاريع الطاقة المتجددة، مثل الألواح الشمسية وتوربينات الرياح، وهي مشاريع تلقى استحسان الدول الغنية التي باتت تفضل تمويل المناخ على المساعدات التقليدية.
لكن هذا التحول قد يقوض نموذجاً ناجحاً للتنمية، فقد أظهرت دراسة أُجريت في عام 2016 أن زيادة الإنفاق من “المؤسسة الدولية للتنمية” بنسبة نقطة مئوية واحدة تؤدي إلى زيادة نمو دخل الفرد بنسبة 0.35 نقطة مئوية سنوياً.
مثل هذا الإنفاق يُعد الأداة الأكثر فعالية لمحاربة الفقر المدقع، حيث يُتيح للحكومات استثمار الأموال دون المخاطرة بوقوع أزمات مالية.
وتشير أبحاث مركز التنمية العالمية إلى أن التمويل الذي تقدمه “المؤسسة الدولية للتنمية” على الشروط الميسرة يساعد بشكل خاص الدول الأفقر.
مخاطر التمويل الجديد
مع ذلك، تواجه الدول الفقيرة تحديات كبيرة، إذ لا تجد بديلاً عن البنك الدولي للحصول على التمويل.
تعاني العديد من هذه الدول بالفعل من أعباء أسعار الفائدة المرتفعة، أو تُستبعد من الأسواق الدولية بسبب مخاطر التخلف عن السداد، وهو ما لا تواجهه الدول الأغنى ضمن مقترضي المؤسسة.
الإصلاحات الجديدة، رغم أنها تبدو صغيرة، قد تجعل الخدمات الأساسية مثل المستشفيات والطرق والمدارس بعيدة المنال بالنسبة لدول مثل النيجر، وهذا ثمن باهظ حتى لو نجحت التعديلات في تحرير مزيد من الأموال للدول الأخرى.