قبل أربعة أشهر، تقدم صناع وتجار بمذكرات للحكومة يطالبون فيها باستثنائهم من تطبيق الحد الأدنى للأجور البالغ 6 آلاف جنيه على العمالة لديهم، بزعم أن الزيادات فى الأجور قد ترفع تكاليف الإنتاج بشكل كبير، وقد ينعكس ذلك على السعر النهائى للمنتج.
لم تمضِ أسابيع على طلبات القطاع الصناعي، إلا وشكلت وزارة العمل لجنة مشتركة مع اتحاد الصناعات؛ لبحث أوضاع 3330 منشأة طلبت الاستثناء من تطبيق الحد الأدنى، حسبما قال محمد جبران، وزير العمل.
استمرار المطالبة بتأجيل تطبيق الحد الأدنى يعد أحد الأسباب التى أدت إلى خروج شريحة كبيرة من العمالة المدربة، إما لصالح شركات أجنبية تعمل بالسوق المحلي، وإما استقطاب بعض الدول الخليجية، وبالتحديد السعودية، أعداداً كبيرة من العمالة، حسبما ذكر مستثمرون وصناع تحدثوا إلى «البورصة».
وأوضحوا أن سوق العمالة فى مصر يشهد منافسة قوية من أطراف متعددة، حتى اضطرت بعض الشركات المصرية إلى التخلى عن مبدأ الزيادات الأخيرة فى الأجور، ودفع مبالغ أعلى للحفاظ على عمال الصف الأول، وهم مهندسو الجودة ورؤساء الأقسام؛ لضمان استمرارية نشاطهم.
وأشاروا إلى أنهم وضعوا استراتيجيات جديدة للحد من تأثير نقص العمالة المدربة، منها زيادة الأجور، وتقديم مكافآت مغرية، وتنظيم برامج تدريبية متخصصة.
ويعمل 3.5 مليون عامل فى القطاع الصناعى، يسهمون بنسبة لا تقل عن 16% فى الناتج المحلى الإجمالى، وفقاً لوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية.
«الأباصيرى»: الصف الأول من العمالة هو محرك التصنيع ودونه الآلات ليس لها قيمة
وقال عبدالغنى الأباصيرى، نائب رئيس مجلس إدارة غرفة الصناعات النسيجية باتحاد الصناعات، إنَّ الصناعة المحلية تواجه تحدياً كبيراً يتمثل فى نقص العمالة الفنية المدربة، مع دخول الشركات الأجنبية إلى السوق المحلى، ما تسبب فى زيادة المنافسة على جذب الكفاءات بالمصانع.
وأضاف لـ«البورصة»، أن استمرار هروب الكفاءات من المصانع يعرقل توسع الشركات المصرية، ويزيد من تكاليف الإنتاج؛ نظراً إلى أن الصف الأول من العمالة هو المحرك الأول لعملية التشغيل، ودون الخبرة البشرية الآلات لا قيمة لها.
وأشار «الأباصيرى» إلى أن الشركات حالياً لا تجد صعوبة فى استيراد الآلات والمعدات، بفضل التيسيرات التمويلية الأخيرة التى حصلت عليها من الحكومة، لكن الأزمة الحقيقية تكمن فى توفير عمالة مدربة للمصانع بعد سفر بعضهم إلى خارج مصر، واستقطاب الباقى من قِبل شركات أجنبية منافسة.
وذكر أن الصناع طالبوا وزارة الصناعة مؤخراً بتوجيه الطلاب للالتحاق بالمدارس الفنية، التى تعد المورد الرئيسى للعمالة فى القطاعات الصناعية المختلفة.
«صلاح»: نقص الأيدى العاملة يؤثر على إنتاج «ديدى للصناعات الغذائية»
من جانبه، قال نور صلاح، رئيس مجلس إدارة شركة ديدى مصر للصناعات الغذائية، إنَّ توفير العمالة المؤهلة والكافية لجميع الشركات يعد أمراً ضرورياً للحفاظ على استقرار السوق وضمان استمرارية المشروعات.
وأضاف «صلاح» لـ«البورصة»، أن شركته تعانى نقص العمالة المدربة؛ نتيجة استقطاب الشركات الأجنبية لها بعروض مرتفعة، مقارنة بمرتبات شركته، الأمر الذى أثر على إنتاجية الشركة بنسبة 40%، ومع ذلك، نحاول استعادة تلك الطاقة من خلال تصعيد العمال الجدد.
وأشار إلى أن مغادرة العمال دفعت شركته للعمل ثلاث ورديات يومياً، مع العمل على جذب العمالة الفنية، والحفاظ عليها من خلال عدة عوامل، أهمها الالتزام بتطبيق الحد الأدنى للأجور وزيادته، وفقاً لمهارة العامل، بالإضافة إلى إصدار مكافآت بشكل مستمر.
وأضاف أن منافسة الشركات المحلية للشركات الأجنبية التى دخلت السوق مؤخراً فى الأجور أمر يصعب تحقيقه، مشدداً على أن الحل يكمن فى وضع استراتيجيات عاجلة لدعم برامج التدريب والتأهيل، بحيث تسد الفجوة بين الطلب المتزايد على العمالة الماهرة، وقدرة السوق المحلى على توفيرها.
الإنشاءات وتطلعات السعودية ترفعان الطلب على العمالة المصرية
وقال سمير فتح الله، المدير التنفيذى لشركة ترانس أفريكا للملابس الجاهزة، إنَّ أجور العمالة تمثل نحو 60% من تكاليف الإنتاج النهائية، باستثناء المواد الخام.
لفت إلى أن الشركة طبقت الحد الأدنى للأجور البالغ 6 آلاف جنيه منذ شهر يونيو الماضى، ورغم ذلك يرى العاملون أنها غير مجزية فى ظل ارتفاع تكاليف المعيشة.
وأضاف لـ«البورصة»، أن الشركة تعتمد بشكل مستمر على تحديث خطوط الإنتاج بمعدات متطورة وحديثة بهدف تحسين جودة المنتجات، وزيادة الطاقة الإنتاجية، وزيادة المبيعات التى تكافئ الزيادة السنوية لأجور العمال.
وأوضح أن حجم إنتاج الشركة الحالى يقدر بنحو 3.5 مليون قطعة، ومن المخطط زيادته ليصل إلى 4 ملايين قطعة بنهاية العام الجارى.
وقال أدهم النديم، رئيس مجلس إدارة شركة النديم للصناعات المشربية، عضو المجلس التصديرى للأثاث، إنَّ الشركة تواجه نقصاً فى العمالة الفنية منذ 3 أشهر، وتعمل حالياً على تأهيل جيل جديد للحفاظ على تماسك واستمرارية الشركة.
وأضاف لـ«البورصة»، أن الشركة تحافظ على تواجد العمالة الفنية باتباع بعض الوسائل التى تشجعها على البقاء، أهمها رفع الأجور بالتوازى مع ارتفاع جودة العمل، وتوفير بيئة عمل تدعم التوازن بين الحياة المهنية والشخصية، مع تقدير الموظفين والاعتراف بمجهوداتهم.
«السقا»: «هوبك» تسعى لنشر ثقافة الانتماء الوظيفى كإحدى آليات الحفاظ على العمالة
وقال إيهاب فوزى السقا، رئيس شعبة المخلفات بغرفة الصناعات الكيماوية باتحاد الصناعات، إنَّ القطاع يعانى نقص العمالة المدربة وسط سعى الشركات لتنظيم دورات تدريبية قبل بدء التوظيف لمدة 3 أشهر لمساعدة العاملين على اكتساب خبرات ومهارات جديدة.
وأضاف لـ«البورصة»، أنه فى حال رغبة العمال المدربين فى الخروج والبحث عن بدائل أخرى، تلجأ الشركة للبحث عن أسباب ذلك وقد تكون فى أغلب الأحيان نتيجة الراتب غير المرضى، وحينها تضطر لزيادته أو قبول استقالاتهم.
وأوضح الذى يشغل رئاسة مجلس إدارة شركة هوبك للصناعات المطاطية، أن الشركة تحاول جذب العمالة الفنية والحفاظ على بقائها من خلال حزمة إجراءات، أهمها الالتزام بتطبيق الحد الأدنى للأجور، وزيادته فى حال مهارة العامل، وتطبيق نظام التأمين الصحى، مع أهمية نشر ثقافة الانتماء الوظيفى للمؤسسة التى يعمل بها.
«القصاص»: «الإسكندرية للتعبئة» ربطت صرف المكافآت بتحقيق «التارجت»
وقال مصطفى القصاص، مدير العمليات بشركة الإسكندرية لتعبئة وتغليف المواد الغذائية، إنَّ المصانع التى تعتمد على التصدير أو عوائدها المالية مرتفعة بدأت تتنافس على العمالة المدربة من خلال تقديم عروض لأجور مغرية، وهى ظاهرة تتفاقم بشكل مستمر.
أضاف لـ«البورصة»، أن الشركة بدأت تتبع بعض الوسائل لتجنب هروب العمالة المدربة، مثل جذب حديثى التخرج وتخصيص دورات تدريبية لهم لمدة 3 أشهر فى مختلف التخصصات مقابل بدل مالى.
وأوضح أن الشركة لجأت لتحفيز العمال بزيادة رواتبهم فى حال تحقيق «التارجت»، الذى قد يتجاوز أحياناً قيمة الراتب؛ حيث يصل إلى نحو 15 ألف جنيه، كطريقة بديلة فى ظل ارتفاع معدلات التضخم وتمكينهم من تلبية احتياجاتهم.
ولفت إلى أن الشركة تشترط على العمال إبلاغها قبل شهر من رحيلهم؛ حتى تتمكن من البحث عن بديل أو محاولة التحدث معهم للعدول عن قرارهم.
«المراكبى»: العمالة المدربة أساس النمو لتطوير القطاعات الصناعية
وقال حسن المراكبى، رئيس مجلس إدارة شركة المراكبى للصلب، إنَّ وجود عمالة فنية مدربة هو أساس الصناعة المصرية، مؤكداً حرص شركته على التعاون مع مختلف الجامعات المصرية لتدريب الطلاب عملياً على أحدث التقنيات التكنولوجية، ليمتلكوا الخبرة اللازمة التى تؤهلهم لسوق العمل.
وأضاف «المراكبى» لـ«البورصة»، أن نقص العمالة الفنية المدربة يضر بالصناعة المصرية، خاصة مع تزايد الاستثمارات الأجنبية التى تدخل القطاعات الصناعية بوتيرة متسارعة.
فى السياق ذاته، قال ياسر منير، مدير المبيعات الإقليمى بشركة هيرو للصناعات الغذائية، إنَّ تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى السوق المصرى، واستقطاب الدول الخليجية مثل السعودية العمالة الماهرة بأجور مغرية أديا لنقص العمالة لدى المصانع المحلية.
وأضاف «منير» لـ«البورصة»، أن شركته تتولى مهمة تدريب العمال على معداتها لضمان تنفيذ العمل بالجودة والمواصفات المطلوبة، موضحاً أن عملية التدريب قد تصل إلى ثلاثة أشهر.
وأشار إلى أن أكثر القطاعات تأثراً بنقص العمالة الفنية هو قطاع الملابس الجاهزة والمنسوجات؛ نظراً إلى استيعابه عدداً كبيراً من العمالة.
وقال أحمد محمد شعراوى، رئيس مجلس إدارة شركة فوكس للملابس الرياضية، إن أجور العمالة تعد أحد العوامل التى تؤدى إلى زيادة تكاليف التصنيع فى قطاع الملابس، وتمثل نحو 30% من إجمالى تكلفة الإنتاج.
وأوضح أن الشركة تخطط لاستيراد خطوط إنتاج جديدة وماكينات تصنيع متطورة وحديثة، تمهيداً لتشغيلها خلال النصف الأول من عام 2026، ما سيؤدى إلى تقليل حجم العمالة.
وقال عبدالرحمن الجباس، عضو غرفة دباغة الجلود باتحاد الصناعات، رئيس شركة الرواد لدباغة الجلود، إن مهارة العامل وقدرته على تحسين جودة العمل بشكل مستمر تجبر مسئولى أى شركة على التمسك به وتلبية جميع طلباته، بدءاً من زيادة راتبه الشهرى أو صرف مكافآت مجزية.
وأشار إلى أن سياسة الشركة فى زيادة أجور العمالة تعتمد أكثر على جودة العمل، فكلما زادت الطاقة التشغيلية للعامل وجودة المنتج النهائي، التزمت الشركة بتطبيق زيادة فى الراتب.
أضاف لـ«البورصة»، أن تكاليف العمالة الفنية تختلف حسب كل قطاع؛ حيث تمثل 20% بحد أقصى من تكاليف الإنتاج النهائية فى صناعة دباغة الجلود، بخلاف بعض القطاعات الصناعية الأخرى.
وقال مجدى الوليلى، عضو مجلس إدارة غرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات المصرية، إن جميع منظمات الأعمال وفى مقدمتها اتحاد الصناعات كثفت جهودها لإنشاء العديد من المدارس الفنية لتطوير العمالة، وأبرزها مدارس السويدى إلكتريك وتوشيبا العربى.
وأضاف لـ«البورصة»، أن الاتحاد يسهم فى إنشاء 37 مدرسة صناعية داخل مجمعات صناعية، تتيح فرص تعليم لأبناء المجتمع حتى يكونوا مؤهلين لسوق العمل، ويسعى إلى تكثيف جهوده خلال الفترة المقبلة.
ورأى أن المشاركة فى تدشين المدارس والمعاهد الفنية ومراكز التدريب هى أفضل أنواع المشاركة المجتمعية؛ لأنها تعمل على خلق جيل مكتسب للمهارات الصناعية يساعدها على اقتناص فرص جيدة بسوق العمل، ما يعنى فتح فرص عمل كثيرة أمامه.
وينظم المركز الوطنى للتعليم المزدوج التكنولوجى التابع للاتحاد المصرى لجمعيات المستثمرين اجتماعات دورية بحضور الوحدات الإقليمية فى الأسبوع الأخير من كل شهر لمناقشة تحديات التعليم المزدوج وإرسال المطالب إلى وزير التعليم الفنى.
وقال محمد عبدالرحيم، مدير الوحدة الإقليمية للتعليم والتدريب المزدوج التكنولوجى بالإسماعيلية، إن الوحدات الإقليمية التابعة لاتحاد المستثمرين والبالغ عددها 34 وحدة على مستوى الجمهورية، تتيح فرصة التعليم الفنى والتدريب العملى داخل المصانع لنحو 75 ألف طالب سنوياً.
أضاف لـ«البورصة»، أن نظام التعليم المزدوج يعتمد على دراسة يومين بشكل نظرى، والباقى من أيام الأسبوع داخل المصانع للتدريب العملي، مع إعطاء مكافآت تبدأ من 400 جنيه وتصل إلى 6 آلاف جنيه.
وأوضح أن اجتياز الطالب جميع المراحل بتقدير عالٍ يعطيه أولوية فى التعيين داخل أى مصنع بدعم من شهادتين: الأولى من الوحدة الإقليمية التابعة للمركز الوطنى، والثانية من المنشأة الأكاديمية التى تدرب بها.
وطالب جمال السيد إبراهيم، مدير مشروع سيكم التعليمى، بتخصيص مدارس خاصة بالتعليم المزدوج فى كل منطقة صناعية لزيادة طلبات الفرص التدريبية، مع توفير كوادر من المعلمين ذوى الخبرة فى التعليم النظرى والعملى بجميع التخصصات المطلوبة.
كما طالب بتوفير حوافز لشركات القطاع الخاص على دورات التعليم المزدوج لتحملها 60% من تكلفة تعليم الطالب، واستحداث تخصصات جديدة مثل فنى تدوير المخلفات، وفنى طاقة شمسية.