تسيطر فكرة الاستثناء الأمريكي على الأسواق المالية، إذ تفوقت الأسهم الأمريكية على بقية العالم بنسبة 20% خلال العام الماضي فقط.
ومع ذلك، فإن مؤشراً واحداً، وهو قريب من قلب دونالد ترامب، يظل ضعيفاً بشكل استثنائي، ألا وهو ميزان التجارة.
من المتوقع أن يحفز هذا الضعف فرض رسوم جمركية جديدة تركز على الصين، لكن بدلاً من أن تتركز التأثيرات في الصين نفسها، فإنه من المتوقع أن تشهد الأسواق الناشئة تحركات أكبر للأسباب التالية:
أولاً، تصدر الصين أقوى تأثير تضخمي سلبي خلال 30 عاماً على الأقل. وتشير بيانات “مراقبة التجارة العالمية” إلى أن أسعار الصادرات الصينية انخفضت بنسبة 18% منذ ذروتها بعد جائحة كوفيد مقارنة بانخفاض عالمي نسبته 5%.
هذا الانخفاض الفعلي في قيمة اليوان الصيني يدعم الصادرات الصينية بشكل غير مسبوق منذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، حسب ما ذكرته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
ارتفعت أحجام الصادرات الصينية بنسبة 38% خلال السنوات الخمس الماضية، مقارنة بزيادة عالمية تبلغ 3%، وهذه الطفرة في الصادرات تتدفق أساساً إلى الأسواق الناشئة الأخرى.
لا يمكن تفسير هذا بمجرد إعادة توجيه المنتجات الصينية الموجهة للولايات المتحدة، بل يعكس استمرار تقدم الصين في سلسلة القيمة التصنيعية وتصدير قدرات إنتاجية زائدة.
الرسوم الجمركية الجديدة ستعمق هذا الاتجاه، مما يؤدي إلى تداعيات على الإنتاج والنفقات الرأسمالية في الأسواق الناشئة.
وقد تكون الرسوم تضخمية بالنسبة للولايات المتحدة، لكن التأثير سيكون معاكساً بالنسبة لتلك الاقتصادات.
ثانياً، قد تسرع الرسوم الجمركية من التباطؤ في الواردات الصينية، وهو تباطؤ كان قادماً بالفعل.
لقد استمرت واردات السلع الأساسية في الانفصال عن التباطؤ الاقتصادي للصين بفضل الاستثمار القوي في البنية التحتية والتصنيع، لكن الرسوم الجديدة ستزيد من الضغوط المالية وتضعف الربحية، مما سيختبر مرونة هذا الاستثمار.
نتيجة لذلك، في حين تحمل المنافسون الصناعيون للصين عبء تباطؤها حتى الآن، فإن المرحلة التالية من تباطؤ النمو ستؤثر على مصدري السلع الأساسية أيضاً.
ثالثاً، مع تباطؤ النمو الآن في أجزاء كبيرة من الاقتصادات النامية، تجد الأسواق نفسها في موقف ضعيف للتعامل مع حرب تجارية جديدة.
خارج الصين، حيث من المتوقع أن تخفض الرسوم الجمركية نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 3% العام المقبل، يبقى الاستثمار في الأسواق الناشئة عند مستويات 2008 كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.
هناك حاجة لدعم أقوى من خلال تيسير السياسة النقدية، لكن استمرار ارتفاع معدلات الفائدة الأمريكية يحد من قدرة الأسواق الناشئة على القيام بذلك دون الإضرار بالعملات وفوارق الائتمان.
رابعاً، الصناعات الحساسة للرسوم مثل السيارات والصلب والبنية التحتية للنقل والمعدات الكهربائية تشكل حصة أكبر من الأسهم في الأسواق الناشئة، خاصة خارج الصين، مقارنة بالاقتصادات المتقدمة.
هذه الهشاشة تنعكس بالفعل في تقييمات الأسهم الصينية، التي لم تتعافَ من حرب التجارة الأولى، لكنها ليست كذلك في بقية الأسواق الناشئة حيث التقييمات أعلى بنسبة 30% رغم ضعف العائد على الأسهم.
خامساً وأخيراً، تواجه الأسواق الناشئة خارج الصين تحديات أكثر صعوبة في المفاوضات التجارية مع ترامب مقارنة بالماضي.
تغير تكوين العجز التجاري الأمريكي بشكل كبير، حيث تمثل الصين الآن 27% فقط من العجز بينما تشكل بقية الأسواق الناشئة 55%.
كما أن العجز التجاري مع دول مثل المكسيك وفيتنام وتايوان وكوريا وتايلاند ارتفع بشكل سريع، مما يزيد من حالة عدم اليقين.
بعض المستثمرين يعتقدون أن التقييمات تعكس بالفعل هذه المخاطر بعد الأداء الضعيف الأخير، لكن المحللين الاقتصاديين يختلفون معهم.
مؤشر شهية المخاطرة في الأسواق الناشئة التابع لبنك “يو بي إس” يقف حالياً عند منتصف الطريق بين الحياد والتفاؤل المفرط، وهو أعلى من المعتاد بالنظر إلى حالة النمو العالمي.
ويتوقع المحللون نمواً في أرباح الأسواق الناشئة بنسبة 14% في 2025-2026 مقارنة بنسبة 4% خلال نزاع التجارة في 2018-2019.
كما أن تكلفة التحوط ضد نصف انخفاض اليوان الذي شهده 2018-2019 تقع في الربع الأدنى ضمن نطاق عشر سنوات.
كذلك، تعتبر أكبر جاذبية للأسواق الناشئة هي أسعار الفائدة الحقيقية المرتفعة وانخفاض التضخم، وهذا يوفر فرصاً في الدخل الثابت، خاصة الديون المحلية المغطاة بالعملات، لكن الأصول الحساسة للنمو، مثل الأسهم والعملات، تظل عرضة للمخاطر.