بقلم: أوللى رين
تعيش منطقة اليورو سنوات عجاف، ولكن هناك بريقاً من الأمل فى نهاية هذا النفق المظلم، فمن ناحية نجد أن الآفاق الاقتصادية على المدى القصير مازالت ضعيفة، ومن ناحية أخرى هناك دلائل على أن الثقة بدأت تعود إلى المنطقة.
عادت أيرلندا إلى أسواق الدين، وزاد معدل تحويل رؤوس الأموال الخاصة إلى إسبانيا اكثر من هروبها خارج البلاد فى سبتمبر الماضى لأول مرة منذ خمسة عشر شهراً، وباعت إيطاليا مؤخراً السندات لأجل عشر سنوات بأقل عائد منذ عام 2010.
يعكس هذا التقدم الذى شهدته منطقة اليورو القرارات المهمة التى اتخذت على الصعيدين القومى والأوروبى، حيث نجحت فى إعادة بناء الثقة وتهدئة الأسواق والتصدى لمخاوف انهيار المنطقة، وتسهم الاصلاحات الهيكلية بعيدة المدى فى عودة التوازن إلى اقتصاد منطقة العملة الموحدة، وبات هذا التعافى الاقتصادى ملموسا إذ انخفضت اختلالات الحساب الجارى بين اعضاء منطقة اليورو بشكل ملحوظ، كما تمكنت بعض دول اليورو من استعادة القدرة التنافسية التى افتقدوها خلال العقد الماضي.
وحقيقى أن تصحيح اختلالات الحساب الجارى اغلبها فى الدول المتعثرة، ولكن هذا لا يعد امراً غريباً نظراً لحجم التحديات التى تواجهها تلك البلاد، وكما اشار جون مانارد كينز، خبير اقتصادى انجليزي، قبل محادثات بريتون وودز، فان مثل هذه التعديلات اجبارية بالنسبة للمدين واختيارية بالنسبة للمقرض.
وقد قالت المفوضية الأوروبية إن الدول التى تتمتع بفائض فى الميزانية يتعين عليها إجراء الاصلاحات اللازمة لتعزيز الطلب المحلى، وبإمكان المانيا تنفيذ مثل هذه الاصلاحات عن طريق فتح سوق الخدمات وزيادة الاجور تماشيا مع الانتاجية، وتلك هى إحدى توصيات مجلس الاتحاد الاوروبى لبرلين فى يوليو الماضى.
ولكن فى الوقت نفسه، يجب أن نضع فى اعتبارناً أن منطقة اليورو لا تعد اقتصاداً صغيراً مفتوحاً، كما أنها ليست اقتصاداً كبيراً مغلقاً أيضاً، بل هى اقتصاد كبير مفتوح لها علاقات تجارية عديدة مع سائر دول العالم.
ويعنى هذا أن طرق تسوية الديون تتأثر بشكل كبير بالترابط الاقتصادى العالمي، تقليص الفائض فى الشمال لن يقابله تلقائيا زيادة فى الطلب على الصادرات من قبل الجنوب، ولكن قد يكون المستفيد الرئيسى من زيادة الطلب المحلى بالمانيا هى اقتصادات اوروبا الوسطى التى تعد وثيقة الصلة بنظم الامداد فى المانيا، ويعتقد بعض المحللين أن ارتفاع الطلب المحلى بالمانيا بنسبة 1% من شأنه تحسين الميزان التجارى بإسبانيا والبرتغال واليونان باقل من 0.5% من اجمالى الناتج المحلي، مما يؤكد على حقيقة أن سياسات تعزيز القدرة التنافسية امر غاية الاهمية من اجل تسوية الديون واعادة التوازن داخل منطقة اليورو.
يأخذ ميثاق الاستقرار والنمو بالاتحاد الاوروبى بعين الاعتبار تطور الظروف الاقتصادية، حيث تحدد جهود كل دولة لتدعيم اقتصادها وفقا لشروط هيكلية مع مراعاة قدرة الدولة على الانفاق وظروف الاقتصاد الكلي، وفى حالة تدهور النمو، قد تحصل الدولة على مزيد من الوقت لاحتواء عجزها المالى بشرط أن تكون قد نفذت الشروط المتفق عليها، وتم تطبيق مثل هذه القرارات هذا العام فى إسبانيا والبرتغال واليونان.
من أجل التغلب على الأزمة واستعادة الثقة، لابد من الاستمرار فى ازالة العقبات الهيكلية لاستدامة النمو والعمالة وتحويل الافكار الجرئية إلى افعال مقنعة عند اعادة هيكلة وبناء اقتصاد المنطقة واتحادها المالى، وباختصار نحن فى حاجة إلى الاستمرار فى مسيرة التقشف التى بدأت وتحقيق اصلاحات جذرية بدول العملة الموحدة وتعميق الاندماج داخل منطقة اليورو.
إعداد: نهى مكرم
المصدر: فاينانشيال تايمز