استضافت قطر الأسبوع الماضي أول مؤتمر عالمي لصناعة تحويل الغاز إلى سوائل. وترى مجموعة QNB أن الحدث جاء في مرحلة تشهد تزايد الاهتمام العالمي بهذه الصناعة مع وجود تطورات ضخمة مؤخراً منها بدء تشغيل محطة الإنتاج الثانية في مشروع اللؤلؤة لتحويل الغاز إلى سوائل في قطر والخطوات التي اتخذتها الخطوط الجوية القطرية لاستخدام منتجات تحويل الغاز إلى سوائل كوقود للطائرات وخطط إنشاء محطات لتحويل الغاز إلى سوائل في الولايات المتحدة ومناطق أخرى من العالم.
تعمل صناعة تحويل الغاز إلى سوائل على تحويل الغاز الطبيعي إلى وقود سائل مثل الكيروسين والديزل، حيث يكون نقل هذه المنتجات إلى الأسواق أسهل من نقل الغاز الطبيعي، كما أن قيمتها في الأسواق أعلى من قيمة الغاز الطبيعي الخام. وتعتمد صناعة تحويل الغاز إلى سوائل على عمليات تحويل كيميائية، على العكس من الطرق الفيزيائية التي تُستخدم لخفض حجم الغاز لتسهيل نقله من خلال زيادة الضغط لإنتاج الغاز الطبيعي المضغوط أو من خلال تخفيض درجة حرارته لإنتاج الغاز الطبيعي المسال. وعلى النقيض من الغاز الطبيعي المضغوط والغاز الطبيعي المسال، لا تحتاج منتجات تحويل الغاز إلى سوائل إلى معدات خاصة لنقلها واستخدامها نظراً لأنها مشابهة لأنواع الوقود التي يتم إنتاجها من تكرير النفط الخام. علاوة على ذلك، تعتبر درجة نقاء وجودة منتجات تحويل الغاز إلى سوائل مرتفعة وبالتالي ملائمة لاستخدامات عالية القيمة مثل استخدامها كوقود للطائرات.
وقد تم تطوير العمليات الكيميائية لتحويل الغاز إلى سوائل منذ ما يقارب قرن من الزمان، غير أنها تحتاج إلى استثمارات رأسمالية كبيرة وبالتالي كان تطبيقها محدوداً في الدول التي تفتقد إلى مخزون من النفط وتسعى إلى تأمين مصادر للطاقة. وهذه كانت الحالة بالنسبة لألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية وجنوب أفريقيا نتيجة للعقوبات التي كانت مفروضة عليها في مرحلة الفصل العنصري. واعتمدت الدولتان على الفحم وليس الغاز الطبيعي كمادة أولية في العمليات الكيميائية لإنتاج الوقود السائل.
قامت شركة ساسول، وهي شركة من جنوب أفريقيا، بنقل هذه التكنولوجيا إلى دولة قطر لإقامة مشروع أوريكس لتحويل الغاز إلى سوائل بالشراكة مع شركة قطر للبترول والذي يُنتج 34 ألف برميل يومياً. وعند تدشين المشروع في عام 2006 كان أكبر محطة في العالم لتحويل الغاز إلى سوائل، لكن بعد ذلك تفوق عليه مشروع اللؤلؤة لتحويل الغاز إلى سوائل وهو مشروع مشترك بين شركتي شل وقطر للبترول. وقد تم تدشين أول محطة إنتاج في مشروع اللؤلؤة في عام 2011 وتم تدشين محطة الإنتاج الثانية خلال فصل الصيف الماضي. ويعمل المشروع حالياً بنسبة %85 من طاقته الإنتاجية المقررة والتي تبلغ 140 ألف برميل يومياً من منتجات تحويل الغاز إلى سوائل. وتتجاوز هذه الطاقة الإنتاجية نصف الطاقة الإنتاجية العالمية من منتجات تحويل الغاز إلى سوائل. وتطلب إنشاء المشروع الضخم، والذي بلغت تكلفته 19 مليار دولار، ضعف كمية الخرسانة التي تم استخدامها في بناء برج خليفة و40 ضعف كمية حديد التسليح الذي تم استخدامه في بناء برج إيفل. كما بلغ عدد العمال خلال ذروة الإنشاءات في المشروع 52 ألف عامل. وتعتبر المنشآت الأخرى في العالم لتحويل الغاز إلى سوائل أصغر من هذا المشروع كثيراً وتوجد في جنوب أفريقيا حيت تقوم بتشغيلها شركة “بترو إس إيه”، وفي ماليزيا حيث تقوم بتشغيلها شركة شل.
ترى مجموعة QNB أن الاهتمام العالمي بمنتجات تحويل الغاز إلى سوائل مر عبر ثلاث مراحل، حيث كانت المرحلة الأولى في بداية التسعينات من القرن العشرين عندما بدأت منشآت جنوب أفريقيا وماليزيا في العمل، في حين أن المرحلة الثانية جاءت في بداية الألفية الجديدة مع انطلاق المشاريع الحالية في دولة قطر ، بالإضافة إلى مشروع تقوم بإنشائه شركتي شيفرون وشل في نيجيريا لإنتاج 33 ألف برميل يومياً من منتجات تحويل الغاز إلى سوائل والذي من المقرر أن يبدأ العمل هذا العام.
غير أن بعض مشاريع تحويل الغاز إلى سوائل والتي بدأت خلال المرحلة الثانية تم إلغائها في الغالب نظراً لأن سوق الغاز الطبيعي المسال يبدو أنه يقدم عائد على رأس المال أفضل من العائد الذي تقدمه صناعة تحويل الغاز إلى سوائل. لكن دولة قطر قامت بدعم مشروعي أوريكس واللؤلؤة، بجانب مشاريع أكبر في إنتاج الغاز الطبيعي المسال، بهدف تنويع فرص الاستفادة من مخزون الغاز الطبيعي.
وما زال الوقت مبكراً للحكم على أي من تقنيات تحويل الغاز إلى سوائل أو الغاز الطبيعي المسال التي تقدم عائد أفضل للاستثمارات على المدى الطويل. وسيعتمد ذلك على متوسط هامش الربح لكل من منتجات تحويل الغاز إلى سوائل والغاز الطبيعي المسال على مدار العمر الافتراضي للمشروع، مع الأخذ في الاعتبار الاستثمارات الرأسمالية والتكاليف التشغيلية. وتبلغ حالياً التكلفة الرأسمالية لمشاريع تحويل الغاز إلى سوائل بما يتراوح بين 100ألف إلى 200 ألف دولار لإنتاج برميل واحد يومياً من الوقود السائل، وهو معدل تكلفة أعلى من التكلفة الرأسمالية لمشاريع الغاز الطبيعي المسال بما يتراوح بين ضعفين إلى أربعة أضعاف، حيث يعتمد ذلك على عدة عوامل مثل حجم المنشآت والتذبذب في أسعار مواد البناء. كما أن العمليات الكيميائية لتحويل الغاز إلى سوائل تستهلك جزءاً من الغاز الطبيعي الخام كوقود. تتراوح نقطة التعادل في صناعة تحويل الغاز إلى سوائل ما بين 40 إلى 80 دولاراً للبرميل، وذلك حسب طبيعة المنشأة وتكلفة الغاز الطبيعي في السوق المحلي. وتعتبر أسعار منتجات تكرير النفط حالياً أعلى بكثير من هذا المعدل، الأمر الذي يقدم هامش ربح قوي.
يوجد مكان واحد في العالم به فرق كبير بين أسعار النفط وأسعار الغاز الطبيعي وهو الولايات المتحدة التي شهدت طفرة في استغلال الغاز الصخري. ونتج عن ذلك تراجع كبير في أسعار الغاز الطبيعي بالتزامن مع استمرار أسعار النفط عند مستويات مرتفعة، الأمر الذي أدى إلى تزايد الاهتمام بمنتجات تحويل الغاز إلى سوائل. وتتوقع وكالة معلومات الطاقة الأميركية أن يصل معدل الفرق بين أسعار النفط وأسعار الغاز خلال الفترة القادمة حتى عام 2030 إلى الضعف معدل الفرق خلال العقدين الماضيين. وهذا يفسر قيام شركة ساسول بالإعلان خلال الشهر الماضي عن مشروع لتحويل الغاز إلى سوائل بطاقة إنتاجية تصل إلى 96 ألف برميل يومياً في ولاية لويزيانا الأميركية والذي من المقرر أن يبدأ الإنتاج في عام 2018. ويعتبر هذا المشروع جزءاً من المرحلة الثالثة في الاهتمام العالمي بصناعة تحويل الغاز إلى سوائل. وتخطط شركة ساسول أيضاً لإنشاء مشروع بطاقة تصل إلى 38 ألف برميل يومياً في أوزباكستان، حيث من المتوقع اتخاذ قرار نهائي بشأنه خلال العام الجاري. كما تدرس الشركة إنشاء مشروع لإنتاج 48 ألف برميل يومياً في كندا. وتتفاوض شركة “بترو إس إيه” الجنوب أفريقية حالياً لإنشاء مشروع لإنتاج 40 ألف برميل يومياً في موزمبيق والتي اكتشفت مؤخراً حقول بحرية مهمة للغاز الطبيعي. وأخيراً، تدرس شركة شل إنشاء مشروع لتحويل الغاز إلى سوائل في الولايات المتحدة.
بالرغم من أن شركتي ساسول وشل تمتلكان معظم الخبرات وحقوق الملكية الفكرية للمشاريع الضخمة في صناعة تحويل الغاز إلى سوائل، إلا أن شركات جديدة بدأت تدخل في هذه الصناعة. وتقوم شركة أكسفورد كاتاليستس (Oxford Catalysts)، وهي تابعة لقسم العلوم في جامعة أكسفورد، بتطوير تقنيات متطورة لتحويل الغاز إلى سوائل بكميات صغيرة والتي تستطيع إنتاج ما بين عدة مئات إلى عدة آلاف من البراميل يومياً. وهذه التقنية يمكن أن تساعد في استغلال كميات الغاز الطبيعي المصاحب “المتفرقة” في حقول النفط والتي يتم إشعالها نظراً لعدم الجدوى الاقتصادية من نقلها عبر الأنابيب أو تحويلها إلى غاز طبيعي مسال. على سبيل المثال، تدرس شركة بتروبراس استخدام هذه التقنيات لاستغلال الغاز المصاحب في حقول النفط البحرية في البرازيل. كما يمكن استخدام فضلات الكتلة الحيوية كمادة أولية لمشاريع تحويل الغاز إلى سوائل صغيرة الحجم.
تعتبر التأثيرات البيئية لوقود الطائرات الناتج عن عمليات تحويل الغاز إلى سوائل أقل من الوقود التقليدي نظراً لارتفاع كثافة الطاقة فيه ونظافة الانبعاثات الناتجة عنه. ويتم استخدام الوقود الناتج عن عمليات تحويل الفحم إلى سوائل كوقود للطائرات في جنوب أفريقيا منذ ما يقارب من 10 سنوات، كما أن الخطوط الجوية البريطانية تخطط لاستخدام بعض منتجات تحويل الغاز إلى سوائل من الكتلة الحيوية كوقود للطائرات. وتعتبر الخطوط الجوية القطرية رائدة في مجال استخدام منتجات تحويل الغاز إلى سوائل كوقود للطائرات حيث بدأت هذا الشهر تسيير رحلات تجارية تستخدم ما يصل إلى %50 من الوقود من الكيروسين الناتج من تحويل الغاز إلى سوائل.
وترى مجموعة QNB أن مستقبل صناعة تحويل الغاز إلى سوائل سيعتمد على القدرة في السيطرة على التكاليف الرأسمالية وعلى التوقعات طولية الأجل لهامش الربح بين أسعار النفط وبين أسعار الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال.
وفي حال تم تنفيذ مشاريع تحويل الغاز إلى سوائل التي يتم مناقشتها حالياً، فإن الطاقة الإنتاجية في العالم ستتضاعف أكثر من مرتين بنهاية العقد الحالي لتصل على ما يقارب 0.5 مليون برميل يومياً.
إن هذه الطاقة الإنتاجية الجديدة لن تجعل من صناعة تحويل الغاز إلى سوائل منافس قوي نظراً لأن حجم إنتاجها سيظل أقل بكثير من %1 من الاستهلاك العالمي من النفط. كما أن المنشآت صغيرة الحجم لتحويل الغاز إلى سوائل تعتبر صناعة جديدة وتحتاج إلى وقت لتسويقها على نطاق تجاري، بالرغم من أنها صناعة واعدة. وبعض التقديرات المتفائلة تشير إلى أن هذه الصناعة يمكن أن تنتج ثلاثة ملايين برميل يومياً من الغاز الطبيعي الذي يتم إشعاله في حقول النفط، لكن إقامة هذه المنشآت قد يتطلب عدة عقود من الزمان. كما أنه من المرجح ارتفاع الطاقة الإنتاجية لعمليات إنتاج وقود سائل باستخدام الفحم والكتلة الحيوية كمواد أولية بسبب السعي إلى تحقيق أمن الطاقة واعتبارات استدامة مصادرها.