بقلم: جوشوا ستاشر
نزل المتظاهرون المصريون مرة أخرى إلى الشوارع لمهاجمة الانتقال السياسى المخيب للآمال وتعد الاضطرابات الاخيرة التى بدأت فى الذكرى الثانية لثورة 25 يناير أسوأ من المواجهات السابقة واستغرقت وقتا أطول وكان القتال الأسبوع الماضى على أشده فى السويس والإسماعيلية وبورسعيد حيث أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع والخرطوش والرصاص الحى على المتظاهرين مما أسفر عن موت 60 مصريا وإصابة 1000 شخص آخرين، هناك ايضا فيديو عن سحل قوات الأمن لأحد المتظاهرين وتجريده من ملابسه، ولكن استمرار الدولة فى استخدام العنف لم ينجح فى إيقاف العصيان المدني.
اتهمت الحكومة مثيرى الشغب الاجانب وميليشيات الشباب الجامحة كجماعة البلاك بلوك التى تم تأسيسها مؤخرا بأنها هى التى وراء الاضطرابات الأخيرة، ووجه الرئيس المصرى محمد مرسى خطابا للشعب يوم 27 يناير الماضى ولكنه جاء متأخرا وحث فيه على الهدوء وفرض حظر التجوال وأعلن حالة الطوارئ فى مدن القناة، ثم أنهى خطابه بتوجيه تهديد للشعب، ولكن المزيد من تضييق الخناق على المواطنين لن يكبح جماح العنف فى مصر بل من شأنه أن يعزز ادعاءات المواطنين بأن الدولة مستمرة فى قمع المواطنين وأن الفترة الانتقالية لم تكن سوى أكذوبة.
مازالت وزارة الداخلية المصرية من أكثر المؤسسات المكروهة فى البلاد، ففى ظل نظام حسنى مبارك كان كل من الشرطة ومباحث أمن الدولة مسئولين عن مراقبة المواطنين بشكل غير مبرر فضلا عن الفساد والتعذيب ووحشية الشرطة، كما استخدمهم نظام مبارك فى تزوير الانتخابات وتقويض حرية التعبير وقمع المعارضة.
واليوم لم يتغير سوى القليل بشأن هذه المؤسسة، حيث تم فقط تغيير اسم مباحث أمن الدولة إلى الأمن الوطنى والتى ليست أقل عنفا من سابقاتها، فهى نفس المنظمة ولكن بمسمى جديد، وقد ادعت منظمة محلية غير حكومية ان المائة يوم الأولى من حكم مرسي، شهدت تعذيب 88 شخصا وتم قتل 34 شخصا خارج نطاق القضاء فى أقسام الشرطة عبر الدولة، ولكن لم يتم اتهام شخص واحد ممن لهم علاقة بأجهزة الدولة الجديدة بارتكاب أى جريمة، وفى الواقع لم يتم الحكم سوى على اثنين فقط من ضباط الشرطة ممن كانوا متهمين بارتكاب أعمال عنف منذ اندلاع الثورة فى 2011.
نظرا لتمتع وزارة الداخلية بالحماية من قبل النخبة السياسية فى مصر، لم يتعرض طاقمها الا لتغييرات طفيفة، وتم إجبار البعض على التقاعد ولكن العديد من المسئولين والجنرالات أثناء حقبة مبارك تم نقلهم إلى مناصب أخرى داخل هذا الهيكل البيروقراطى بحيث يتمتعون برواتب عالية ويضمنون الحصانة ضد جرائمهم الماضية، كما أن الرجال الذين شغلوا المناصب الشاغرة هم نائبو النظام القديم، لذلك ظل التسلسل الهرمى وثقافة وفلسفة النظام القديم باقية.
ربما كان التردد فى إصلاح وزارة الداخلية أمرا متوقعا من قبل المجلس العسكري، ولكن ما أثار اندهاشنا هو حرص مرسى والإخوان المسلمين على الحفاظ على أسلوب النظام القديم نظرا لكونهم لفترة طويلة ضحايا أسلوب القبضة الحديدية، وقد تم تنظيم عملية انتقال السلطة من الجيش إلى حكومة مدنية على أساس أن الفائز بالانتخابات الرئاسية مجبر على التوصل إلى حل وسط مع النظام القديم، ونتيجة لذلك، فإن الرئيس جنبا إلى جنب مع البرلمان الذى لم يدم طويلا والمجلس الأعلى للقوات المسلحة تجاهلوا وحالوا دون قيام أى جماعة لإعادة بناء جهاز الشرطة وإضفاء الطابع المهنى عليها وإصلاح قطاع الأمن، وتستمر الآن الأحكام القضائية فى وضع الشرطة فوق القانون ما يحثهم على الاستمرار فى الدفاع عن النظام بدلا من خدمة الشعب.
مصر ليست على وشك الانهيار حتى اذا استمر هذا العنف، فأعداد المتظاهرين حقا كبيرة ولكنها لم تصل إلى الحد الذى أطاح بمبارك، وبالرغم من ذلك فإن الحكومة مازالت فى حاجة إلى إجراء تغييرات جوهرية من أجل تهدئة تلك التوترات، فالثورة التى اندلعت منذ عامين لم تعد هيكلة أجهزة الدولة أو قوات الأمن ولكنها دون شك أحدثت تغييرا بالشعب.
مازال مسئولى الدولة المنتخبون حزبيين والمعارضة الرسمية الضعيفة مازالت مفتتة وأجهزة الدولة مازالت تعمل بعقلية منتهية الصلاحية، وبالتالى مازال المصريون يحتشدون بالشوارع.
إعداد: نهى مكرم
المصدر: فورين أفيرز