وسط الأمواج المتلاطمة التى تضرب الدولة المصرية فى هذه المرحلة الحرجة وتصاعد الخلافات السياسية ووصولها إلى مرحلة يصعب معها تحقيق التوافق المنشود، واستمرار وقوع القتلى والجرحى رغم مرور عامين على قيام الثورة، فى ضوء تجدد المواجهات فى الشارع بين المحتجين وقوات الأمن ووقوع أعمال عنف فى عدد كبير من المحافظات، سواء للتعدى على مقار حكومية أو تعطيل المصالح والمرافق، مما خلف ضغوطا اقتصادية زادت من أوجاع المصريين.
جاء الحوار مع الدكتور هانى سرى الدين ليحلل الحالة الراهنة على الصعيدين السياسى والاقتصادى، وكيف وصلنا إلى الوضع المتازم على المستوى السياسى وما الذى أدى لتردى الأوضاع الاقتصادية، كما تطرق إلى تقييم فن التشريع فى مصر ورؤيته لحزمة التشريعات التى تسعى الحكومة وحزب الأغلبية لتمريرها فى مجلس الشورى.
وتنبع أهمية الحوار مع الخبير القانونى د. سرى الدين من خبراته القانونية أولاً وحزمة المهام التى تولاها فى السنوات الأخيرة ثانيا، فقبل الثورة تقلد رئاسة هيئة سوق المال لمدة عامين أسس فى أعقابها مكتبا يتولى حاليا الاستشارات القانونية لعدد كبير من الشركات الكبرى المحلية والعالمية العاملة فى مصر، قبل ان يدخل المعترك السياسى عقب الثورة، حيث كان أحد وكلاء المؤسسين لحزب المصريين الأحرار وعضو مكتبه السياسي، والآن هو رئيس اللجنة الاقتصادية بحزب الدستور، أحد أهم الأحزاب المعارضة والتى أسست جبهة الانقاذ الوطنى، إلى جانب رئاسته قسم القانون التجارى بجامعة القاهرة.
قال سرى الدين ان انشغال الإخوان بالسعى للتمكين من مفاصل الدولة وتجاهل غليان الشارع لن يؤدى إلى تهدئة وإنما سيقودنا إلى مزيد من المواجهات والفشل وانهيار جميع مؤسسات الدولة، لأنهم، فى إشارة إلى الاخوان، يعملون بسياسة عمال اليومية «الفواعلية».
قال الدكتور هانى سرى الدين رئيس قسم القانون التجارى بجامعة القاهرة ان الزعامات السياسية التى تولت القيادة بعد ثورة 25 يناير فشلت فى تحويل أحلام جموع المصريين المشروعة إلى واقع، فشباب الثورة لم يفرطوا فى تفاؤلهم وانما ساءت الأوضاع حتى وصلت لما نحن فيه الآن بسبب فشل القيادة.
أضاف: حتى هذه اللحظة لم تصل إلى الحكم قيادة حقيقية قادرة على العبور بمصر إلى بر الأمان، فلاتزال الأحلام بسيطة وقابلة للتنفيذ وتتمثل فى تعليم جيد يؤهل الخريج إلى سوق العمل وطريق آمن بلا حوادث وانسان لا تهان كرامته وحد أدنى للدخل يضمن حياة كريمة وكوب مياه نظيف، ولا تتطلب الا ارادة حقيقة لتنفيذها.
أضاف: الرئيس لا يحكم والكلمة العليا لمكتب الارشاد، فالتركيبة التنظيمية للاخوان تعانى من خلل كبير تكمن شواهده فى إدارة الأزمات بقرارات متخبطة، فمكتب الارشاد فوق حزب الحرية والعدالة والرئيس والحكومة، ما يجعل المسئوليات فى إدارة شئون البلاد متنوعة وتؤدى إلى تعميق الأزمة.
واستبعد امكانية ان تستقيم إدارة أى دولة بهذا الشكل، فرئيس البلاد يجب ان يكون صاحب قرار ومنبع قراره مصلحة الدولة وليست مصلحة الجماعة التى ينتمى اليها، فمن الملاحظ ان غالبية المشاكل تتصدى لها قيادات اخوانية غير تنفيذية داخل الغرف المغلقة، ما يؤدى إلى التباس لدى الحاكم والمحكوم وضعف فى المؤسسات ويزيد من صعوبة اتخاذ القرار ويجعل المشهد السياسى والاقتصادى أكثر ارتباكا.
وطالب سرى الدين الرئيس مرسى بأن يكون «رئيساً لكل المصريين» فهى ليست مقولة سياسية خاوية من اى معنى، فالمشهد السياسى والاقتصادى يتدهور بوتيرة متسارعة ويصبح أكثر تعقيدا ولا أحد يستفيد مما يحدث تحت ما يسمى الفوضى الخلاقة فالجميع تأثر سلبا، وعلى الجماعة والرئيس ان يسابقا الزمن باتخاذ خطوات عاجلة نحو تحقيق توافق وطنى لازالة حالة الاحتقان السياسى ومراعاة الصالح العام.
وتابع سرى الدين الخبير القانونى ان الاخوان ركزوا فى المقام الاول على تمكين قياداتهم من مفاصل الدولة، على اعتبار ان ذلك سيحقق الاستقرار ثم يتبعه الاصلاح، والتمكين من وجهة نظرهم هو احلال القيادات الجديدة محل القديمة ليبقى النظام كما هو والفساد مستشرى فى جميع المؤسسات، فالخطاب السياسى لم يتغير حتى الآن.
وقال ان الاخوان بدأوا خطة التمكين بعد الانتخابات البرلمانية ثم النجاح فى انتخابات الرئاسة ثم وضع دستور غير توافقى أدى تمريره إلى غليان الشارع ووقع على اثره قتلى، والآن يسابقون الزمن لانجاز الانتخابات البرلمانية المقبلة بالاسراع بوضع قانون الانتخابات لتأتى حكومة مدعومة من البرلمان، ثم يلتفتوا بعد ذلك للاصلاح.
وقال ان الاخوان فى سبيل تحقيق التمكين «داسوا بعنف» على استقلال القضاء وعلى المطالب المشروعة للقوى السياسية والاحزاب وأججوا فكرة عدم الثقة بين المصريين والنظام الحاكم ولم يطرحوا حلولا لتجاوز الأزمات السياسية والاقتصادية ولم يضعوا رؤية واضحة المعالم للاصلاح مماجعلنا نرى مرسى ومبارك «وجهان لعملة واحدة».
وطالب سرى الدين النظام الحاكم بسرعة العمل على ازالة الالتهابات بتأجيل الانتخابات البرلمانية واعادة النظر فى قانون الانتخابات وتشكيل لجنة قانونية لنظر التعديلات المطلوبة على الدستور الذى لم يراع مطالب أطياف المجتمع المختلفة.
ووصف رئيس اللجنة الاقتصادية بحزب الدستور أسلوب إدارة البلاد خلال العامين الماضيين بالأسلوب «التعيس وغير الحكيم» ونحن الآن نجنى الثمار من فشل وعدم استقرار على جميع الأصعدة، ما بين التهاب واحتقان سياسى وتباطؤ وضعف اقتصادى ومعاناة وأوجاع متزايدة للفقراء وفشل فى إدارة مؤسسات الدولة.
شدد سرى الدين على أنه ضد عزل الرئيس مرسى بسبب غياب البديل والمخاوف من ردود الأفعال التى قد تكون دموية من جانب الاخوان والسلفيين، اضافة إلى الوضع المتردى على جميع الأصعدة، وان كانت هناك ضرورة لوجود معارضة قوية تضغط على الرئيس لتقويمه وتحقيق الصالح العام للبلد.
وقال: أعكف حاليا على وضع البرنامج الاقتصادى لجبهة الانقاذ الوطنى بعد اتصالات تمت من أعضاء الجبهة، الا انه لم يتم الانتهاء منه حتى الآن، ورفض الخوض فى تفاصيل البرنامج حاليا.
أكد ان تأجيل التصدى للمشاكل الآنية يؤدى إلى تفاقمها ويصعب من تجاوزها بطرق تقليدية، فالاخوان يديرون البلاد بفلسفة رد الفعل وليس الفعل، ولم يعرضون حتى الآن رؤية واضحة وخطة عمل حتى ولو من طرف واحد بعيدا عن الحوار الوطنى، فلدينا حكومة بلا عقل ولارؤية.
ورأى ان الخروج من الموقف المتأزم والمرتبك حاليا يتطلب الاسراع بتشكيل حكومة انقاذ وطنى بديلة لحكومة قنديل حتى ولو لفترة قصيرة للتصدى لجميع المشاكل العاجلة التى تتفاقم يوما بعد يوم مما يعقد الأمور، لأن كل يوم تأخير يؤدى لمزيد من تردى الوضع الأمنى وترتفع فيه أعداد المصانع المغلقة وتزداد البطالة والاضطرابات وعدم الاستقرار وترتفع الكلفة الاجتماعية والمساس بدور مصر السياسى على المستوى الاقليمى والخريطة العالمية، مما يضعف قدرتها على التأثير لخدمة مصالحها الاستراتيجية.. فـ«الصندوق لا يأتى دائما بالأفضل»، على حد قوله.
وقال سرى الدين ان القيادة الحالية تحكمنا بفكر انتقالى وبآليات الماضى، فلا نهضة حقيقية لهذا البلد بالاعتماد على النظام السابق لأنه نظام فاسد سياسيا واداريا واقتصادياً ومؤسسيا وسيفسد كل من يتعامل تحت مظلته، لذلك فان الحل هو نسف النظام القديم لا الأشخاص.
أضاف ان الأمن لن يستقيم بنفس العقلية الرجعية القديمة ولن تتحقق العدالة الاجتماعية الا بعد تنمية اقتصادية شاملة ومعالجة البيروقراطية والفساد الادارى وفض منازعات الاستثمار ومحاربة الفقر، فلابد من الشعور بحد أدنى من الديمقراطية على الاقل بتعميق فكر تداول السلطة.
أوضح ان المجلس العسكرى الذى تولى الحكم بعد الثورة لم تكن لديه أى مشكلة مع النظام السابق سوى قضية التوريث التى انهتها الثورة، وأكمل إدارة البلاد بنفس آليات النظام السابق سياسيا واقتصاديا واجتماعيا لحين استكمال مؤسسات الدولة مما أطال من الفترة الانتقالية.
وطرح سرى الدين رؤيته لطبيعة عمل حكومة الانقاذ الوطنى لإدارة الأزمة عبر تكليفات محددة أهمها تحقيق الانضباط الأمنى فى الشارع ومواجهة الأسلحة وفك الاشتباكات المرورية اليومية الخانقة عبر معالجة نفسية لرجال الشرطة وبنائهم من جديد بشكل حقيقى فالكل يعلم ان بناء داخلية قوية يتطلب خمس سنوات لكننا نبحث عن البداية.
طالب الرئيس بالتنسيق مع رئيس حكومة الانقاذ الوطنى لإبعاد وزارة الداخلية عن ملعب السياسة وألا يكون لها دور فى خط المواجهات السياسية، مع تسليح أفراد الشرطة جيدا ومساعدتهم فى تحديد بؤر الفساد والاجرام واعطائه غطاء شعبياً وسياسياً لمواجهة البلطجة، إلى جانب الاسراع بضبط المرور مما يعمق الاحساس بالثقة.
وقال انه عرض عليه منصب وزير التجارة والصناعة وقت حكومة شفيق عبر الدكتور يحيى الجمل لكنه رفض لأن الوقت لم يكن مناسبا، ولم تعرض على رئاسة الجهاز المركزى للمحاسبات كما تردد وانتقد انشغال المجموعة الوزارية الاقتصادية حاليا بوضع خطط وبرامج اصلاح طويلة الأجل ولا مخطط لتنمية اقتصادية لعام 2020 فالمهم ان تبدأ فى تجاوز الازمات اليومية بشكل قطاعى، فقطاع السياحة مازال يعانى من تدهور عنيف نظرا لنزوح السياح بسبب الانفلات الامنى، مما يتطلب اعادة جدولة ديون القطاع وحل مشاكل المرافق المطلوبة، بالاضافة إلى سرعة حل مشاكل المصانع المغلقة بعد الثورة ومواجهة تآكل الاحتياطى الأجنبى الذى فقد اكثر من نصف قيمته بعد الثورة ومثل ضغوطا على الجنيه مما ينذر بموجة تضخمية وزيادة اوجاع ومعاناة الفقراء فى ظل الاعتماد الكبير على الاستيراد من الخارج فى توفير احتياجات المواطن الاساسية من غذاء ومواد بترولية.
كما شدد سرى الدين، الذى يخوض مفاوضات لتسوية عقود استثمار شركات عربية مع الحكومة منذ الثورة، على ضرورة اعطاء القائمين على تسوية منازعات عقود الاستثمار بين الشركات والحكومة اطاراً قانونياً وسياسياً وحصانة تشجعهم على التوقيع على قرارات التسوية النهائية بدلا من سياسة الايدى المرتعشة التى تكبد الاستثمار خسائر فادحة.
وقال ان التصدى للمشاكل الاقتصادية لابد أن يتم عبر حوار وطنى حقيقى وليس كغطاء لاستصدار شهادة توافق مجتمعى فقط تقدم لصندوق النقد للحصول على القرض، لأنه بدون ذلك سيتم استكمال المرحلة المقبلة بمزيد من الفشل والانهيار فى جميع مؤسسات الدولة.
وفيما يتعلق بالملف السياسي، رأى وكيل مؤسسى حزب المصريين الأحرار السابق، انه يتوجب على حكومة الإنقاذ ان تشكل لجنة تراعى جميع التعديلات المطلوب ادخالها على الدستور بما يحقق التوافق الوطنى ويعيد الثقة بين الأطراف المتناحرة إلى جانب اعادة النظر فى قانون الانتخابات ليخرج بشكل محترم ثم الاعداد لانتخابات برلمانية حرة ونزيهة وتحت اشراف قضائى ودولى ان اقتضى الأمر.
ووضع سرى الدين بعض المحظورات التى ينبغى على الحكومة الامتناع عنها، كالتدخل فى المحاكم أو المحاكمات سواء الجنائية أو المنازعات المدنية والتجارية ايا ما كانت النتيجة، نظرا لضرورة الحفاظ على استقلالية القضاء، فما نراه حاليا من النائب العام بالكشف عن معلومات جديدة قبل أيام من صدور الحكم فى قضية تتداول فى ساحة القضاء لمدة عام أو نقل بعض القضاة يعد تدخلا وتوجيها لأحكام القضاء، كما ان عليها النظر فى ملف العشوائيات المهدد بالانفجار فى اى وقت فى وجه الجميع عبر خطط قصيرة الأجل تعمل خلالها على تخفيف حدة التدهور الاجتماعى خاصة فى قرى الصعيد مما يعطى قدراً من الأمل.
وقال الخبير القانونى ان موقف الرئيس مرسى لا يختلف كثيرا عن موقف مبارك الذى يحاكم على عدم تدخله لحماية المتظاهرين الذين سقطوا شهداء وقت الثورة، وهذا ماحدث مع مرسى الآن، كما ان موقف حبيب العادلى وزير داخلية مبارك مشابه لموقف محمد ابراهيم وزير الداخلية الحالى، فـ«الأمور تزداد تعقيدا على المستوى القانوني» على حد تعبيره.
ووصف سرى الدين المشرع المصرى بأنه مصاب «باسهال تشريعى مزمن» ويرى ان الحل والخروج من أى ازمة يكمن فى وضع قانون لحلها، مما يؤدى لصدور قوانين تزيد الأعباء وتضعف من القدرة على تجاوز الأزمات بل تضاف إلى ترسانة التشريعات الموجودة وغير المستغلة.
أضاف أنه بالرجوع إلى مضبطة مجلسى الشعب والشورى ومتابعة الدورة الكاملة للتشريعات تكتشف مدى تردى تلك القوانين سواء فى الصياغة أوالاهداف المطلوب تحقيقها.
وصف سرى الدين التشريعات الاقتصادية بأنها «نص تشطيب»، وقال انه ساهم بحكم عمله كرئيس لهيئة سوق المال خلال الفترة من 2005 – 2007 فى وضع عدد من التشريعات المنظمة لصناعة الاوراق الماالية إلى جانب مشاركته بالرأى فى تشريعات أخرى كقانون حماية المستهلك بالاضافة إلى قانون البنوك رقم 88 لسنة 2003 بالاضافة إلى وضع الخطوط الأولية لمشروع الشراكة مع القطاع الخاص عام 2003 قبل سفره إلى دبى والذى تم استخدامه كأساس للمشروع الذى تم تدشينه عام 2009 باسم «ppp».. وقال «أنا فخور بمساهماتى فى هذه التشريعات».
ووصف تجربته فى المساهمة فى تشريعات سوق المال بالناجحة، فلم يصدر تشريع الا بعد دراسة جميع التجارب المقارنة واجراء حوار مع اصحاب المصالح المشروعة، وقال: «أسوأ شىء تواجهه السلطة التنفيذية ان يتم اصدار تشريع تعجزعن تنفيذه ويرى أصحاب المصلحة المتخصصون أنه تشريع غير عادل».
وقال ان قانون البنوك دار حوله حوار مجتمعى مطول مع أصحاب الشأن داخل أروقة البنك المركزى وخارجه بالتنسيق مع جميع القيادات المصرفية، مما أدى لخروج قانون برؤية اصلاحية حمت القطاع المصرفى من رياح الأزمة المالية التى ضربت الاقتصاد العالمى نهاية 2008، فاحدى المواد على سبيل المثال وهى المادة رقم 51 وتتعلق بتقنين عملية الاستحواذ على البنوك وتعارض المصالح داخل القطاع المصرفى تمت مناقشتها لمدة تزيد على 5 ايام.
كما ساهم بالمشورات القانونية والاقتصادية لعدد من التشريعات باللجنة الاقتصادية بالحزب الوطنى خلال الفترة من 2001 وحتى 2003 حتى تقدم باعتذار وتم رفع اسمه عام 2004، ومن هذه التشريعات قانون حماية المستهلك وقوانين سوق المال وبعض المشورات فى قانون حماية المنافسة.
وتقوم فلسفة قانون حماية المنافسة، وفقاً لسرى الدين، على ان فكرة الاحتكار والسيطرة فى حد ذاتها ليست معيبة لكن الأزمة تكمن فى الممارسات الاحتكارية مثل التحكم فى السعر، فشركة مايكروسوفت على سبيل المثال تعد محتكرة لكنها لا تقع فى ممارسات احتكارية لرفع الاسعار بعيدا عن جو المنافسة المشروعة.
وقال الخبير القانونى انه يجب على المشرع قبل وضع تشريع للتأمين الصحى على سبيل المثال ان يضع تساؤلات يجيب عنها القانون الجديد، ومن بينها هل سيزيد القانون من قاعدة المستفيدين من التأمين الصحى وهل سيؤدى إلى تحسين الخدمة الصحية وتخفيض الكلفة المالية على الدولة، وان لم تجب مواد القانون عن تلك التساؤلات فلا جدوى منه، وكذلك الحال عند ادخال تعديلات على قانون الضرائب فلابد وأن يجيب القانون أيضا عن تساؤلات مفادها هل ستزيد الحصيلة الضريبية ويتحسن مناخ الاعمال والاستثمار بعد اقرار هذه التعديلات، وهل سيساهم فى توفير فرص عمل جديدة ام سيعوق تدفق رؤوس الاموال العربية والاجنبية إلى السوق المصرية؟!
وأكد ان عملية صياغة التشريعات فى مصر عملية لحظية يقوم بها غير المتخصصين بجميع المجالات مما يحدث فجوة كبيرة وقت التطبيق ما بين صاحب القرار “المتخصص «وصانع التشريع، إلى جانب غياب الحوار المجتمعى مما يقلل من القدرة على تطبيق التشريع الجديد، ووصف هذه الحالة بقوله “نحن فى عبث مركب فى صناعة التشريعات».
وأشار سرى الدين إلى أنه سبق ان اقترح على الحكومة خلال لقائه بالدكتور محمد محسوب وزير الدولة للشئون القانونية والمجالس النيابية السابق، تشكيل لجنة دائمة للتشريعات الاقتصادية تعمل على تنقيح التشريعات القائمة ومراجعة الجديدة بالتنسيق مع جميع الجهات والأطراف المعنية خاصة أصحاب المصالح، لكن استقالة محسوب حالت دون خروج هذا المقترح إلى النور حتى الآن.
ودلل على أهمية التشاور مع أصحاب المصالح قبل اصدار القوانين بالاشارة إلى قانون الشركات الانجليزى الذى تم اقراره بمجلس العموم البريطانى عام 2006 بعد مناقشات دامت أكثر من 6 سنوات ودخل حيز التنفيذ أكتوبر 2010 أى بعد 4 سنوات فترة سماح لتهيئة المناخ للقانون الجديد بحيث تدرسه الجهات الرقابية ويفهم مراقبو المحاسبات لوائحه وتجرى عمليات توفيق الأوضاع المطلوبة بالتنسيق مع الجهات التنفيذية المختلفة.
وتطرق الحديث إلى تشخيص المشاكل الاقتصادية التى وقعت فيها حكومات ماقبل الثورة، وقال رئيس اللجنة الاقتصادية بحزب الدستور، ان حكومة نظيف التى بدأت عملية الاصلاح الاقتصادى عام 2004 ركزت على تطبيق نظرية تساقط ثمار النمو التى تقضى بإحداث نمو على الاقتصاد الكلى بافتراض ان النمو سيجد طريقه إلى الفئات الفقيرة بالتساقط عبر خلق صناعات خدمية ومكملة تخدم على المشروعات القومية الكبرى، وهو ما لم يحدث، فحكومة نظيف قامت بإصلاح مالى واقتصادى على المستوى الكلى لكن لم يصحبه اى اصلاح مؤسسى وسياسى واجتماعى مما أدى إلى انحراف خطط الاصلاح عن تحقيق أهدافها.
وأرجع انحراف برنامج الاصلاح الاقتصادى عن تحقيق أهدافه إلى غياب الاصلاح المؤسسى الجاد والمتوازن وعدم محاربة الفقر بشكل متواز، فالنمو الذى تحقق على المستوى الكلى لم يستفد منه سوى 3% من الشعب على أقصى تقدير والطبقات الدنيا ازدادت فقرا وتساقط ثمار النمو عليهم كان يتطلب أكثر من 10 سنوات، حيث غاب عن المنظومة اساتذة الجامعات والقضاة وموظفى الحكومة والفنيون وموظفو الحكومة غير المرتبطين بالمشروعات الكبرى.
أوضح سرى الدين ان البيئة المصرية لم تكن جاهزة لاستقبال مثل هذه النظريات التى يشترط لنجاحها ان تكون الطبقة المتوسطة أكثر قوة ومعدلات الفقر ضعيفة إلى جانب مؤسسات حكومية قوية قادرة على تحويل فلسفة النظرية الاقتصادية إلى واقع بالتوازى مع برامج اصلاح سياسى يقضى بتداول السلطة واصلاح اجتماعى بمحاربة الفقر ومراعاة الفئات غير المستفيدة من الاصلاح الاقتصادى، وتكوين شبكة حماية وأمان اجتماعى، فضلا عن اصلاح مؤسسى مواز والحد من الفساد المالى والادارى الذى سد جميع القنوات التى كانت من الممكن ان تسمح بتساقط النمو على الفئات الأقل دخلا ولم ينعكس النمو على تحسن الخدمات الصحية والتعليم فلاتزال الدولة تتدخل لدعمه، وهذا كله لم يكن موجودا مما أدى لتفاقم المشاكل القائمة.
أضاف ان نظرية تساقط ثمار النمو خلفت وراءها غلاء كبيراً فى الأسعار وصنعت مليارديرات تمكنوا من الوصول إلى مشروعات ضخمة ثم عززوها بعد ذلك بمناصب سياسية.
وقال «فى ظل نظام مبارك لم يكن هناك مخطط لافادة شخص بعينه لكن الفساد السياسى والمالى والادارى والاستفادة من الثغرات سمح لهم بذلك».
وقال سرى الدين ان المجموعة الوزارية الاقتصادية فى حكومة نظيف، وضمت يوسف غالى وزير المالية ومحمود محيى الدين، وزير الاستثمار ورشيد محمد رشيد وزير التجارة، كانت خبرتها السياسية ضعيفة الا أنها كانت الافضل اقتصاديا وأحدثت قدرا كبيرا من الاصلاح الاقتصادى الذى غاب عنه الجانب السياسى والمجتمعى والمؤسسي، فلم تكن خطة اصلاح متكاملة مما أدى إلى حدوث خلل كبير فى النظام، ومازالت البلاد تعانى من نفس المشكلة حتى الآن، لأن النظام الحالى يتحرك دون اصلاح مؤسسى وتشريعي، مما يهدد بفشل أى اصلاحات اقتصادية يجرى اعدادها.
وقال سرى الدين، رئيس هيئة سوق المال الاسبق، ان كثيرا من المصريين حققوا ملايين الجنيهات أرباحا من التداول بالبورصة وتراكمت الثروات خلال فترة ما قبل الثورة ليس بسبب الفساد وانما لأن أحجام التداولات بلغت وقتها 2 مليارجنيه يومياً، ولكن لم ينعكس ذلك ايجابيا على القطاعات الإنتاجية الأخرى ولم تستفد منه الحكومة أيضا، استمرارا لمسلسل غياب العدالة فى توزيع ثمار النمو.
وقال د. هانى سرى الدين، باعتباره المستشار القانونى لعدد من الشركات، ان عملية التفاوض مع لجنة تسوية عقود الاستثمار بمجلس الوزراء حول فض النزاع مع شركتى داماك والفطيم الاماراتية لاتزال قائمة لكنها اقتربت من محطتها النهائية، وطالب بوجود حصانة للمسئولين الحكوميين القائمين على ملف تسوية النزاعات مع الشركات لاقرار التسوية بشكل نهائى.
أضاف «تم حسم غالبة النقاط الخلافية مع شركة داماك والتوقيع على التسوية سيتم فى أقرب وقت».
وشهدت الفترة الماضية تفاهماً بين الحكومة ومسئولى شركة داماك لاتمام مشروع التصالح بشأن 3 نزاعات تضم ارض جمشا بالبحر الاحمر وهايد بارك بالقاهرة الجديدة إلى جانب ارض الشيخ زايد «افينو» والتى تشهد خلافاً حول عمولة تغيير النشاط التى حددتها هيئة المجتمعات العمرانية بـ180 مليون جنيه بدلا من 140 مليون جنيه للتأخر فى السداد، وهو ما رفضته الشركة.
وأشار سرى الدين إلى ان اجتماعات ستعقد خلال الفترة القليلة المقبلة لانهاء تلك النزاعات مع لجنة تسوية عقود الاستثمار.
وتعليقا على رحيل فاروق العقدة محافظ البنك المركزى السابق وتولى هشام رامز المنصب، قال رئيس اللجنة الاقتصادية بحزب الدستور، إنه على ثقة كبيرة فى قدرة رامز على إدارة السياسة النقدية بشكل حكيم خاصة أنه من أكبر المتخصصين فى إدارة الاحتياطى النقدى وان كان التوقيت الحالى صعباً والمشاكل الاقتصادية تتفاقم، لذلك عليه ان يسرع فى إحداث قدر كبير من التوازن فى سوق الصرف وينسق مع مسئولى السياسة المالية لينعكس على سعر صرف الجنيه ويحد من الضغوط التضخمية.
ووصف سرى الدين الأحكام المتتالية ببطلان بيع عدد من الشركات بأنها ردة للاستثمار وطاردة لاى تدفقات رأسمالية تخطط لدخول السوق المصرية، وشدد على ضرورة معالجة هذا الأمر بشكل حكيم بما يضمن حق الدولة والمستثمر الجاد، خاصة وأن الاحكام بالبطلان وليس بالفسخ ما يعنى ادانة الحكومة وليس المستثمر.
واعتبر ان برنامج توسيع قاعدة الملكية الخاصة للدولة المعروف بـ«الخصخصة» كمبدأ عام ليس معيبا فى حد ذاته كما يراه البعض، لكن عملية الخصخصة شابها كثير من الأخطاء فلم يكن من المنطق ان تباع اصول الدولة فى غياب سياسة توزيع الحصيلة وتحديد المشروعات التى تتطلب اعادة الهيكلة، بالاضافة إلى غياب آليات التنفيذ والاشراف والرقابة والمتابعة انتهاء إلى التقييم، مما أسفر عن انحراف البرنامج عن أهدافه، فـ«العيب فى الممارسات الخاطئة وليس فى النظام» على حد تعبيره.
وقال سرى الدين ان الازمة حاليا تكمن فى استحالة تنفيذ تلك الاحكام فى ظل تغيير ملكية الشركات المبيعة للقطاع الخاص اكثر من مرة وسيفتح المجال أمام اللجوء إلى التحكيم الدولى الذى يكبد الدولة أموالا طائلة تعجز عن سدادها فى ظل الوضع الاقتصادى والمالى المتأزم حاليا، وطالب بضرورة الموازنة بين احترام أحكام القضاء وحقوق العمال من ناحية والحفاظ على هيبة الدولة واحترام تعاقداتها من جهة أخرى.
وطالب الحكومة بسرعة وضع خطة عاجلة لإنقاذ شركات قطاع الأعمال العام تتضمن ضخ استثمارات بأفكار جديدة.
ورأى ان قرض صندوق النقد الدولى البالغ قيمته 4.8 مليار دولار بات «حتميا» فى الوقت الحالى نظرا لتردى الأوضاع الاقتصادية من عجز متفاقم فى الموازنة وزيادة كبيرة فى الدين الداخلى فلا مجال لضياع وقت أكثر من ذلك، خاصة ان هناك حزمة من المساعدات الدولية تنتظر التوقيع مع الصندوق.
ووصف رفض المجلس العسكرى لقرض الصندوق ابان حكمه للبلاد بالقرار «العنترى» والذى نندم عليه حاليا، بعدما غابت بدائل توفير سيولة، فالحكومة فشلت فى جميع البدائل التى أعلنت عنها حتى الآن.
وقال ان تراجع الرئيس محمد مرسى فى القرارات الضريبية التى أقرها ونشرت فى جريدة الوقائع الرسمية وعطل تنفيذها فى منتصف الليل، دلالة واضحة على عدم الدراسة المتأنية للقرارات وأنها صدرت بشكل غير مدروس ويشير إلى وجود عدم انضباط تشريعى.
ووصف تعطيل الرئيس لتلك القرارات بأنه أمر «غير دستورى وغير قانونى»، لانه لا يجوز ايقاف تنفيذ تلك التعديلات الا بقانون وهو مالم يحدث حتى الآن، واعتبر ما أثير ان وزير المالية السابق ممتاز السعيد ورط الرئيس فى توقيعها «أمرا عبثيا».
وصف الخبير القانونى مشروع قانون الصكوك الاسلامية بأنه غير منضبط تشريعيا حتى الآن ويحتاج إلى مزيد من التدقيق والمراجعة، فاستخدام الغطاء الدينى لمشروع القانون خداع واخلال بالمصلحة العامة للبلاد.
أضاف ان النص التشريعى المعروض حاليا يفتقر إلى الرقابة الشعبية عبر البرلمان إلى جانب التباس فى أنواع الملكية حتى الآن إلى جانب عدوم توضيح الضمانات اللازمة لحملة الصكوك وهل سيتم تصكيك المشروعات العامة بضمان الاصول أم المنفعة، وهل سيرجع حملة الصكوك على أصول الدولة حال فشل المشروع ما يضع ممتلكات الدولة فى مهب الريح.
أوضح ان القانون العام يمنع ترتيب اى حق عينى أو شخصى على أصول عامة قائمة، وطالب القائمين على اعداد مشروع القانون بالاستفادة من جميع التجارب السابقة خاصة نيوزيلاندا وماليزيا فنحن «لا نعيد اختراع العجلة»، على حد تعبيره.
حوار : محمد عياد