وجهت وكالة التصنيف الدولية «موديز» ضربة جديدة لكنها موجعة وتعد بمثابة الانذار الأخير هذه المرة للحكومة والقطاع المصرفى المصرى، بعد أن خفضت عدداً من المؤشرات السيادية والبنكية أمس.
يأتى ذلك بعد شهر واحد من التهديد الذى أطلقته الوكالة بخفض التصنيفات المصرية بسبب عدم الاستقرار السياسى وفشل الحكومة فى الحصول على تمويل خارجى واستمرار حالة اللايقين فى الوصول لاتفاق مع صندوق النقد الدولى.
ناقش رئيس الجمهورية د. محمد مرسى مع المجموعة الوزارية الاقتصادية – أمس – التعديلات الأخيرة على قوانين الضرائب، والتى تعد أحد أهم مكونات برنامج الإصلاح الاقتصادى المزمع تقديمه لصندوق النقد الدولى، فيما نقلت قناة «الحياة» فى ساعة متأخرة أمس عن نائب رئيس حزب النور تأجيل جلسة الحوار الوطنى التى كان مزمع عقدها اليوم إلى الأسبوع المقبل، وان كانت الرئاسة قد استبقت نتائجها بالتأكيد على استمرار حكومة قنديل التى تعد إقالتها أحد بنود المبادرة.
قالت الوكالة إنها خفضت تصنيف الودائع المصرفية للعملة الأجنبية درجة واحدة إلى «Caa1» بدلاً من «B3» وهى المرة الأولى منذ اندلاع الثورة قبل عامين، وتعنى وفقاً لسلم التصنيفات لدى «موديز» ان هذه الالتزامات ضعيفة وتحمل مخاطر ائتمانية مرتفعة للغاية.
قال رئيس أحد البنوك الكبرى العاملة فى مصر: حان وقت التوافق السياسى الإجبارى، وعلى الرئيس والمعارضة إدراك خطورة الوضع الاقتصادى وان آخر تخفيضات للتصنيف السيادى لمصر نتجت بشكل مباشر عن الصراع السياسى.
أضاف المصدر الذى رفض ذكر اسمه، ان تنازل الأطراف المختلفة لصالح تجاوز المرحلة الراهنة من شأنه أن يعيد تصحيح المسار فوراً، شريطة تنفيذ عملية الإصلاح الهيكلى التى تردد النظام السابق منذ 2005 فى تنفيذها، وتم تأجيلها حالياً لأغراض سياسية.
أوضح انه يمكن زيادة الاحتياطى النقدى الأجنبى بشكل سريع حال الاستقرار السياسى وتبنى خطة اقتصادية واضحة المعالم، من خلال اللجوء إلى آلية «SWAP Lines» بين البنك المركزى المصرى والبنوك المركزية العالمية وهى الآلية التى اعتمدت عليها البرازيل بشكل واسع فى تأمين احتياطاتها من العملات الأجنبية من قبل.
وتعرف آلية الـ «SWAP Lines» بأنها عملية تبادل مؤقت للأموال باتفاق مسبق بين البنوك المركزية.
وفقد الاحتياطى النقدى المصرى 1.4 مليار دولار خلال يناير فقط، رغم المساعدات القطرية والسعودية التى حصلت عليها مصر العام الماضى.
قال فخرى الفقى، المستشار السابق فى صندوق النقد الدولى أستاذ الاقتصاد فى الجامعة الأمريكية إن هذا التصنيف يعنى أن البنوك – حالياً – فى مأزق وان ودائع الأفراد من النقد الأجنبى أصبحت منكشفة للحكومة، مشيراً إلى ان طلبات تحويل الحسابات الفردية فى البنوك المصرية من الجنيه إلى الدولار متعثرة وان هذا التصنيف يعد إشارة إلى كل من له ودائع بالعملة الأجنبية أن يسحبها.
أضاف ان الحكومة اقترحت حتى الآن نحو 30% من الودائع الأجنبية، وقالت الوكالة إن من بين الأسباب التى دعتها إلى خفض التصنيف بهذا الشكل هو تفاقم موقف المدفوعات الخارجية لمصر بعد التراجع الكبير للاحتياطى الأجنبى الشهر الماضى، والذى كان الأكبر خلال 12 شهراً، كما خفضت «موديز» تصنيف السندات بالعملة الأجنبية إلى «B1» بدلاً من «BA3» والسندات والودائع المحلية إلى «BA2»، وكذلك السندات الحكومية من «B2» إلى «B3» مع احتمالية خفض التصنيف مجدداً، وتعد الالتزامات التى تحمل هذا التصنيف وفقاً لسلم موديز «تخمينية ومعرضة لمخاطر ائتمانية مرتفعة».
قال أحمد الخولى، رئيس قطاع الخزانة ببنك التعمير والإسكان إن تخفيض التصنيف الائتمانى للودائع بالعملة الأجنبية إلى «Caa1» يدفع لتوقع أى سيناريو سلبى سواء عدم قدرة البنوك على سداد التزاماتها بالعملات الأجنبية نتيجة توظيفها لدى الحكومة منخفضة الملاءة المالية أو نتيجة تراجع الاحتياطيات الأجنبية.
توقع الخولى ارتفاعاً كبيراً للعائد على أدوات الدين بالعملتين المحلية والأجنبية خلال الأسابيع القليلة القادمة وصعوبة نجاح مفاوضات قرض صندوق النقد الدولى ومزيداً من تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار.
من جهته، نفى محمد طه، نائب رئيس بنك القاهرة عدم قدرة البنوك على سداد التزاماتها بالعملة الأجنبية، مشيراً إلى ان البنوك لديها سيولة وتوازن فى حسابات التدفقات الأجنبية مع التوظيفات التى تقوم بها، متوقعاً تخفيض تصنيف البنوك العامة على اعتبارها مؤسسات الدولة المالية.
قال الدكتور عمرو حسنين، رئيس شركة الشرق الأوسط للتصنيف الائتمانى وخدمة المستثمرين «ميريس» ان تخفيض التصنيف الائتمانى مرة أخرى أمر خطير وتأثيراته غير محمودة على الاقتصاد.
أكد ان تكلفة التعامل مع الخارج فى عمليات الاستيراد والتصدير سترتفع نتيجة هذا التخفيض وسيتم تحميل هذه الزيادات على المستهلكين وبالتالى ارتفاع أسعار السلع المختلفة، خاصة ان الوكالة نفسها ستتجه إلى تخفيض التصنيف الائتمانى للبنوك خلال يومين كنتيجة طبيعية لتخفيض التصنيف السيادى.
أوضح ان التخفيض المقبل سيدخلنا عند المرحلة «C» وهى مرحلة صعبة جداً ولذلك مطلوب خطوات جادة للتوافق السياسى وتفعيل برنامج اقتصادى توافقى أو على الأقل ان تتفق القوى السياسية اقتصادياً طالما لن نتمكن من تحقيق التوافق السياسى.
استبعد شريف سامى، العضو المنتدب لشركة «مصر للاستثمارات المالية» تأثير تخفيض «موديز» لتصنيف السندات الحكومية على جاذبية البلاد للاستثمارات، نظراً لاختلاف توجهات المؤسسات المالية ودرجة تقبلها للمخاطر، ويوجد مستثمرين يرون أنها فرصة جيدة للاستثمار لأنها تضغط على أسعار الصفقات بما يُمَكِن المستثمر الأجنبى من اقتناصها بأقل التقييمات، فيما قلل محمود نجلة، مدير الاستثمار بشركة «الأهلى» لإدارة صناديق الاستثمار من تأثير خفض موديز لتصنيف السندات المصرية سواء المحلية أو الخارجية، وقال: إن السندات المصرية فى الأسواق الدولية التداول عليها ضعيف وهو ما يجعل التأثير محدود جداً.
كتب – أسماء نبيل وناصر يوسف ورغدة هلال ومحمود القصاص وشيماء تركى