إن الدور الذي يؤديه المدير التنفيذي في عالم المعلومات يتطور بالسرعة التي تتطور بها التقنية ذاتها، إذ بعد أن كان مقتصراً علي أداء مهام مساندة، أصبح اليوم يختص بتهيئة الأعمال لمواكبة العالم الرقمي في المستقبل وتثقيف الشركات.
لم تعد تكنولوجيا المعلومات مجرد أداة ثانوية في البنية الأساسية للشركات، ففي ظل تنامي أهمية الدور الذي تلعبه البيانات الضخمة، والشبكات الاجتماعية والأجهزة النقالة والحلول السحابية في الأعمال، بات إدخال التحديثات علي نظم تكنولوجيا المعلومات ضرورياً لتعزيز أداء الشركات في هذه الأيام.
وفيما يلحظ قادة السوق هذه الضرورة، تشكل الأمية الرقمية علي مستوي المديرين عقبة خطيرة، فكبار الإداريين لا يدركون ببساطة الفوائد المحتملة للتقنية المتطورة، ونظراً لذلك، ازداد عظم المسئولية الملقاة علي عاتق المدير التنفيذي للمعلومات، وأصبح لزاماً عليه أن يقوم باستكشاف التقنيات الجديدة وتطبيقها، في العمل وتحويل الجهل التقني إلي ابتكارات خلاقة في غرفة الاجتماعات.
إن ماركو كوماستري، رئيس شركة «سي آي تكنولوجيز» لبرمجيات وحلول الإدارة المعلوماتية في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، يتبني هذا التوجه ويبذل أقصي طاقاته ليرفع من شأن الدور المنوط بمنصب المدير التنفيذي للمعلومات.
يقول كوماستري مشيراً إلي ضرورة أن يواكب صانعو القرار متطلبات العصر: «لم يعد بمقدر المدير التنفيذي للشركة أن يصرف النظر بعد اليوم عن الأمور التقنية». وبينما تسارع معظم المؤسسات إلي تطوير بنيتها الأساسية المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات، يؤكد كوماستري ان التباطؤ في القيام بذلك سيؤدي إلي إضاعة الفرص وضعف الاستجابة السريعة لتغيرات السوق، وسيكون سبباً في تدهور العمل علي الأرجح.
تتخصص الشركة علي نحو رئيسي في تقديم برامج النظم لحلول الأعمال، بحيث تركز علي الحواسيب المركزية والبيئات الافتراضية والسحابية، وقد أعلنت الشركة المتعددة الجنسيات، والتي يقع مقرها الرئيس في نيويورك، عن تحقيق إيرادات بمقدار 4.8 مليار دولار لعامها المالي 2012، بزيادة ملحوظة علي إيرادات عام 2011 التي بلغت 4.4 مليار دولار لعامها المالي 2012، بزيادة ملحوظة علي إيرادات عام 2011 التي بلغت 4.4 مليار دولار. وفي الفترة ذاتها ازداد الدخل الصافي للشركة فقد ارتفع من 827
مليون دولار إلي 951 مليون دولار، ما يعني أن الشركة تسير في الاتجاه الصحيح نحو النجاح.
في حين ان تقديم حلول البرمجيات من الأولويات الرئيسية للشركة كي تحقق أهدافها، تعمل «سي ايه» علي تطوير دور المدير التنفيذي للمعلومات، وبالرغم من ان هذا المنصب لم يحظ بمكانة مهمة ضمن المخطط الهرمي للشركة في الماضي، فإن أهميته تزايدت بسرعة خلال العقد المنصرم – ومثلما هي الحال في معظم المؤسسات صاحبة الفكر الطليعي، فقد انتقلت الإدارة التنفيذية للمعلومات من كونها منصباً بسيطاً فقط، إلي احتلال مكانة مرموقة في هيكل الشركة.
يعبر كوماستري عن رأي «سي ايه» قائلاً: مثلما يتحمل الفريق الإداري مسئولية جماعية لتعزيز نمو الأعمال، فإن مهمة المدير التنفيذي للمعلومات لا تقتصر علي استكشاف وتطبيق التقنية الملائمة في نموذج الأعمال فقط، بل تتعداهما إلي سعيه نحو تثقيف زملائه في مجلس الإدارة حول آخر التطورات التقنية، ولهذا الغرض، تزود سي ايه المديرين التنفيذيين للمعلومات لدي عملائها بالأدوات المناسبة، لتسهيل عملية التثقيف بالنواحي الرقمية بين كبار الإداريين، ويؤمن كوماستري بأن تحقيق هذا الهدف شيء لا مناص منه في عالمنا اليوم، ويؤكد قائلاً: «إذا لم تستخدم تكنولوجيا المعلومات بطريقة تستفيد منها في تعزيز تواجدك في السوق، فسوف تضيع علي نفسك فرصة عظيمة».
إن تبني منتجات سي ايه يتم بالتزامن مع عقد دورات يمكن لكل من: المديرين التنفيذيين للمعلومات وفرقهم، حضورها لتكوين صورة واضحة عن حلول البرمجيات.
في الواقع، إن صنع القرارات في هذه الشركة لا يمثل الغاية النهائية، بل هو بالأحري بداية لمرحلة تثقيفية، لاسيما حين يتعلق الأمر بتكنولوجيا المعلومات، لذلك تبذل سي ايه جهداً مضاعفاً من خلال تقديم برنامج شراكة تعليمية يطلق عليه اسم «الشراكة التعليمية» لـ «سي آيه تكنولوجيز» بالإضافة إلي دورات تدريبية مهنية الحوسبة السحابية، ومكتبة البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات وأجيل للتطوير البرمجي و«سكرام» لتطوير المشروعات، والفحوص المتعلقة بالاعتماد والمصادقة علي منتجاتها، وفي المقابل يمكن للمدير التنفيذي للمعلومات ان يطرح هذه الأفكار في الاجتماعات الإدارية، وان يدرب زملاءه من أعضاء المجلس عليها.
بالعودة إلي الحديث عن أهمية وجود قاعدة قوية لتكنولوجيا المعلومات، يشير كوماستري إلي ان الافتقار إلي مثل هذه القاعدة، قد يؤدي إلي تعذر الحصول علي وسائل التواصل. كما يمكن ان يسهم في إهمال تبني خدمات جديدة كنظم إدارة العلاقات مع الزبائن وبرامج الاستبقاء علي العملاء وتطبيقات المستهلك والإمكانات الخارجية، كما يستدل رئيس «سي ايه» في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا علي صحة أقواله بالإحصاءات التي جاءت في دراسة حديثة من مؤسسة البحوث آي دي سي بعنوان: أبرز 10 تنبؤات علي أجندة المدير التنفيذي للمعلومات علي مستوي العالم 2012. وتفيد الدراسة بأن العالم سيعتمد اعتماداً كبيراً علي إدارة البيانات والاتصال الشبكي خلال الأعوام الثلاثة المقبلة.
كما تضمن بحث آي دي سي توقعات بأنه سيكون هناك 15 مليار جهاز متصل بالشبكة قيد الاستخدام بحلول عام 2015، وان شبكة الإنترنت عبر الأجهزة النقالة قد تصبح أكبر من شبكة الانترنت عبر الحواسيب المكتبية. علاوة علي ذلك من المتوقع أن ينتقل ما نسبته 88% من تطبيقات الشركات التجارية الحديثة إلي نظام الحوسبة السحابية، وسيغدو بالإمكان مشاركة 30 مليار مادة محتوي عبر «فيس بوك»، كما يتوقع أن يصل حجم البيانات الضخمة من 2 إلي 7 زيتابايت «90% غير هيكلية» ومع ان هذه التكهنات لم تتحقق
بعد، فلابد لها علي الأقل أن تلفت انتباه صانعي القرار في كل مكان فيما يتعلق بأسلوب مؤسساتهم في التعامل مع السوق، وخلاصة القول: إنه كلما زادت أهمية تطبيق التكنولوجيا في توجيه عمليات الشركة، زادت ضرورة أن يكون صانعو القرار ملمّين بتقنية المعلومات للحصول علي أكبر قدر ممكن من الاستفادة.
يوضح جيرمي فينسنت، المدير التنفيذي للمعلومات لدي «جاجوار لاند روفر»، مؤكداً ضرورة الحفاظ علي فهم متزن لكل من التكنولوجيا والأعمال بالقول: إن مستوي الأمية الرقمية بين الفرق الإدارية في الشركات يتفاوت بين قطاع وآخر، لكنها متدنية جداً إجمالاً، بل قد ينعدم وجودها في بعض المؤسسات الدولية، ويري المدير التنفيذي للمعلومات ان طبيعة السوق حالياً تحتم علي المرء أن يكون ملماً بالنواحي التقنية، بقدر ما ينبغي علي أصحاب المناصب الإدارية العليا أن يكونوا علي معرفة جيدة بالأمور المالية.
لكن هل يفتقر قادة الأعمال الحاليون إلي المعرفة المطلوبة حقاً؟ وفقاً لشركة «فانسون بورن» المختصة ببحوث السوق، والتي تم انتدابها لإعداد تقرير «الدور المستقبلي للمدير التنفيذي للمعلومات: المعرفة الرقمية»، فإن هناك انقطاعاً كبيراً بين الإدارة والمعرفة التقنية، يعلق كوماستري، مستشهداً ببعض نتائج البحث، قائلاً: إن 80% من المديرين التنفيذيين للمعلومات لا يعتقدون بأن فرقهم الإدارية علي اطلاع كامل بالنواحي الرقمية.
يضيف خبير قطاع المعلومات، الذي يعمل فيه منذ 30 عاماً: إن 39% من المديرين التنفيذيين للمعلومات يرون وفقاً للتقرير أن زملاءهم في مجال الإدارة لا يدركون القيمة المحتملة لتكنولوجيا المعلومات في البني الأساسية لمؤسساتهم، فيما يعتقد 37% منهم بأن التكنولوجيا لا تُطبق بالصورة المثلي لتوسيع الأعمال.
يعلق البروفيسور جو بيبارد من كلية كرانفيلد للإدارة بالقول: بدلاً من تفادي النقاش حول موضوعات تكنولوجيا المعلومات، ينبغي علي كبار المديرين أن يشتركوا في هذه الحوارات الضرورية وأن يكونوا قادرين علي الإدلاء بدلوهم. ولكونه مديراً لبرنامج قيادة تكنولوجيا المعلومات في الكلية، تتمحور بحوث بيبارد حول موضوعات القيادة والابتكار والتنظيم، وإدراك قيمة الفوائد التي يمكن جنيها من الاستثمار في تكنولوجيا المعلومات.
يري البروفيسور ان الأهم في هذا الشأن ليس التعرف علي تكنولوجيا المعلومات في حد ذاتها، وإنما تعزيز قيمتها وإمكانات نموها. إذ يقول: إن الأمر يتعلق بكيفية استفادة الشركات من المعلومات، سواء من حيث ابتكار العمليات أو تزويد المنتجات أو الخدمات بالمعلومات، أو التأثير إيجاباً في تجارب العملاء أو إنشاء نماذج أعمال جديدة.