بقلم: يوريكو كويكي
عندما يتم تقييم العواقب التي ترتبت علي غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة قبل عشر سنوات بشكل كامل، فإن أهمية ما تلا ذلك الغزو من صعود الإسلام السياسي هناك وفي مختلف أنحاء الشرق الأوسط قد تبدو ضئيلة للغاية مقارنة بالتحول الجغرافي الاستراتيجي الذي لم يكن لأحد أن يتوقعه آنذاك، ولكن ذلك التحول أصبح الآن مرئيا، ومع اقتراب أمريكا من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة، فإن انفصال الولايات المتحدة استراتيجياً عن المنطقة قد يصبح حقيقة واقعة.
لقد شهد الشرق الأوسط بالفعل انسحاب قوي عظمي مرات عديدة من قبل: تفكك الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولي؛ وتنازع بلدان الإمبراطوريتين الفرنسية والبريطانية بعد الحرب العالمية الثانية؛ ومؤخرا، الاختفاء شبه الكامل للنفوذ الروسي في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، وفي كل مرة، سرعان ما تحدث تغيرات هائلة في سياسة المنطقة، وخاصة تحالفاتها، وإذا كانت أمريكا تحاول رفع ايديها عن الشرق الأوسط في السنوات المقبلة، فهل يؤدي هذا إلي تمزق مماثل للعلاقات؟
بالرغم من اعتقاد العديد بأن التحالف الامريكي- الاسرائيلي هو اساس السياسية الامريكية في الشرق الأوسط، فانه كان يعتمد علي استيراد البترول الذي دفع الولايات المتحددة إلي تأسيس تواجد عسكري مهيمن في المنطقة بعد عام 1945، فقد كان الغرض من هذا التواجد هو الحفاظ علي الوضع الراهن في العالم العربي وبالتالي تدفق الطاقة من الخليج لصالح الولايات المتحدة وحلفائها والاقتصاد العالمي بأسره.
بالطبع، لا ينبغي لأحد أن يتخيل أن ثورة الغاز الصخري في الولايات المتحدة والتي جعلتها قاب قوسين أو أدني من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة تعني أن أسطولها الخامس المتمركز في البحرين قد يرفع مرساه في أي وقت قريب، ولكن الأساس المنطقي لالتزام أمريكا بالقوة العسكرية في المنطقة يتغير بسرعة؛ وعندما يحدث ذلك كما حدث في أوروبا علي سبيل المثال منذ نهاية الحرب الباردة فإن توزيع الأصول العسكرية يميل إلي التغير أيضا.
سوف ينعكس هذا التغيير بالتأكيد علي علاقة أمريكا بحلفائها وشركائها العرب، ولكن درجة انفصال الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط ستعتمد علي كيفية الاجابة عن سؤالين رئيسيين، أولهما: هل سيخلق الانسحاب الجزئي للقوي العسكرية نوعا من الفراغ الامني من الممكن ان يملأه احد منافسي أمريكا كالصين أو ايران؟ ثانيا: هل يؤدي الانتقاص من التزام أمريكا بالمنطقة إلي تحفيز نوع من عدم الاستقرار قد يؤدي إلي توليد دول فاشلة وإنشاء ملاذ آمن للإرهابيين؟
الاستراتيجية الامنية الحالية التي يتبعها الرئيس الامريكي باراك اوباما في افغانستان واليمن وغيرهما تشير إلي ان الولايات المتحدة تسعي للتخفيف من خطر الارهاب من خلال الاستمرار في تدخلاتها الخفية، ومنع المنافسين من الحصول علي نفوذ مفرط في المنطقة سيتطلب نمطا مختلفا تماما من الاستجابة، نمطا من شأنه ان يتطلب دعما لحلفاء قدامي مثل اليابان واصدقاء جدد مثل الهند.
السبب وراء ذلك واضح: فاعتماد الصين علي واردات الطاقة من الشرق الأوسط يعني انها من شبه المؤكد انها تسعي لملء اي فراغ امني بالمنطقة، كما ان محاولات الصين الحتمية لفرض قدر أعظم من النفوذ في الشرق الأوسط تعني أن دولا مثل الهند، وإندونيسيا، واليابان، وكوريا الجنوبية، وتركيا وغيرها من الدول سوف تكون في حاجة لان تلعب دورا فعالا في خلق بنية أمنية إقليمية تحمي مصالحها الوطنية، ويتعين علي هذه الدول أن تكون واضحة مع نفسها حول ما إذا كانت تملك السبل اللازمة لتحقيق غاياتها الأمنية الوطنية، فعلي سبيل المثال، هل هي قادرة علي توفير جزء من الأمن الذي ضمنته أمريكا طويلا للدول العربية في المنطقة؟
إن التنبؤ بتلك القوة الآسيوية وصراع دول آسيا علي القوة في الشرق الأوسط قد يبدو احتمالاً بعيداً اليوم، ولكن قبل عشر سنوات فقط كان نفس الشيء ينطبق أيضا علي احتمالات رفع الولايات المتحدة ايديها عن المنطقة.
إعداد: سارة أبو بكر
المصدر: بروجيكت سينديكيت