كان لبرنامج شراء السندات اليابانية أثر إيجابي علي أسعار الأسواق المالية في جميع أرجاء العالم، وهو ما سوف يغير من مشهد الاستثمار العالمي مع تزايد رؤوس الأموال.. ولكن بمجرد أن يتوقف هذا التدفق سوف يكون السؤال المطروح.. هل ذلك سوف يضيف أم يقلل من فترة استقرار نظام النقد العالمي؟!
ويعد البرنامج الياباني ضخما جداً، حيث يقدر بنحو 75 مليار دولار شهرياً، بالإضافة إلي أن أسعار الفائدة لأجل عشر سنوات منخفضة جداً، مقارنة ببرنامج « التيسير الكمي » لبنك الاحتياطي الفيدرالي الذي يتضمن شراء سندات بقيمة 85 مليار دولار شهرياً، وفي ظل استهداف التضخم بنسبة 2% فإن فترة البرنامج الياباني سوف تستمر طويلاً، ويعتمد علي قدرته في الاستحواذ علي نصيب أكبر من الأسواق العالمية.
ازدادت قوة حركة العملات بعد أن حصلت اليابان علي الضوء الأخضر من الدول الاقتصادية المتقدمة خاصة بلدان مجموعة السبع التي مازالت تفرق بين التدخل الأجنبي الصريح في تبادل أسعار الصرف وبين نهج مثل هذا البرنامج الذي يستهدف إضعاف قيمة العملة.
إدراكا للحقيقة فإن الاقتصاد الياباني في وضع يمكنه من امتصاص السيولة التي ضخها بنكه المركزي وتتوقع الأسواق تدفقات لرأس المال خارج اليابان، والنتيجة شلالات من التقييمات التدريجية، حيث تبدأ بالاستفادة من الأوراق المالية ذات الدخلين الثابت والعالي، ثم تدفع أسعار الأسهم العالمية للارتفاع وتزيد من فرص الاستثمار في الأسهم الخطرة.
ويحدث كل ذلك بغض النظر عن الأسس الهامة، وهو ما يثير إعجاب المستثمرين العالميين علي المدي القصير ولكن يثير بينهم قلق أكثر علي المدي البعيد، فالبرنامج الياباني ينال رضاهم خاصة في ظل مشاركة بنك مركزي آخر بنشاط في خلق انقسام كبير بين أساسيات الركود وأسعار الأسواق المالية المرتفعة، وهكذا يستمر المستثمرون في ركب أمواج السيولة، التي تفصل التقييمات عن نمو العائدات والربحية.
إلا أن هذا البرنامج يثير قلق الكثير من المستثمرين حيث انهم يدركون انه قد ينتهي بمأساة إذا لم تستجب الاقتصادات الحقيقية كما ينبغي لسياسات البنك المركزي، فالخطر يكمن في أن ارتفاع أسعار الأصول بشكل مصطنع قد يؤدي لانهيارها في نهاية المطاف.
القضاء علي هذا القلق ليس مسئولية البنوك المركزية وحدها، بل يعتمد – أيضاً – علي الاستجابة من قبل صانعي السياسة الآخرين.
ينبغي أن نتوقع في الوقت الحالي تطورين هامين علي الأقل من شأنهما إثارة مشاعر القلق والإعجاب أولاً: أن برنامج اليابان سيزيد من احتمالية انتهاج البنوك المركزية الأخري سياسات نقدية أكثر توسعية، ثانياً: أن البرنامج سيزيد من مخاوف خلل الأسواق، وسوف تقل حدتها إذا استجابت الاقتصادات الحقيقية بشكل صحيح وسريع لإجراءات البنك المركزي، ورغم أن المسئولين يدركون أهمية دعم السياسات التي تساهم في تحسين المستويات الاقتصادية وتعمل علي إطالة مدة سلامة الأسواق المالية، فإن هذه السياسات لم تطبق بعد.
إن المستثمرين العالميين محقون في إعجابهم بالبرنامج الياباني لشراء السندات، فهو يحمل بالفعل تأثيرا جوهريا ولكن إمكانية كونه مغيرا حقيقيا للعبة ويستند إلي كيفية تغييره لديناميكيات التحول طويل المدي من النمو الاصطناعي إلي النمو الحقيقي.
بقلم : محمد العريان
المصدر : فاينانشيال تايمز