” حين يدعى- شيخ الأزهر– إلى بلد على غير صفاء ووئام مع الدولة المصرية التي ينتمي اليها فإن ذلك يفتح الباب لاحتمالات عدم البراءة والشك في أهداف الزيارة التي قد يظن منها أن المراد بها فصل الأزهر عن الدولة، وحتى إذا كان هذا الاحتمال مبالغا فيه فالذي لاشك فيه أن الشبهة قائم”.
هكذا علق الكاتب، الذي يوصف بالاسلامي، فهمي هويدي، على زيارة د. أحمد الطيب شيخ الأزهر لدولة الامارات مؤخرا، في مقال بجريدة الشروق أمس يحمل من التحريض والتشكيك في الوطنية والعمالة أيضا ما لا يمكن أن يمر مرور الكرام، خاصة إذا جاء ممن يعد أحد أهم الكتاب المصريين منذ فترة ليست بالقصيرة، في حق الامام صاحب المواقف الوطنية الواضحة للعيان، والذي خرج بالأزهر من قاعات الدرس إلى القيام بدور ضروري في المجتمع ومحاولة ربء الصدع الذي زاده الاخوان اتساعا بين أطياف الأمة المصرية، حتى صار ذكر اسمه في قائمة المهنئين بعيد القيامة المجيد داخل الكاتدرائية كفيلا بعاصفة من التصفيق، بعد أن أصبح الأزهر حصنا للمظلومين الآن وأولهم المصريين المسيحيين.
لا أدري أية شبهة تلك التي يراها هويدي قائمة، وإذا كانت تلبية الامام الأكبر لدعوة زيارة دولة الامارات تحمل شبهة فصل الأزهر عن مصر فالبينة على من ادعى، في حين أن هناك حقيقة ، وليست شبهة، كشف عنها المستشار طارق البشري الخميس الماضي وهي الأهم عندما قال أن قانون محور تنمية قناة السويس سيفصل هذا الاقليم الهام عن سلطة الدولة المصرية وسيخرجه من الخضوع لقوانينها، طبعا المقابلة غريبة نوعا ما ولكنها ضرورية لأنها مدلل عليها بنصوص قانونية معلنة وبدأ النقاش حولها وهي الأولى بالنقاش، في ضوء المطامع القطرية المعلنة في فصل هذا الاقليم عن مصر والانفراد به، حتى أن المسئول عن هذا المشروع قال مؤخرا ” نسعى لأن يكون لاقليم قناة السويس تصنيفا ائتمانيا مستقلا عن مصر”.
ويأتي هذا الهجوم “الهويدي” على شيخ الأزهر، بالتزامن مع الزيارات المتتالية لخصوم الاخوان إلى الأزهر، والتي تستهدف مساندته والوقوف بجواره أمام الهجمة الشرسة من جانب الاخوان المسلمين، الذين يتبقى لهم الأزهر الشريف لاكتمال عقد مسلسل الأخونة، ما بين سلفيين يشدون من أزره، وتيار شعبي يقوده الزعيم اليساري حمدين صباحي، يناقش معه الاعداد لمؤتمر حول الوحدة الوطنية في مصر.. باعتباره رجل الدعوة الاول في مصر والعالم الاسلامي، بعيدا عن دعاة الخراب الذين ساهموا في تأصيل الانشقاق في نسيج الأمة المصرية.
التحريض على عتاب الطيب ظهر جليا في عبارات مثل ” حين تتزامن زيارات الامام الأكبر للدول الخليجية مع حملة الابادة التي يتعرض لها المسلمون في ميانمار مثلا، وتنشر له صور مع أكابر القوم ووجهائهم بالخليج جنبا الى جنب مع صور وجثث ودموع أولئك المسلمون البؤساء، فربما عذرنا من توجه اليه بالعتاب قائلا أنه يقف في غير مكانه ويغيب حيث يجب أن يوجد”.
لا أدري كيف خط قلم ” هويدي” هذه الهراءات، وكيف استعمل هذه المقابلة بين صورة الشيخ مع ” الأكابر” وصور ضحايا الابادة الجماعية في بورما، وهو الأسلوب الذي تستخدمه اللجان الالكترونية للاخوان، ولماذا لم يتحرى عن سبب الزيارة التي قام بها، وقطعها بسبب حالات التسمم في المدينة الجامعية، في حين تساءل أحد أبناء الرئيس مرسي فور وقوع واقعة التسمم بالتساؤل على تويتر أين شيخ الأزهر مما يحدث في المدينة الجامعية، قبل أن يبدأ على الفور الهجوم الاخواني المنظم على الأزهر وشيخه، نفس الأسلوب القميئ.
وإذا كان هذا هو بيت القصيد الذي يقوم عليه الانتقاد غير المبرر لزيارة دولة الإمارات، وليس اسرائيل لا سمح الله التي نعت الرئيس المصري رئيسها بصديقي العزيز، فالأزهر مهمته الدعوة الاسلامية، كما وصف هويدي دوره بالضبط كرجل دعوة وليس رجل سياسة، وبالفعل دعا الطيب العالم أجمع والمسلمين على وجه الخصوص لنصرة مسلمي ميانمار، ولا تتوقف بياناته ولا لقاءاته عن طلب هذه النصرة، والتي كان من الأولى أن يكون الاخوان المسلمون أول من ينصرهم، ولو بالتظاهر كما هو الحال عندما يهتفون ” عالقدس رايحين شهداء بالملايين”، في حين أننا لم نضبط الرئيس مرسي متلبسا يوما بتصريح عن معاناة مسلمي بورما.
ورغم اعجابي بأسلوب عمل الكاتب فهمي هويدي ودعمه كتاباته بأحدث البيانات وجمعها من كافة مشاربها واخضاعها للتحليل، إلا أنه وللأسف تعامى عن أسباب الزيارة، التي لم يلتقي ولله الحمد فيها الشيخ الطيب بالشفيق أحمد فريق ولو بالصدفة، وإلا لنصبت المشانق للشيخ “الطيب” اسما وفعلا، فالرجل وجهت له دعوة لاستلام جائزة رجل العام الثقافية، وتم تكريمه أيما تكريم بالافراج عن 103 من السجناء المصريين بمناسبة هذه الزيارة، فضلا عن تقديم دعم بقيمة 68 مليون دولار للأزهر لاعادة انشاء وصيانة المكتبة التابعة له.. ثم من القائل أن الزيارة لم تتطرق إلى كيفية اماطة الأذى عن مسلمي بورما.
ولم يفت هويدي بالطبع أن يشير إلى ” الفجوة” في علاقة الامام الأكبر بالجماعة، منذ العرض العسكري الذي نظمه طلاب الاخوان داخل حرم الجامعة أثناء توليه رئاستها وتعامله “بشدة” مع هذا الحدث.. دون أن يقول وكيف كان ينبغي أن يتعامل مع حدث جلل كهذا، حتى نستشرف منه الأسلوب الذي ينبغي لوزير الداخلية، عندما يكون في مصر وزير للداخلية، مع الميليشيات المسلحة التابعة للجماعة.
إلى هنا والكلام مردود عليه.. أما ما لم أستطع أن أناقشه أصلا فهو الاتهام المبطن بالعمالة والسذاجة، عندما قال هويدي ” ان الدعوات الخليجية المتلاحقة التي وجهت لشيخ الأزهر تمثل تطورا غير مسبوق، يحاول من خلاله الخارج أن يوظف الأزهر للقيام بدور في الداخل”، قبل أن ينهي مقاله الصادم طبعا بالاكليشيهات التي يسعى من خلالها دائما للتنصل من الاتهام المباشر قائلا ” وهو استنتاج أرجو أن تثبت الأيام أنه ليس صحيحا”.
أخيرا .. كان يجب أن أسأل الأستاذ فهمي هويدي أين هو عدم الصفاء والوئام بين دولة الامارات والدولة المصرية، وهل اختصر الكاتب الاسلامي مصر في الجماعة، ألا يعلم أن طرفي الخلاف هما دولة الامارات وجمعية أهلية مصرية ضخمة بعض الشئ، تمكنت من الوصول إلى كرسي الحكم بأصوات من عصروا أطنانا من الليمون، ولكنها لم ولن تكون معبرا عن مصر الحضارة والقومية العربية وخط الدفاع الأول عن الأمة، وليس العبث ببلدانها كما هي التهمة الموجهة لأعضاء الجماعة في الامارات.
أي جماعة تلك التي يريد ” هويدي” أن يرمز للدولة المصرية بها، في حين أن مرشدها السابق قال قبل أربعة أعوام بالفم المليان ” طظ في مصر”، قبل أن يقول مؤخرا أن مهام المرشد أعظم وأهم من رئيس مصر.