بقلم: مارتن فيلدستاين
تحير المستثمرون بسبب قرار الفيدرالى الأسبوع الماضى تأجيل بداية «تقليص» برنامج التيسير الكمي، كما خلق القرار فخاً سيجعل من الصعب بدء التقليص فى المستقبل إلا إذا غير الفيدرالى من نهجه الأساسى.
وأوضح رئيس الفيدرالى، بن برنانكى، أن لجنة السوق المفتوح قررت عدم تخفيض وتيرة شراء السندات نظراً لأن الظروف الاقتصادية الحالية ليست مواتية لتوقعات اللجنة للاقتصاد فى يونيو، وأضاف أن الفيدرالى قد يبدأ فى التقليص فى وقت لاحق هذا العام إذا اكدت البيانات توقعاتنا الأساسية للاقتصاد.
ولكن هذا اختبار يصعب تجاوزه، حيث إن توقعات لجنة السوق المفتوح لطالما كانت متفائلة للغاية فى السنوات الأخيرة، ولذا يبدو الامر وكأنهم يكررون أخطاءهم مرة أخرى.
وفى نهاية أحدث اجتماعات اللجنة، أصدر الفيدرالى ملخصاً بتوقعات أعضاء اللجنة للاقتصاد، ومالت معظم التوقعات نحو زيادة الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى بنسبة %2 إلى %2.3 خلال الاثنى عشر شهرا اعتبارا من الربع الرابع فى 2012.
وهذه الأرقام أعلى مما حققه الاقتصاد الأمريكى خلال الثلاثة أعوام الماضية، فخلال النصف الاول من 2012 بلغ نمو الناتج المحلى الإجمالى السنوى الرسمى %1.8 فقط، ويرجع أكثر من ثلث هذا الرقم إلى التخلص من تراكم المخزون، وتتراوح التقديرات الخاصة لنمو الناتج المحلى فى الربع الثالث حول هذا المستوى أيضاً.
ولكى يتحقق متوسط توقعات لجنة السوق المفتوح للنمو الاقتصادى لهذا العام ككل، ينبغى أن يقفز النمو إلى معدل سنوى بنسبة %3.2 فى الربع الربع.
كما تتوقع اللجنة أن تصل نسبة النمو إلى ما بين %2.9 و%3.1 فى 2014، وهذا التوقع يعد بالفعل تخفيضاً كبيراً لتوقعاتها للنمو فى 2014 منذ شهرين، وكلما اقتربنا من 2014 تصبح آفاق النمو أكثر ضعفاً.
وكما أشار برنانكي، من المرجح ان تتسبب زيادة أسعار الفائدة منذ مايو الماضى فى إحباط وتيرة نمو قطاع الإنشاءات السكنية الذى يعد القطاع الأقوى خلال العام الماضي.
وعلاوة على ذلك من المرجح أن يظل الإنفاق الاستهلاكى ضعيفاً بسبب انخفاض الدخل الحقيقى للفرد بعد خصم الضرائب أكثر مما كان عليه العام الماضي، ورغم أن انخفاض مدخرات الأسر ساهم فى دعم الإنفاق الاستهلاكي، ففى الغالب لن تواصل الأسر تخفيض مدخراتها لدعم الإنفاق المستقبلي.
لذا، فإن ربط تقليص برنامج شراء السندات بتحقيق الاقتصاد التوقعات المتفائلة للاحتياطى الفيدرالى سوف يؤدى فى الغالب إلى قرار آخر بمواصلة الوتيرة الحالية لشراء السندات.
ومن الصعب مجادلة الفيدرالى فى اعتماد سياسته الاقتصادية على البيانات بقدر ما هو صعب التوصل إلى استراتيجية توضح مقدماً سياساته لعدة سنوات قادمة، خاصة أن تلك السياسات حساسة للتغيرات فى الأنباء الاقتصادية شهراً بشهر.
ومع ذلك، هناك استراتيجية سوف تسمح للفيدرالى ببدء التخفيض فى أكتوبر وإنهاء البرنامج فى منتصف 2014، فقد قال الفيدرالى من قبل إن وتيرة شراء السندات ينبغى أن تعكس توازنا بين المنافع التى تحققها تلك السياسة النقدية وبين التكاليف التى تفرضها على الاقتصاد، وبتطبيق هذا المبدأ سيجد الفيدرالى المبرر لبدء التقليص.
فالاستراتيجية الحالية لم تعد تفعل الكثير لتعزيز الوظائف وتحفيز النمو، رغم أن الجولة الاولى لبرنامج التيسير الكمى فى 2010 و2011 ساعدت على تحفيز الطلب.
وفى نفس الوقت، فإن الاستمرار فى شراء السندات طويلة الأجل والتعهد بإبقاء الفائدة الحقيقية قصيرة الأمد عند الصفر حتى بعد عودة الاقتصاد لحالة العمالة الكاملة لهما تكاليف باهظة على الاقتصاد.
فهذه السياسات تشوه السلوك الاستثمارى للأفراد والمؤسسات، حيث إنها تدفعهم إلى التهافت على العائدات الأعلى من خلال تحمل مخاطر عالية، كما أنها تدفع البنوك لدفع قروض أكثر خطورة لتحقيق أرباح أعلى، وكلما استمر الانخفاض غير الطبيعى فى أسعار الفائدة، ستصعب العودة إلى الأوضاع الطبيعية.
لذا من الحكمة أن يحول الفيدرالى تركيزه عن البيانات قصيرة المدى ويدرك أنه حقق أقصى ما يمكن أن يحققه من تلك السياسة النقدية وأن يبدأ فى اجتماعه المقبل السير فى طريق تقليص حجم محفظة السندات خاصته.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز