قالت مجموعة QNB انه منذ إعلان بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي عن التقليص التدريجي في برنامجه الخاص بشراء الأصول- المعروف باسم “التخفيف الكمي”- شهدت الأسواق الناشئة هروب كبيراً لرؤوس الأموال خارجها، وهو ما أدى إلى إضعاف عملاتها المحلية وانخفاض توقعات النمو فيها. للأسف، فإن من المتوقع أن تتواصل هذه الآثار السلبية خلال عام 2014 مع بدء بنك الاحتياط في تنفيذ خطة خفض شراء الأصول، وهو ما سيقود إلى تراجع النمو الاقتصادي، وتشديد سياسات الاقتصاد الكلي، مع احتمال حدوث اختلال في ميزان المدفوعات لعدد من الدول.
واوضحت المجموعة فى بيان لها ان إعلان بنك الاحتياط الفيدرالي في 18 مايو 2013 ادى الى خفض برنامج “التخفيف الكميّ”، وشروعه في تنفيذ خطة الخفض في يناير 2014 إلى حدوث انقلاب مفاجئ في وجهة التدفقات الرأسمالية إلى خارج الأسواق الناشئة. وبذلك تحولت الأسواق التي كانت تعدّ الوجهة المفضلة للرساميل العالمية الباحثة عن العائدات العالية خلال السنوات القليلة الماضية فجأة إلى مخرج طوارئ للمستثمرين الراغبين في الهروب. ونتيجة ذلك، تم سحب رؤوس أموال بحدود 100 مليار دولار أمريكي من صناديق السندات والأسهم في الأسواق الناشئة خلال الشهور الثمانية الأخيرة من عام 2013، وفقاً لإحصائيات مؤسسة الدراسات الاقتصادية EPFR غلوبال. وقاد ذلك إلى إضعاف شديد لعملات الأسواق الناشئة، وإلى تشديد في سياسات الاقتصاد الكلي، وتراجع في أنشطتها الاقتصادية.
وقد تأثرت خمس دول على وجه الخصوص بهذا التحول المفاجئ في وجهة تدفقات رؤوس الأموال بالنظر إلى حجم العجوزات الكبيرة في حساباتها الجارية. وهذه الدول هي: البرازيل والهند وإندونيسيا وجنوب أفريقيا وتركيا. وقد شهدت هذه المجموعة التي تعرف باسم “الدول الخمس الهشة” أكبر تدهور في قيمة عملاتها وأشد التأثيرات السلبية على أنشطتها الاقتصادية.
ومن المرجح، للأسف، أن تستمر هذه الآثار السلبية خلال عام 2014. ومع قيام بنك الاحتياط بالتنفيذ التدريجي لتقليص برنامج شراء الأصول خلال السنة، حيث يتوقع هروب المزيد من رؤوس الأموال خارج الأسواق الناشئة باتجاه الأسواق المتقدمة. وسيضع هذا مزيداً من الضغوط على الأسواق الناشئة ويجبرها على تشديد سياستها المالية والنقدية وهو ما سيؤدي إلى تراجع نموها الاقتصادي.
في عام 2013، شهدت البرازيل أكبر عملية هروب لرؤوس الأموال خلال العشرة أعوام الأخيرة من تاريخها. وقد أدى ذلك إلى إضعاف شديد للريال البرازيلي. وقد ردّت السلطات على ذلك بتشديد قاس لسياستها المالية، ورفع أسعار الفائدة إلى رقم من خانتين. وترتّب على ذلك حدوث انكماش في اقتصادها خلال الربع الثالث من عام 2013 وتشير كل الدلائل إلى وقوع مزيد من التراجع خلال الربع الرابع للعام. وفي عام 2014، سيؤدي حدوث المزيد من الضغوط على سعر الصرف إلى مزيد من التشديد على أسعار الفائدة وتباطؤ التعافي في النشاط الاقتصادي، بالرغم من إقامة منافسات كأس العالم في البلاد لعام 2016. وعلى ذلك، تقدر مجموعة QNB أن تكون نسبة النمو في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة في البرازيل بين 1,0%-1,5% في عام 2014.
كانت تجربة الهند مع هروب رؤوس الأموال أفضل من غيرها من الاقتصاديات الناشئة. فقد ساعدت السياسات الناجحة التي اعتمدها البنك المركزي الهندي على استقرار الروبية الهندية منذ أكتوبر 2013 دون حاجة لمثل تلك الزيادات الحادة التي أدخلت على أسعار الفائدة في البرازيل. وبدلاً من ذلك، عمدت السلطات إلى كبح واردات الذهب وزادت من حوافز صادرات السكر لتخفيض نسبة العجز في الحساب الجاري. إلا أن البنك المركزي الهندي رفع من سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة عندما تجددت الضغوط على عملات الأسواق الناشئة خلال الأسبوع الأخير من شهر يناير. وربما بلغ النمو في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة لأقل من نسبة 5,0% بقليل في عام 2013 بالرغم من أن مستوى الزخم ظل يتباطأ على نحو يعكس التشديد على السيولة المحلية وانخفاض ثقة المستهلكين والمستثمرين. وعليه فإننا نتوقع أن يبلغ الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة في الهند بين 4,0% و4,5% في عام 2014.
كما شهدت إندونيسيا أيضاً هروب رؤوس أموال ضخمة خارجها في عام 2013. ونتيجة ذلك، فقدت عملتها (الروبية) حوالي ربع قيمتها مقابل الدولار الأمريكي. ولم تستطع السلطات حتى الآن إيقاف نزيف الأموال الهاربة بالرغم من الارتفاع الكبير في أسعار الفائدة مع بقاء الطلب على الواردات عالياً. وقد تباطأ الاستثمار، إلا أن الاستهلاك ظل مرتفعاً بسبب النمو المتزايد في حجم الطبقة الوسطى. وعليه، انخفض النمو في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة في إندونيسيا بدرجة معتدلة فقط، إلى حوالي 5,5% في عام 2013. ونتوقع أن يتراجع أكثر إلى 5,1% في عام 2014.
كانت جنوب أفريقيا هي الدولة الأكثر تعرضاً لتدهور عملتها (33%) من بين الدول الخمس الهشة. وقد انعكس ذلك في حدوث أكبر عجز في الحساب الجاري (6,8% في الربع الثالث من عام 2013) وأقل نمو في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة (1,8% في الربع الثالث من عام 2013) على خلفية التراجع في الصادرات والاضطرابات العمالية. وامتنع بنك الاحتياط الجنوب-أفريقي حتى أواخر شهر يناير 2014 عن رفع أسعار الفائدة (أول زيادة خلال ست سنوات)، وسمحت بدلاً من ذلك بهبوط قيمة عملتها. إلا أن هذه الزيادة في أسعار الفائدة لم يجد كثيراً في دعم العملة التي استمرت في فقدان قيمتها بالرغم من الزيادة التي أقرها البنك المركزي على أسعار الفائدة كإجراء لمرة واحدة فقط. وتظل توقعات النمو الاقتصادي في جنوب أفريقيا خلال عام 2014 متواضعاً على خلفية استمرار التراجع في صادرات السلع وتواصل التوترات الاجتماعية. وعلى ذلك تتوقع مجموعة QNB أن يبقى نمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة بحدود 1,5% – 2,0% في عام 2014. كما يتوقع أن يؤدي المزيد من هروب رؤوس الأموال إلى مزيد من إضعاف “الراند” الجنوب-أفريقي.
وأخيراً، شهدت تركيا هروباً سريعاً لرؤوس الأموال وتراجعاً حاداً في قيمة الليرة التركية (26%) مع تصاعد التوترات السياسية. وكان البنك المركزي التركي قد تمسك في اجتماع السياسات النقدية لشهر يناير بالإبقاء على أسعار الفائدة على ما هي عليها. إلا أن ذلك أعقبه انحدار شديد في قيمة الليرة التركية، وهو الأمر الذي دعا البنك المركزي للإعلان عن اجتماع طارئ في الأسبوع الماضي ورفع أسعار الفائدة بأكثر من الضعف. ولكن ظل الاقتصاد التركي سليماً نسبياً خلال عام 2013 مع نسبة نمو في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة بحدود 3,7%. ولكن من المتوقع أن يؤدي الهبوط السريع في قيمة عملتها إلى زعزعة ثقة المستثمرين أكثر. ونتيجة كل ذلك فإننا نتوقع أن تكون نسبة النمو في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة في تركيا بين 2,0% و 2,5% في عام 2014.
وخلاصة القول هي أن آفاق المستقبل للدول الخمس الهشة تبدو متباينة. فقد كان التحول السريع في وجهة التدفقات الرأسمالية وخفض برنامج “التخفيف الكميّ اختباراً لقدرة هذه الدول على تشديد سياساتها مع العمل على الحد من الآثار السلبية على النمو الاقتصادي. وتشي نتائج هذه التجربة بأن الهند هي الدولة الوحيدة التي استطاعت أن تفعل ذلك بنجاح حتى الآن، بينما لا تزال كل من البرازيل وإندونيسيا وجنوب أفريقيا وتركيا تصارع من أجل تحقيق الاستقرار لعملاتها. وباستشراف المستقبل، يتوقع أن يترتب على تنفيذ خطة خفض شراء الأصول (التخفيف الكميّ) تواصل الضغوط على الأسواق الناشئة لتخفيض العجز في حساباتها الجارية بحدود ما يتوفر لها من أموال، وهو ما سيؤدي حتماً إلى تأثيرات سلبية على مستقبل النمو الاقتصادي في هذه البلدان.