بقلم: دايو أولوباد
أعلن بيل جيتس فى الخطاب السنوى لمؤسسته أن مصطلحات «الدول النامية» و«الدول المتقدمة» أصبحت عديمة الفائدة، وهو محق فى ذلك، فإذا كنا نرغب فى فهم الاقتصاد العالمى الحديث فنحن بحاجة إلى مفردات أفضل.
ورغم أن إيجاد بدائل مرضية صعباً، فإن الحديث عن العالم الأول والثانى والثالث أصبح عتيقاً، وأصبح من الصعب تحمل مصطلحات مثل «الدول الصناعية» و«الجنوب العالمى» و«الشمال العالمى».
كما أصبح من غير المعقول مقارنة الدول الفقيرة مع «الغرب» فى الوقت الذى تأتى فيه معظم قصص النجاح فى العقود القليلة الماضية من الشرق.
وتتضمن كل هذه المصطلحات القديمة أن أى دولة «نامية» نحو شىء ما وأن هناك طريقاً واحداً للوصول إلى هناك.
وحان الوقت لكى نبدأ فى وصف العالم باعتباره «سمين» أو «نحيل».
وتفكر المجتمعات «النحيلة» فى الاستهلاك والإنتاجية وهى واضعة نصب أعينها ندرة الموارد، ففى الدول التى يطلق عليها أقل تقدما فى أفريقيا جنوب الصحراء حيث يبلغ متوسط إجمالى الدخل القومى 2.232 دولار للفرد، تعانى الشعوب الشابة من الجوع فى بعض الأحيان للطعام ولكن فى الغالب للفرص.
وأدت القيود على الموارد إلى مجموعة ضخمة من الحلول المحلية للمشاكلات التى يحاول المحسنين من أمثال جيتس معالجتها من خلال الإحسان فإذا كانت الحاجة ام الاختراع فإن الاقتصادات «النحيلة» لديها ميزة واضحة.
ففى مدينة لاجوس فى نيجيريا يوجد قرية اسمها ماكوكو تطفو على بحيرة المدينة، وفى هذه القرية توجد مدرسة من ثلاثة طوابق مصنوعة من مواد بسيطة قابلة للتدوير وتعلم 100 طالب يومياً، وتعد هذه المدرسة مثالا على مرونة التكيف مع المناخ واستخدام التكنولوجيا الملائمة.
وفى نفس الوقت، تقيم الشركات الجديدة ما تحتاجه من رأسمال أولى بأرقام متواضعة نسبيا، فشركة “إم – بيزا” التى تقدم خدمات مصرفية على الهواتف المحمولة والتى يستخدمها %86 من الأسر فى كينيا، بدأت باستثمارات بقيمة 900.000 استرلينى أى حوالى 1.5 مليون دولار من فودافون والحكومة البريطانية.
وبالرغم من نقص الموارد التى تعتبرها الدول الغنية من الأمور المسلمة، فإن المشروعات ذات رؤوس الأموال الصغيرة تولد مليارات الدولارات فى أفريقيا جنوب الصحراء.
والآن، ما الذى يجعل اقتصاداً ما “سمينا”؟ تعد الولايات المتحدة خير مثال، فالوفرة هى المعتاد، ويقترب إجمالى الدخل القومى للفرد50.000 دولار.
ولهذه الوفرة عيوب، فتعانى الولايات المتحدة واحداً من أعلى معدلات السمنة فى العالم، وغير ذلك من مشاكل “السمنة” مثل وباء الرهن العقارى، والرشاوى والطعم الخطير للوقود.
وتناضل دولا أخرى أيضا لدفع الأجور الثرية، فقد اعلنت كوريا الجنوبية أن إدمان الإنترنت أصبح بمثابة قلق على الصحة العامة، كما تقاتل الدول المسنة فى أوروبا لإبطال مفعول القنبلة الموقوتة لبرامج المعاشات السخية، أما الأزمة المالية التى تسبب فيها كثرة الاستهلاك والتى انتشرت من أيسلندا لإيطاليا، أدت إلى تدابير “تقشفية” وضعت الاقتصادات السمينة فى خطر لعقود قادمة.
وعلى النقيض، تعانى اقتصادات أفريقيا الهزيلة من مخاوف أساسية، فالملاريا وولادة الاطفال من بين الأسبابا الرئيسية للوفاة، بالإضافة إلى الساسة المتوحشين، والبنية التحتية المتهالكة، ونقص الأدوية، وانقطاع التيار الكهربائي.
ومع ذلك هناك بعض بصائص الأمل، فالأفارقة يهدرون أطعمة ومياه أقل، ويمتلكون أموالا أقل، ونسبة انبعاث الكربون هى الأقل فى العالم، وكمية الطاقة التى يستهلكها 800 مليون أفريقى سويا تعادل تلك التى يستهلكها 19.5 مليون مواطن أمريكى فى ولاية نيويورك.
كما اكتشفت الاقتصادات النحيلة الميزة التجارية للتجارة بينهم، والآن تتدفق تريليونات الدولارات بين آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، كما أصبح حجم التبادل التجارى بين الأسواق الناشئة ينافس التجارة عبر الاطلنطى التى هيمنت على القرن العشرين بأكمله.
وفى ظل اختفاء الصفات إلى تصف أفريقيا «بائسة»، «ممزقة من الحروب»، «فقيرة»، ينبغى على الاقتصادات السمينة التوقف عن افتراض أن الدول الفقيرة ينبغى أن تحاكيهم، وبدلاً من ذلك عليهم الاستفادة من نماذج الابتكار الاجتماعى والكفاءة.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: جريدة «نيويورك تايمز»