بقلم: برايت بى سيمونز
هناك وجهتا نظر متعارضتان تهيمن على تقدم أفريقيا وهما «التدريجية» و«الدورية»، ويقول مؤيدو التدريجية إن أفريقيا بالفعل تلحق بالركب التقدمى العالمي، بينما يقول مؤيدو وجهة النظر الأخرى إن أفريقيا لا تلحق بالسرعة الكافية لأنها تسير خطوتين للأمام وخطوة للوراء.
وفى رأيى أن كلتا وجهتى النظر مشوشتان، فالتدريجيون يرجعون سبب التخلف التكنولوجى إلى «مشكلات الفقر»، ويؤكدون أن النمو الأفريقى ينبغى أن يكون على هيئة «موجة» مكونة من نجاحات صغيرة متراكمة لأن التنمية عملية طويلة جداً.
أما الدوريون فيشيرون إلى الانتخابات الأخيرة فى كينيا وغانا ليثبتوا أن الانتخابات فى أفريقيا لا تتحسن، وأن المزيد من الخبرة والأموال لا يؤثرون على جودتها، كما أنهم يحشرون أنوفهم فى طفرة السلع فى الآونة الأخيرة ويذكرون كلاً من يهتم بالاستماع إليهم بطفرة السلع فى أوائل السبعينيات والتى مهدت الطريق لأزمة ديون بعدها بعشر سنوات.
ولكى نكون واضحين فى هذه المجادلات علينا أن نركز على ظاهرة محددة مثل «التحول الاقتصادي» وأن نترك النظريات الفلسفية جانبا.
وبالتحول الاقتصادى فقد استلهمت نظرية كوان يو المتعلقة بانتقال «العالم الثالث إلى العالم الأول»، وهذا النموذج يعتمد على التقدم التكنولوجى الذى ينقل الإنتاجية على المستوى القومى أو الإقليمى من مستوى إلى آخر مختلف تماماً.
ومن الصعب الاختلاف حول حقيقة أن اليابان وسنغافورة اليوم حققتا تحولاً مرحلياً لم تحظى به ميانمار أو باكستان، سواء باكستان اليوم أفضل حالاً مما كانت عليه من 40 عاماً أو لا.
لذا ينبغى علينا التركيز عندما نقيم التحول الأفريقى بعد الفترة الاستعمارية لكى نحدد المدى الذى وصل إليه هذا التحول حتى الآن.
فالتحول الاقتصادى للأسف كان متقطعاً ومشوشاً وكارثياً، كما لم يدعم التاريخ فكرة الإصلاحات المؤسسية المتراكمة التى تؤدى فى النهاية إلى نجاح كبير، أما الدول التى حققت تحولاً مرحلياً تمتعت بخصائص مؤسسية متنوعة لا ينتهى العمل فيها عندما يتعلق الأمر بالإصلاح المؤسسى لكنها تتشارك جميعا فى المستويات العالية لتحمل التغير التكنولوجى السريع، وتطبيق التكنولوجيا وفوق كل شيء الثقافة المترسخة لعقاب الفشل التكنولوجي، وتستند جدارة هذه الدول على التزام الفرد بالقيم التكنولوجية.
وبدلاً من عمليات الإصلاح التراكمية، انطلقت الدول نحو التحول المرحلى من خلال حركات تقنية مستقلة من قبل مؤسسات كبيرة كسرت التقاليد بشكل مفاجئ وتحولت تماما نحو التكنولوجيات الإنتاجية.
وأما النخب الأفريقية المتوالية فقد رفضت توفير أى مساحة للقيم التكنولوجية والحركات التقنية المستقلة، حتى الحركات التى تتكون فى أفريقيا سواء «سيليكون سافانا» فى كينيا، أو حركة إنعاش المصانع فى نيجيريا، إنما هى مظاهر خاوية للأسف، وليست فى وضع يمكنها من التأثير على جيل يحتضن القيم التكنولوجية عبر المجتمع.
كما أن الدوريين أيضا مخطئون لأنهم مثل التدريجيين يرون النمو كعملية مطردة فى الدولة، ولكن الأفارقة الذين ينظر إليهم فى الولايات المتحدة على أنهم عمال مرتفعو الإنتاجية هم أنفسهم العمال فى الوطن الذين يديرون خطوطاً جوية مزدحمة لم تغادر طائراتها أبداً فى الموعد المحدد كما لا تستجيب أبدا لشكاوى العملاء.
ويتلخص الأمر فى أن حركات التقنية المستقلة تحتاج لطاقة ونطاق، وإلا سنحصل على نتائج مفككة مثل ما يحدث مع الخدمات المصرفية عبر الهاتف فى كينيا، والطيران والنقل اللوجيستى فى إثيوبيا، أو الإنتاج المصنعى واسع النطاق فى نيجيريا، وبالتالي، فإنك إما تمتلك الطاقة للتغير والتحول نحو التكنولوجيا بالكامل أو لا.
وفكرة أن أفريقيا كل ما عليها هو «تسريع خطاها» لـكى «تلحق» بالعالم المتغير اقتصادياً هى مجرد أسطورة.
فالدول الأفريقية عليها إما المرور بتغير مفاجئ أو ستظل على استراتيجيتها الحالية وهى محاولة التكيف بشكل أفضل مع وضعها، ولا يوجد أمامها خيار ثالث.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشال تايمز