لدى أنجيلا ميركل ، المستشارة الألمانية، عبارة دائماً ما تكررها لدول منطقة اليورو المضطربة: وهى أن تلك الدول ينبغى عليها أن تحذو حذو ألمانيا، وعلى حد تعبيرها الخريف الماضى «ما فعلناه، يستطيع الجميع أن يفعله»، وتعتبر ميركل محقة فى هذه العبارة، فمنذ خمسة عشر عاما، كان يُنظر إلى بلاد المستشارة الألمانية على أنها رجل أوروبا المريض، وبعد ذلك اختارت ألمانيا التقشف المالى وخفض تكاليف العمالة وتبنى إصلاحات هيكلية، ما حولها إلى دولة اقتصادية قوية ذات نفوذ.
وتعد الفجوة بين ألمانيا ودول جنوب منطقة اليورو شاسعة حقا، فاقتصادها ينمو بوتيرة أسرع من غالبية تلك الدول، إذ إن البطالة بين الشباب فى المانيا وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ عشرين عاما، فى حين ظلت عند مستويات قياسية فى إسبانيا واليونان، كما تتمتع ألمانيا بفائض فى ميزانيتها، بينما تناضل ايطاليا واسبانيا، وحتى فرنسا، من أجل الوصول إلى أهداف العجز التى حددتها بروكسل.
وعندما يتعلق الأمر بالحصافة المالية، تعتبر ميركل نموذجاً يحتذى به، ولكن من حيث الإصلاحات الهيكلية، فإن سجلها ضعيف، فينبغى أن يعود الفضل فى انتعاش ألمانيا إلى إصلاحات «أجندة 2010» التى بدأها سلفها جيرهارد شرودر فى 2003، ومنذ ذلك الحين بدأ النجاح غير المتوقع لميركل، فقد رفعت بكل شجاعة سن التقاعد إلى 67 عاما فى فترة حكمها الأولي، وعلى الرغم من ذلك تأتى ألمانيا فى المرتبة 28 من بين 34 دولة فى تصنيف منظمة التنمية والتعاون الاقتصادى من حيث الإصلاحات منذ اندلاع الأزمة المالية.
والحقيقة التى من الأسهل شرحها هى أن الحكومة الائتلافية الضخمة لميركل تعود إلى الوراء، ما يزيد من الأعباء الواقعة على الشركات الألمانية.
وهناك ثلاثة أمثلة توضح هذا الاتجاه، فبالنسبة للمعاشات، بدلا من الاستمرار فى رفع سن التقاعد، فإن الحكومة تخفضه إلى 63 عاما، وفى الحالات القصوى إلى 61 عاما.
ثانيا، تستحدث الحكومة حد أدنى للأجور، من المرجح أن يؤدى إلى فقدان الوظائف ولاسيما فى الشرق، وأخيراً، فإن قرارات حكومة ميركل بشأن مسألة تحول الطاقة لا يلتهم فقط مبالغ ضخمة من الإعانات من أجل الطاقة المتجددة، بل ألقت أيضا على الشركات الألمانية عبء إرتفاع أسعار الكهرباء التى تبلغ ثلاثة أضعاف أسعار الكهرباء فى أمريكا.
ولكن لن يعيق أى من هذه الأشياء القوة الساحقة لألمانيا على المدى القصير، حتى إن المرء يمكن أن يقول إن ميركل تساعد شركاءها فى منطقة اليورو من خلال ازدياد تكاليف الطاقة فى ألمانيا وارتفاع الأجور، ولكن هناك العديد من السبل الأقل ضررا بالنسبة لها لمساعدتهم، فإذا كانت تريد ميركل المضى قدما، فإن هناك العديد من المجالات التى آن الأوان لإصلاحها مثل الطاقة وتجارة التجزئة والخدمات المهنية.
فأكبر اقتصاد فى أوروبا يرتد عن طريقه الصحيح، وهو ما يمثل نموذجاً سيئاً، فمنذ عامين، سخط الفرنسيون على فرانسوا أولاند، الرئيس الفرنسيين، عندما جروء على خفض سن التقاعد لبعض العمال، وميركل تفعل الان الشىء ذاته.
ومما لا شك فيه أن أداء دول شمال منطقة اليورو كان أفضل خلال الأزمة، فعلى غرار ألمانيا، قامت هولندا ودول البلطيق بالمزيد لإصلاح اقتصاداتها وتحسين القدرة التنافسية فى السنوات التى سبقت إندلاع الأزمة، ولكن منذ ذلك الحين فإن زخم الإصلاح بات أقوى فى دول البحر المتوسط، حتى إن إيطاليا وفرنسا، بقيادة رئيسى وزرائهما الجدد، ماتيو رينزى ومانويل فالس، تؤيدان قضية الإصلاح بحماسة شديدة.
ولا يكشف هذا الأمر ضعف ألمانيا فقط بل أيضاً العديد من دول منطقة اليورو الأخري، ففى هولندا، على سبيل المثال، لا يوجد هناك أى إصلاحات تقريبا فى الآونة الأخيرة، ويتحمل المستهلكون عبء الديون فضلا عن توقف النمو، كما تباطأ النمو فى الدنمارك وفنلندا التى قد تفقد قريبا تصنيفها الائتمانى «AAA».
وينبغى على قادة تلك الدول أن يتذكروا أن السعى لتطوير القدرة التنافسية ليس مسألة يقومون بها مرة واحدة فقط، ولكنها عملية مستمرة، وهناك عبارة أخرى تكررها ميركل لزملائها: وهى أن اوروبا تشكل %7 من سكان العالم، و%25 من الناتج المحلى الإجمالى العالمي، و%50 من الإنفاق على الرعاية الاجتماعية، ومسار ألمانيا الحالى سيفاقم بالطبع من تلك المشكلة.