بقلم: تيم ايفانز
الرئيس الإقليمى لخدمات تمويل التجارة العالمية والذمم المالية، «HSBC» الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
يجرى الآن استئناف أعمال البناء التى توقفت فى منطقة الشرق الأوسط بسبب الأزمة العقارية، وينصب التركيز فى هذه المرحلة على محاور التجارة وأنظمة النقل أكثر من ناطحات السحاب والعلامات المميزة. فمن يستفيد من الازدهار الحاصل – وهل هو مستدام أكثر من سابقه؟.
عندما انظر من نافذة مكتبى فى دبي، أرى عشرات الرافعات وهى تتحرك باستمرار. وهذه إشارة جيدة على أن قطاع المقاولات والإنشاءات قد تعافى من جديد منذ انهيار السوق العقارى فى عام 2008.
وتأتى هذه التوقعات الواعدة بعد بضعة أعوام قليلة كانت قاسية على شركات المقاولات. وطبقاً لأبحاث أجريت فى هذا المجال، تم ترسية عقود بقيمة 51.4 مليار دولار أمريكى على مشاريع البناء والبنية التحتية فى دول مجلس التعاون الخليجى ولبنان والأردن ومصر والجزائر فى عام 2012 وهو أقل بنسبة %31 عما كانت عليه فى عام 2011.
ومع ذلك استأنفت العديد من المشاريع فى العام الماضى أعمالها بعد أن تباطأ إنجازها خلال فترة الأزمة، وكذلك عندما واجهت هذه المؤسسات أو الشركات خطر إنهاء العقود التى أبرمتها. ولقد تمكنت دولة الإمارات العربية المتحدة فى عام 2013 من الاستفادة من أفضل عام من عقود المشاريع التى تم اعتمادها خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، مما يضمن عقوداً بقيمة 34 مليار دولار أمريكى.
ولكن كمؤشر إيجابى على طول فترة الازدهار هذه المرة، فإن القليل من المشاريع التى يجرى تنفيذها تنضوى ضمن فئة «النصب التذكارية» التى يرمز لها ببعض الرؤى العقارية الغريبة التى لم تتجاوز نطاق الأحلام. وعلى الرغم من أن شركات التطوير العقارية فى دولة الإمارات تقوم بالتخطيط لإنشاء أكبر مركز تسوق فى العالم وقصر مشابه لتاج محل بقيمة مليار دولار أمريكي، فإن قيمة هذه المشاريع لا تقارن بمبلغ 4.3 تريليون دولار أمريكى الذى سيتم إنفاقه على مشاريع البنية التحتية التى يخطط لإنجازها فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ككل بحلول عام 2020.
ونحن نرى الآن بأن الإنفاق على قطاع المقاولات والإنشاءات مرتبط بقطاعات اقتصادية تزداد قوةً من حيث الأداء، مثل قطاعات المواصلات والتجارة والسياحة. ومثال على ذلك شبكة السكك الحديدية الإقليمية الطموحة التى يجرى العمل على إنجازها. وكونه قد تم تصميمها لتربط ما بين الكويت وسلطنة عُمان عبر المملكة العربية السعودية والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة، فإن هذه الشبكة تتطلب، حسب ما تقوله التقارير، أكثر من 100 مليار دولار أمريكى كرؤوس أموال مستثمرة فى 2.177 كيلو متر من السكك الحديدية. كما يتم العمل أيضاً على ضخ رأسمال إضافى قدره 76 مليار دولار أمريكى فى مشاريع السكك الحديدية الخفيفة وخطوط الأنفاق التى تصل مناطق المترو فى المنطقة ببعضها.
إن القيمة الإجمالية للمشاريع التى يتم التخطيط لها والتى يجرى العمل على تنفيذها فى قطر هى 223 مليار دولار أمريكي، وبالإضافة إلى ربط الازدهار بالفنادق ومشاريع البنية التحتية باستضافة كأس العالم لعام 2022، فإن هناك حاجة أيضاً لإنشاء تسعة ملاعب جديدة ذات مدرجات.
وكذلك الأمر فى الإمارات العربية المتحدة التى ستستضيف معرض اكسبو 2020 -حيث ستكون قطاعات المقاولات والإنشاءات والبيع بالتجزئة والسياحة أكثر المستفيدين. وطبقاً لأبحاث HSBC، فإن دبى تتطلع لإنفاق أكثر من 26 مليار درهم إماراتى على مشاريع البنية التحتية، بما فى ذلك توسعة الخط الأحمر ليصل إلى المطار الجديد، دبى وورلد سنترال. وقد يصل إجمالى الإنفاق بالإضافة إلى الإنفاق غير الحكومى إلى 67 مليار دولار درهم إماراتي.
إن قطاع أعمال المقاولات والإنشاءات الذى يشهد نشاطاً ملحوظاً فى الآونة الأخيرة يقتصر إلى حد كبير على المناطق الغنية بالنفط. ولبنان – التى يبدو من ظاهرها بأن لديها توجهاً مرغوباً نحو الازدهار العقارى – تعانى بسبب قربها من النزاع الدائر فى سوريا.
إن الأجواء المضطربة وحالة عدم الاستقرار التى تشهدها هذه المناطق تشجع جميع الزائرين والعاملين على تغيير وجهتهم إلى المناطق الآمنة فى دول مجلس التعاون الخليجي. وهنا يجدر التنويه إلى أن شركات المقاولات الأوروبية تتوجه نحو هذه المناطق أيضاً هرباً من الأنظمة والقيود الضريبية المشددة فى دولها الأصلية.
من هم المستفيدين من الناحية التجارية؟ يجرى العمل على إنجاز مشاريع البناء المتعلقة بالطاقة من قبل كبار شركات المقاولات الأوروبية بشكل رئيسي. كما تتصدر الشركات الكورية والتركية بقية الشركات من خلال إنجاز مشاريع البنية التحتية المعقدة. بينما تعمل شركات المقاولات الصينية على إنجاز عقود الطرق والجسور ومحطات معالجة المياه. ولكن من الطبيعى أن يمتد التأثير ليشمل كامل اقتصادات هذه الدول، بدءاً من المقاولين من الباطن واستيراد مواد البناء إلى توريد المواد الغذائية للأعداد السكانية المتزايدة.
وبالنسبة إلى السؤال الذى يتعلق فيما إذا كان هذا الازدهار الجديد مستداماً أم لا، فالدلائل تبدو جيدة. حيث تجدر الإشارة إلى الاستفادة من العديد من الدروس فى العقد المنصرم. إذ بادرت الحكومات فى منطقة الشرق الأوسط إلى توضيح القوانين العقارية الغامضة – ومع ذلك يرحب بالمزيد من التعديلات التى يمكن إصدارها. وقد تم الترحيب بقانون التحكيم الجديد فى المملكة العربية السعودية الذى صمم لتسريع عملية حل النزاعات خارج نظام المحاكم وهو ما يعد خطوة نحو الاتجاه الصحيح.
وبحكم الخبرة المتعلقة بالأسواق العقارية حول العالم، فإنه فى حال شاهدتم عدداً كبيراً جداً من الرافعات خارج نوافذكم، فإن هذا دليل على أن اقتصادكم يتجه نحو انهيار عقارى مفاجئ. وعلى ذلك الأساس، فإن وجود 12 رافعة تعمل على إنشاء ناطحة سحاب فى دبى يعتبر عدداً مريحاً.