بقلم: جورج سوروز
يعد هذا الوقت أسوأ وقت ممكن لتفكير بريطانيا فى ترك الاتحاد الأوروبى أو لاستقلال اسكتلندا عن بريطانيا.
فالاتحاد الأوروبى عبارة عن مشروع خاص بالدول الأوروبية التى ضحت بجزء من سيادتها من أجل تكوين أقرب اتحاد ممكن استناداً على القيم والمبادئ، وهذه القيم تتعرض للهجوم من عدة جبهات، فحرب روسيا غير المعلنة على أوكرانيا أحد أبرز الأمثلة، كما تنمو القومية والديمقراطية غير الليبرالية داخل أوروبا وعلى حدودها وحول العالم.
ومنذ الحرب العالمية الثانية دعمت القوى الأوروبية والولايات المتحدة النظام العالمى الحالى، ولكن تحول الاهتمام الأوروبى فى السنوات الأخيرة إلى الداخل بسبب الأزمة الأوروبية قوض قدرتها على لعب دور قوى فى الشئون الدولية.
وأصبح الأمر أسوأ عندما فعلت الولايات المتحدة نفس الشيء، وإن كان لأسباب مختلفة، وأدى هذا الانشغال بالشئون الداخلية إلى خلق فراغ سعت القوى الإقليمية الطموحة إلى سده.
وأدى انهيار الحوكمة الدولية إلى ظهور عدد كبير من الأزمات التى لم تحل بعد حول العالم، ويبلغ هذا الانهيار أوجه فى الشرق الأوسط.
وامتد الصراع العسكرى إلى أوروبا مع غزو روسيا لأوكرانيا، وأصبح يتنافس شكلان مختلفان تماماً من الحكومات على الهيمنة، فالاتحاد الأوروبى يدافع عن المبادئ والديمقراطية الليبرالية والحوكمة الدولية وسيادة القانون، أما فى روسيا، فالرئيس فلاديمير بوتين يحافظ على المظهر الخارجى للديمقراطية من خلال استغلال القومية العرقية والدينية لكى يولد تأييد شعبى لفساده ونظامه الاستبدادي.
وباعتبارها قوة كبرى ومركزاً مالياً عالمياً، تحتاج بريطانيا لأن تشترك بشكل أساسى فى تشكيل الرد الأوروبى على هذا التهديد، ولكن مثلها مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، تنشغل بريطانيا بمشكلات داخلية، كما أقنع المناهضون للاتحاد الأوروبى رئيس الوزراء المحافظ ديفيد كاميرون بأن يطرح عضوية بريطانيا فى الاتحاد الأوروبى للتصويت فى 2017، كما يبعد تصويت استقلال اسكتلندا أياماً قليلة.
والانفصال دائما يؤدى إلى الفوضى، وقد يضعف تصويت الاستقلال كلاً من بريطانيا واسكتلندا، سياسياً واقتصادياً، وسوف تكون اسكتلندا المستقلة غير مستقرة ماليا، خاصة إذا نفذت بريطانيا تهديداتها بالتراجع عن تسديد ديونها.
والدخول إلى اتحاد عملة بدون اتحاد سياسى خطوة إلى الوراء بالنسبة لاسكتلندا وبقية بريطانيا ولا ينبغى أن يفكر فيها أى طرف، ومع ذلك، بدون هذه الوحدة لا تستطيع اسكتلندا المستقلة أن تستفيد من أسعار الفائدة المنخفضة التى نتجت عن ارتفاع قيمة الجنيه، وينبغى أن تغلب هذه الاعتبارات كل الفوائد الممكنة التى قد يجلبها الاستقلال.
وبالتأكيد، يوجد اختلافات سياسية واضحة بين اسكتلندا وبقية بريطانيا، فهى تميل إلى اليسار فى العديد من القضايا خاصة التعليم، ولكن من الأفضل لاسكتلندا أن تحقق أهدافها السياسية باعتبارها جزءاً من بريطانيا الموحدة وليست كجزء من الاتحاد الأوروبى.
ونفس الشىء ينطبق على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فالاختلافات السياسية يمكن تسويتها، أما الانفصال فسوف يضعف بريطانيا، ويبدو أن دعاة الانفصال هؤلاء نسوا أن بريطانيا تتمتع حالياً بأفضل ما فى العالمين، فباعتبارها جزءاً من الاتحاد الأوروبى وليست جزءاً من اليورو، يجعلها تتمتع بالفوائد التجارية دون التقيد بقيود العملة.
كما أن بريطانيا لطالما لعبت دوراً متوازناً بين الكتل المعادية، وبالتالى سوف يؤدى غيابها إلى إضعاف وزن الاتحاد الأوروبى فى العالم.
وعلاوة على ذلك، فقد أثبت الاتحاد الأوروبى بأنه أفضل ضامن للسلام والأمن الإنسانى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وتتجاوز أهمية الحفاظ على القيم المشتركة التى تقوم عليها طريقة حياة بأكملها أى مزايا ممكنة للاستقلال، وتتطلب الأوقات الصعبة التى نمر بها وحدة أكبر وليس انفصالاً.
أما إذا فشلت بريطانيا فى تسوية اختلافاتها مع الاتحاد الأوروبى، وإذا وجد الاسكتلنديون المؤيدون للاتحاد الأوروبى أنفسهم خارج الاتحاد بعد 2017، فسيكون لهم الحق فى المطالبة بتصويت آخر، وستكون اسكتلندا فى وضع مختلف يشرع لها الانفصال.
أما التصويت الآن على استقلال فهو استسلام سابق لآوانه للنفوذ الاسكتلندى فى لندن، ولنفوذ بريطانيا فى العالم.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز