إعداد: سعيد عباس جمعة
أدرك الإسلام منذ البداية، أن مشكلة الفقر والتى هى جوهر الأزمة الاقتصادية لن يحلها الاحسان أو الصدقة ولن تتداركها الاجراءات الاصلاحية التى تستهدف تسكين الآلام أو تخفيف الحرمان، بل لابد من من حل جذرى للمشكلة يأخذ فى اعتباره فتح ابواب رزق ومصدراً دائماً يكفى الفقير ويغنيه عن الاخرين ويرفع عبئه عن كاهل الدولة ومن هنا كانت نقطة البدابة فى نظرة الإسلام لحل المشكلة الاقتصادية (مشكلة الفقر).
ويأتى الحث على العمل واتقانه ورفعه إلى مرتبة العبادة مما يزيد الانتاج من أولويات حل المشاكل الاقتصادية، هذا بالاضافة إلى ما قرره الإسلام من ضمان حد الكفاية لكل مواطن وما قرره من تحقيق التوازن الاقتصادى المنضبط بين أفراد المجتمع بل بين دول العالم غنية وفقيرة.
وطرح الإسلام عشر وصايا لحل المشكلة الاقتصادية تشمل ضمان حد الكفاية لكل مواطن أياً كانت ديانته أو جنسيته ويعني ضمان المستوى اللائق من المعيشة الكريمة باختلاف الزمان والمكان.
وجعل فريضة الزكاة بالنسبة للمسلم الركن الثالث بعد الصلاة بحيث يحرص كل مسلم على أدائها حتى يكتمل اسلامه ولم يتركها الإسلام لحرية المسلم بل يجب أن تؤخذ منه ولو بالقوة حتى تستطيع مؤسسة الزكاة أن تؤدى رسالتها وصرفها فى مصارفها الشرعية.
ويأتى تحقيق التوازن الاقتصادى المنضبط بين أفراد المجتمع من أهم الوصايا العشر حيث حذر الإسلام من خطورة اختلال التوازن بين طبقات المجتمع فى توزيع الثروات والدخول وبالمثل بين الدول النامية والمتقدمة ورأينا كيف أن أى تغيير أو اصلاح أو أى نظام اقتصادى جديد يهدف إلى تحقيق التوازن الاقتصادى المنضبط بين الافراد وبين الدول على حد سواء ذلك على مستوى الافراد أو الدول وهذا ما تسعى كل الحكومات الرشيدة إلى تطبيقه من خلال وسائل متعددة منها على سبيل المثال فرض ضرائب على الدخول الكبيرة أو تطبيق الحدين الاقصى والأدنى على دخول الافراد أو التأميم ومصادرة أملاك القلة المحتكرة للثروة.
وتتوالى الوصايا العشر كون الإسلام لا يسمح بالثروة والغنى الا بعد القضاء على الفقر والحاجة بصرف النظر عن ديانته أو جنسيته بحيث اذا تعذر لسبب خارج عن ارادته كمرض أو عجز أو شيخوخة أو بطالة… الخ يجب أن يوفر لنفسه المستوى اللائق من المعيشة الكريمة وجب على الدولة أن توفر له هذا المستوى اللائق من المعيشة.
تحتوى الوصية الرابعة على أن الإسلام يدعو إلى الغنى والتزين المعتدل وينهى عن السفه والترف، واذا كان الإسلام يضمن الحياة المعيشية الكريمة بل ويدعو إلى التزين وأن يرى أثر نعمته على عبده فإنه لا يسمح بالسفه أو الترف أو صرف المال على غير مقتضى العقل.
وتشمل الوصية الخامسة أن الإسلام ينفرد بربط العامل الاقتصادى ببعده الدينى فالإسلام لم تقتصر دعوته على كفاية الانتاج وعدالة التوزيع بل شملت دعوته أيضا الاشراق الروحى من حيث مراقبة الله تعالى وابتغاء وجهه سبحانه فى كل نشاط يباشره الفرد سواء نشاطاً اقتصادياً أو غيره. أما الوصية السادسة فمبعثها أن الإسلام يدعو إلى زيادة الانتاج وترشيد الاستهلاك، حيث إن أغلب دول العالم تعانى عجزا شديدا فى ميزان المدفوعات وفشلت كل محاولات الحد من ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم المصحوب بالبطالة وهو ما يطلق عليه حالة الركود أو الكساد الاقتصادى.
وليس من حل لذلك الا من خلال زيادة الانتاج الذى يتطلب اساسا ترشيد الانفاق العام بكل صوره وأشكاله والحد من البذخ الحكومى مع حسن ادارة المشروعات القائمة واختيار الاكفاء فى مجال الادارة والعمل على تقليل الفاقد والتخلص من المخزون الراكد.
يأتى هذا بالاضافة إلى ترشيد الاستهلاك الذى يستلزم اشاعة الوعى الإسلامى الذى ينهى عن السفه والاسراف ويحرم الترف ويرفض ان يكون الانسان عبدا للمادة أو مجرد أداة استهلاك وهنا تلعب أجهزة الاعلام والرقابة دورا مهماً وخاصة الصحافة والاذاعة والتليفزيون والقنوات الفضائية فى حشد جميع القوى للتنمية والانتاج.
تنص الوصية السابعة على أن التفاهم والشورى واقامة حكم ديمقراطى هو المدخل الحقيقى لحل المشكلة الاقتصادية وكل المشكلات الاخرى قال تعالى «وشاورهم فى الأمر» وقال تعالى «وامرهم شورى بينهم» ان مبدأ الشورى فى الإسلام لهو المدخل الحقيقى لحل جميع المشكلات التى نعانى منها وعلى رأسها المشكلة الاقتصادية، حيث إن طرح المشكلة على الرأى العام وإتاحة المجال لكل ذى فكر لطرح حلول وبدائل لحل المشكلة والصدق واخلاص النية فى تغليب المصلحة الوطنية وتنحية المصالح الخاصة جانبا لهو السبيل الوحيد لسرعة حل مشكللات المجتمع مهما بلغ مداها ومهما استعصت على الحل، ذلك أن مصادرة الحريات وتزييف ارادة الشعوب لن يؤديا إلا إلى تخلف وكبت ولن يساعد فى حل أى مشكلة مهما صغرت.
وتصنف حتمية التعاون بين الدولة والافراد للخروج من المشكلة الاقتصادية الوصية الثامنة اننا لا نقول مع الاشتراكيين بأن اساس الخروج من المشكلة الاقتصادية هو الدولة ولا مع الرأسماليين بأن اساس الخروج من المشكلة هو المواطنون والجهود الذاتية، ولكننا نقول بما يقرره الإسلام من ضرورة التعاون بين الدولة والافراد لأن الدولة لا تستطيع وحدها القيام بكل شىء وأن تدخلها المطلق أو إحجامها المطلق يؤدى إلى مفاسد عديدة والمناط فى الاقتصاد الإسلامى.
والمطلوب ايجاد نوع من التعاون بين الدولة والافراد بحيث يؤدى كل دوره فتقوم الدولة بالانشطة الاقتصادية التى يعجز الافراد عن القيام بها مثل اقامة المصانع الثقيلة أو استصلاح الاراضى أو مد السكك الحديدية أو انشاء المرافق العامة… الخ وتترك للافراد الحرية الاقتصادية فى باقى الانشطة ويكون دورها مراقباً ومكملاً فقط.
يمثل حسن اختيار القيادات الادارية فى جميع مؤسسات الدولة الوصية التاسعة على الرغم من توافر وكثرة الموارد الطبيعية بالعالم العربى والإسلامى الا أنها تعد من ضمن الدول المتخلفة والفقيرة ويرجع السبب فى ذلك إلى نقص الادارة الكفء التى تعمل على احصاء ودارسة الموارد المتاحة والعمل على حسن استغلالها الاستغلال الامثل وتدريب القوى البشرية الهائلة وتوعيتها بما يعظم من انتاجيتها.
الإسلام يعلن الحرب على الفساد والمفسدين الوصية العاشرة والأخيرة
لقد آن الأوان أن نعلنها حربا مقدسة ضد الفساد والمفسدين فى الأرض ولنبدأ بأنفسنا بحيث تصبح التنمية الحقة هى شغلنا الشاغل لنكون بحق خلفاء الله فى أرضه، راضين على أنفسنا ومجتمعاتنا سعداء بحياتنا نحمده تعالى ونسبح لفضله وصدق الله العظيم اذ يقول «ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم». وقوله تعالى «فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحداً».