إرسال صواريخ «إس 300» لإيران يشعل سباق الأسلحة فى المنطقة
لم يكن تقلب الولاءات فى الشرق الأوسط أوضح من هذه الأيام، ففى الوقت الذى أعلنت فيه روسيا يوم 13 أبريل الجارى رفع الحظر عن تسليم إيران صواريخ «إس 300»، المضادة للطائرات، انصب غضب إسرائيل على البيت الأبيض أكثر منه على الكريملين، وأعرب بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عن «قلقه البالغ»، ولكن الكلمات الأكثر حدة استهدفت الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، فالمحادثات النووية مع إيران أسقطت العقوبات عن الملالى حتى قبيل التوقيع على اتفاقية نهائية، وتساءل نتنياهو: «هل يستطيع أحد أن يدعى جدياً أن التوصل إلى اتفاقية مع إيران، سيعزز الأمن فى الشرق الأوسط؟»، ورغم حديث إسرائيل عن خطر الصواريخ، أوضحت أنها قادرة على التصدى لها إذا ما قررت قصف إيران.
وتعكس تكتيكات نتنياهو الأولوية التى يعطيها لإلغاء «الاتفاقية السيئة»، والتى بمقتضاها تجمد إيران برنامجها النووى لمدة عشر سنوات، وتوافق على تشديد المراقبة عليها مقابل رفع العقوبات، وتم الاتفاق على «إطار للاتفاقية» أوائل الشهر الجارى، ومن المقرر أن يتم التوقيع على الاتفاقية النهائية فى 30 يونيو المقبل.
ولكن موقف إسرائيل يؤكد أيضاً علاقاتها الوثيقة بروسيا، إذ رفضت إسرائيل الانضمام إلى الإدانة الغربية لحرب روسيا فى أوكرانيا، وقبل ذلك امتنعت عن التصويت غير الملزم فى الجمعية العامة للأمم المتحدة العام الماضى الذى ندد بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وكانت حجة إسرائيل هو إضراب الدبلوماسيين الإسرائيليين، ولكن المسئولين قالوا إن الدافع الحقيقى هو الرغبة فى الحفاظ على الروابط مع روسيا وحماية رفاهية المجتمع اليهودى الضخم فى البلاد، ومنع بيع صواريخ «إس 300» لإيران وسوريا، ويخشى بعض المسئولين الإسرائيليين أن تتغير تلك العلاقة بين البلدين؛ نظراً إلى أن الكريملين يعيد بناء مكانة روسيا فى العالم العربي.
وكانت إيران قد طلبت شراء صواريخ «إس 300» فى عام 2007، ولكن روسيا أوقفت البيع تحت ضغوط دولية، وإحياء هذا العقد يغذى سباق الأسلحة الإقليمي، كما أنه يرسل أيضاً عدداً من الرسائل، منها أن روسيا لديها دور استراتيجى لتلعبه فى الشرق الأوسط فى ظل اختفاء الدور الأمريكي، وأن الكريملين يستطيع أن يقوم بدور المفسد للاستراتيجية الأمريكية، رغم وقوع روسيا تحت ضغوط اقتصادية من الغرب بشأن سياساتها فى أوكرانيا، وأنها تعتزم الحصول على حصة من المزايا الاقتصادية فى إيران حال رفع العقوبات، ومن إحدى الفرص المثمرة هى احتمالية بناء وإمداد الوقود لمزيد من المنشآت النووية الإيرانية.
وازداد تراجع نفوذ روسيا فى الشرق الأوسط، الذى تضاءل كثيراً بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، وتكرار العمليات العسكرية فى المنطقة، فى السنوات الأخيرة بسبب ثورات الربيع العربى، والإطاحة بالحكام المستبدين أمثال معمر القذافى فى ليبيا، ولكن مع هدوء الانتفاضات، باتت روسيا حليفاً مريحاً للأنظمة الجديدة أكثر من أمريكا، فبعد توتر العلاقات بين مصر وأمريكا فى أعقاب إطاحة الرئيس عبدالفتاح السيسى بالرئيس الإسلامى محمد مرسي، علق أوباما جزءاً من المساعدات العسكرية السخية إلى مصر، وعلى النقيض احتضن بوتين رفيقه القوى ووعده بملء الفراغ الذى تركته أمريكا.
وعلى أرض الواقع، فإن العلاقة بين روسيا ومصر أقل كثيراً من التباهى بها، فمن غير المرجح أن ترسل روسيا العديد من الأسلحة إلى مصر، نظراً إلى افتقار القاهرة إلى النقدية وتفضيلها الأسلحة الأمريكية، ورغم ذلك فإن عرض التحدى تجاه الغرب راق للجانبين، فبالنسبة لمصر، أوضح لأمريكا التى استأنفت الشهر الماضى شحن الأسلحة إلى مصر أن لديها خياراً آخر.
وفى سوريا، تعد روسيا إحدى ركائز دعم نظام بشار الأسد فى حربه الشرسة ضد المتمردين، ويرى الروس أن أوباما رضخ لهذا الوضع بسبب رفضه ضرب الأسد عام 2013، لاستخدامه الأسلحة الكيماوية، وتخشى روسيا أنه فى حال سقوط الأسد، سيسقط معه نفوذها فى المنطقة، إذ تعد سوريا منذ فترة طويلة أكثر الحلفاء العرب الموثوق بهم بالنسبة لروسيا، كما أنها موطن للمنشأة البحرية الوحيدة لروسيا فى البحر المتوسط منذ عام 1971.
ويمكن القول بأن سياسة روسيا زادت علاقاتها بالسعودية توتراً، إذ تكره السعودية الأسد وتدعم الثوار السوريين، ومن خلال رفضها خفض إنتاج البترول، ساهمت المملكة فى تراجع أسعار البترول الذى أضر بروسيا وإيران بقدر ما أضرتهما، إن لم يكن أكثر، العقوبات الغربية.