كان العام الماضى مليئاً بالمفاجآت الكريهة مثل ظهور الدولة الإسلامية فى الشام والعراق، وتفشى مرض الإيبولا فى غرب أفريقيا، واجتياح روسيا لأوكرانيا، واستنادا إلى أحداث العام الماضي، تقوم مجلة «أمريكان انتريسيت»، التى تصدر مرتين فى الشهر، بترتيب أكبر 7 قوى عظمى بإمكانها زلزلة العالم ، وتطلق على هذا التصنيف مجموعة السبعة الحقيقية.
وتقول المجلة إنها تصنف الدول حسب قدرتها على تشكيل بيئاتها الإقليمية والنظام العالمى ككل، ومن بينها تلك الدول التى لديها أكبر قدرة على التأثير على السياسة العالمية من خلال اختياراتها.
وأشارت المجلة إلى أن المؤسسات العالمية عادة ما تفشل فى التعبير عن واقع القوة العالمية، لذا يتميز تصنيف «أمريكان انتريست» لأقوى 7 دول عن تلك التصنيفات الأخرى سواء الخمس دول الأعضاء الدائمين فى مجلس الأمن أو مجموعة السبعة الأصلية، التى تضم 6 دول غربية بجانب اليابان، التى صممت لتوفير قيادة فى وضع السياسات الاقتصادية العالمية.
ولذلك ترى المجلة أن التصنيفات الأخرى عادة ما تخيب آمال القارئ، وبطبيعة الحال لا تتماثل أهداف القوى العظمى المختلفة، كما أن إحدى سمات الدول العظمى أنها لا تستمع إلى المؤسسات العالمية عندما لا ترغب فى ذلك.
1 – الولايات المتحدة
ازدادت قوة فى 2014 واحتوت الصين واستفادت من تراجع النفط فى تقويض روسيا
تعد الولايات المتحدة الدولة الأكثر قوة فى العالم لما يقرب من قرن، وليس من الغريب ألا يشهد عام 2014 أى تغير فى هذا الصدد، وعلى الرغم من تجدد التحديات الجيوسياسية من الدول مثل روسيا وإيران والتنمية الاقتصادية المستمرة فى الصين، يبدو أن اعتلاء أمريكا النظام العالمى المقلق بات أكثر أمناً فى نهاية عام 2014 عن بداية العام.
وفى عام 2014، ازدادت القوة الأمريكية رغم بعض الأخطاء فى السياسة الخارجية، ولا يوجد شىء غير عادى بشأن هذا الأمر، وفى نهاية المطاف، لا تعتمد مصادر القوة الأمريكية- الديناميكية الاقتصادية لثقافتها والميل نحو الاستثمار فى نظامها السياسى وموقعها الجغرافى الآمن وقاعدتها الغنية من الموارد الطبيعية واستقرارها الدستورى العميق- على أهواء القادة السياسيين، وغالبا ما يكون النظام الأمريكى أكثر ذكاءً وقدرة من المسئولين فى أى وقت من الأوقات.
وواصلت الولايات المتحدة فى عام 2014 خروجها من الركود بوتيرة أسرع من اليابان والاتحاد الأوروبى، فى الوقت الذى كان لطفرة الزيت الصخرى تأثير متنامى على الاقتصاد العالمى والتوازنات الجيوسياسية، وساعدت النهج الحازم لليابان حديثا وعلاقاتها المتنامية مع الهند فى كبح جماح مساعى الصين للتفوق الإقليمي، كما قوض انخفاض أسعار البترول فى الربع الأخير من العام اقتصادات روسيا وإيران.
وكما هو الحال عادة، جاءت أكبر اخفاقات السياسة الخارجية الأمريكية فى الشرق الأوسط ومن خلال الميل نحو إيران، رغم أن التوازن الإقليمى يبدو أنه يتحول بعيدا عن القوى العربية السنية، فقد فجرت الولايات المتحدة بذلك موجات من العداء والخوف بين حلفائها الإقليميين الرئيسيين، وأثبت الظهور المفاجئ لجماعة «داعش» ونهاية حكومة الرئيس الإسلامى السابق محمد مرسى فى مصر وإخفاق مساعى الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاقية وقف إطلاق النار فى حرب غزة الأخيرة المناخ الإقليمى المتغير، ورغم ذلك، لم يهدد شيئا الدور الأمريكى كأقوى دولة وأكثر القوى الخارجية فعالية فى هذه المنطقة الاستراتيجية.
2 – ألمانيا
عودة قوية للمسرح العالمى لأول مرة منذ أربعينيات القرن الماضى
لم تلعب ألمانيا دوراً فى السياسات العالمية منذ أربعينيات القرن الماضى مثل الدور الذى لعبته مؤخرا، فالصدع الذى حدث بين روسيا والغرب أعطى ألمانيا القدرة على تحديد رد فعل الغرب ومنحها الصوت الحاسم فى تشكيل نظام الأمن الأوروبى الجديد، وفى الوقت ذاته، استمرت ألمانيا فى الاستفادة من موقفها المحورى داخل الاتحاد الأوروبى، كما أنها حافظت على التوازن بين الشمال والجنوب والشرق والغرب فى أوروبا، الأمر الذى أعطاها مكانة داخل النظام الأوروبى لا تستطيع أى دولة أخرى تحديه.
ووصول ألمانيا إلى تلك المكانة، دون اللجوء إلى استخدام الأسلحة النووية ودون الإنفاق الكثير من المال على الدفاع ودون تعطيل حزم الإنقاذ الضخمة التى يتم منحها لجيرانها الأوروبيين الذين يعانون اضطرابات اقتصادية، يقول الكثير بشأن قدرة الدولة على الاستفادة من منطق الأحداث وموقعها الجغرافى، ومع ذلك يرى العديدين فى برلين أن الأهمية الجيوسياسية الجديدة لألمانيا غير مرحب بها، إذ تعد المسئوليات التى تصاحب قوة ألمانيا ضخمة، وتتمثل قوتها فى التعامل مع اضطرابات الاتحاد الأوروبى الداخلية ومعالجة العلاقات السياسية مع بوتين.
وتمكنت الدولة من معالجة توترات دورها الإقليمى الفريد طوال فترة رئاسة أوتو فون بيسمارك، ولكن حتى بيسمارك ارتكب خطأ فادحاً بضم أراضى الألزاس واللورين عام 1871، ومع القادة الأقل قوة، كانت ألمانيا غير قادرة على القيام بدور التوازن الصعب الذى كانت ملزمة به بحكم موقعها الجغرافى، وبوجه عام، كان القادة السياسيون الألمان أقوياء نسبياً بدءاً من تأسيس جمهورية بون وحتى سقوط حائط برلين، وبعد ذلك اختلطت السجلات، فسوء إدارة هيلموت كول الكارثية للعواقب النقدية لتوحيد ألمانيا والتحول إلى اليورو ترك لخلفائه إرثاً صعباً للغاية، ورغم الاصلاحات الاقتصادية المحلية الناجحة التى قام بها جيرهارد شرودر، كان أداؤه سيئاً على صعيد السياسة الخارجية ليصبح رئيساً لمجلس إدارة مشروع خط أنابيب ألمانى روسى مشترك مع شركة جازبروم الروسية، بعد أن ترك منصبه.
وتسلمت أنجيلا ميركل، المستشارة الحالية، اصعب حقيبة وزارية فى عصرنا الحالى، نظرا لمساعى الحفاظ على الاتحاد الأوروبى والحلف الأطلنطى ورؤية أوروبا الكبرى بما فى ذلك روسيا، وأحرزت تقدما كبيرا فى بنود قائمة أعمالها، وسيذكرها التاريخ أنها مستشارة ألمانية عظيمة، ومكانة ألمانيا فى قلب النظام العالمى ستصبح أكثر أمنا وربما أقل إرهاقا، والظروف ليست بالضرورة فى صالحها، فاختيارات ألمانيا صعبة ولها توابع على حد سواء.
وتدرك ألمانيا الدور المطلوب منها، وقال وزير خارجيتها، فرانك فالتر شتاينماير، أوائل العام الجارى، إن قوة اقتصاد ألمانيا واستقرارها السياسى لا يتركان لها خياراً إلا لعب دور أكبر فى الجغرافيا السياسية العالمية من ذى قبل.
وقال إن ألمانيا أكبر وأهم من ألا تنخرط فى الشئون الدولية، وتعلق عليها بشكل واضح، موضحاً أن هذا لا يعنى أن الدولة تضغط لتتدخل فيما لا يعنيها، ولكن لا يمنكها التأخر عندما تكون المساعدة مطلوبة.ومع ذلك، يخشى الشعب الألمانى والنقاد فى الداخل من أن هذا النهج قد يعنى أن ألمانيا سوف تتورط بشدة فى الأزمات الدولية، ما يهدد ثقافة اللاعنف الخاصة بها، واقتصادها القائم على الصادرات.
3 – الصين
فى مواجهة العالم والتحديات الداخلية
أن تحتل الصين المرتبة الثالثة فى ترتيب القوى العالمية، فى حين يعتقد العديد من القوميين الصينيين بحماس بأنه يجب أن تكون فى المرتبة الأولى، هذا فى حد ذاته مصدر كثير من القلق فى بكين، ويبدو أن حدود موقع الصين العالمى يجب استيعابه بصورة أكثر اكتمالاً بين عامة الناس.
فعلى الرغم من الإنجازات الهائلة للصين وقوتها غير العادية، تتلقلى العديد من اللّكمات، ومن المرجح أن تفقد ثقلها فى الشئون الدولية لبعض الوقت.
وهناك ثلاثة أسباب أساسية لهذا النقص، ويكمن السبب الأول فى البيئة الإقليمية للصين، فخلافا للولايات المتحدة التى تحيط بها الدول الصديقة والمحيطات الواسعة، أو ألمانيا، التى تحدها الدول الضعيفة، فالصين تقع فى منطقة قوية ومتنامية فى كثير من الحالات، وجيرانها بلدان قوية وطموحة.
وفى الوقت الذى ترى فيه الصين نفسها كقوة عالمية، يعتزم منافسوها فى المنطقة مثل اليابان وفيتنام وتايوان واستراليا واندونيسيا منع ظهورها كقوة إقليمية مهيمنة بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية.
وطالما تخوض الصين فى جدل حول حدودها، وتعمل شبكة من الدول المجاورة على الحد من نفوذها، فببساطة شديدة لا يمكن أن تظهر الصين وكأنها قوة عالمية عظمى كما تريد، وبالتأكيد تتمتع ألمانيا اليوم بمزيد من النفوذ فى المنطقة أكثر مما كانت عليه الصين فى شرق آسيا.
وتنبع المشكلة الثانية من طبيعة النموذج الاقتصادى والحقائق الجغرافية للصين، حيث تعتمد فى قوة التصنيع على الوصول إلى كل من المواد الخام والأسواق فى جميع أنحاء العالم.
والأهم من ذلك، أنها تعتمد على البترول والغاز من منطقة الشرق الأوسط، وفى المستقبل القريب لن تكون الصين قادرة على حماية الطرق البحرية التى يعتمد عليها اقتصادها، ولو شرعت فى بناء هذا النوع بعيد المدى من القدرات البحرية والطيران العدوانى اللازم للسيطرة على الطرق البحرية عبر المحيط الهادئ والهندي، فسوف يعزز التحالف بقيادة الولايات المتحدة وآسيا أسلحته ضدها، إضافة إلى أن إثارة السباق من التسليح لن يمّكن اقتصادها القوى من الفوز.
وفى المستقبل القريب، لن تستطيع الصين أن تضمن تدفق الموارد الضرورية التى يعتمد عليها اقتصادها، وهذا الواقع يحد من المرونة والحرية لواضعى السياسة الصينية.
وعلاوة على ذلك، إذا لم تتمكن الصين من التصدير والبيع إلى الأمريكتين وأوروبا، والوصول الى العديد من الأسواق فلن تستطيع مصانعها سداد أجور العاملين لديها، وسوف ينهار نظامها المالي، حيث تعتمد قوتها وتقدمها على أمن وسلامة العالم الذى يتم تنظيمه إلى حد كبير من قبل الولايات المتحدة، وليس هناك أى طرق سهلة للالتفاف على هذا النظام وهذا يضع حدودا على خيارات السياسة الخارجية للصين.
وتظهر المشكلة الثالثة فى طبيعة النمو الهائل، حيث نمت الصين بسرعة كبيرة جدا وعلى هذا النطاق الواسع فجزء كبير من البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية يقع تحت الضغط.
ويعانى النظام المالى هناك من مشاكل خطيرة ولم يتم اختباره بشكل حقيقي، بالاضافة إلى أنهم يشعرون الآن بعدم الرضى من الآثار المترتبة على سياسة الطفل الواحد من أى وقت مضى، ولم يعد بوسع استراتيجية التصنيع ونمو الصادرات أن تكون أساس تنمية الصين، لكن من الصعب تبديل نماذج النمو.
وتمثل هذه القيود الداخلية، والاضطرابات السياسية مصدر قلق للقادة الصينيين باستمرار، وتضع أيضا قيودا على حريتهم العالمية وتقلل حجم حضور الصين فى السياسة الدولية.
ومن المرجح أن تظل الفجوة بين القوى العالمية مشكلة على المدى الطويل على حد سواء لقادة الصين أولشركائها الدوليين، رغم اعتقاد العديد من الصينيين أن بلدهم سيكون له موقف فعّال فى الشئون العالمية.
4 – اليابان
قوة التكنولوجيا أساس المستقبل
تعانى اليابان فى الوقت الراهن حالة من الركود الاقتصادى، كما أنها مقيدة بالدستور السلمى الذى فرضته الولايات المتحدة، وتتراجع فى ظل صعود التنين الصينى، واعتادت منذ فترة طويلة على انخفاض الدبلوماسية الرئيسية، وتم النظر اليها فى بعض الأحيان على أنها قوة ضئيلة وتتلاشى.
ما سبق هو تصور خاطئ عن الروبوت الأسيوى الذكى، حيث تظل اليابان قوة عظمى بفضل السياسة الخارجية الحديثة الحازمة والذكية، وفى الوقع يرتفع وزنها فى الشئون العالمية.
ولديها ثالث أكبر اقتصاد فى العالم، وعلى الرغم من أنها دخلت للتو مرحلة الركود، فمستوى اليابان من التطور التكنولوجى وشبكات التجارة والإنتاج العالمية يجعلها قوة هائلة للغاية.
وفى القرن 21، سوف تتصدر التكنولوجيا المنافسة العسكرية، وقدرة اليابان الكبيرة فى إنتاج ونشر التكنولوجيا العسكرية المتطورة يعنى أن لديها القدرة على البقاء كقوة عسكرية كبيرة لفترة طويلة قادمة.
وفى العام الماضى، قدمت اليابان تحركات قوية لترجمة هذه المزايا فى الثقل الجيوسياسي. وسمحت من خلال تفسيرها لدستورها السلمى بالدفاع عن النفس وتحركت نحو إعادة التسلح القوى بالإضافة إلى توطيد العلاقات مع جيوش الدول الصديقة.
وتمتلك اليابان جيشاً متقدماً جدا من الناحية التكنولوجية، وبعد نهاية عقود من الحظر المفروض على صادرات الأسلحة، بدأت المنافسة بشكل فعال فى سوق السلاح العالمي، ولا سيما بيع غواصات متطورة لأستراليا.
وتتحرك اليابان لتضع نفسها فى مركز مجموعة من العلاقات الدفاعية الإقليمية مع دول مثل فيتنام واستراليا والهند التى تخشى بالمثل من صعود الصين.
يأتى ذلك فى الوقت الذى بدأت تشرق فيه آفاق علاقة أعمق مع الهند، ويشير التكامل الاقتصادى والمصالح الجيوسياسية المشتركة أن علاقة طوكيو ودلهي، يمكن أن تكون واحدة من الحقائق الأساسية التى تشّكل السياسة فى القرن 21 ويرجع الفضل فى ذلك جزئيا إلى قدرتها على العمل مع قوى أخرى فى المنطقة.
5 – روسيا
الدب الذى لم يفقد مخالبه بعد
تعد روسيا دولة فى انحدار، ولكنها لم تضعف بالكامل بعد، وهى لا تعترف أبدا بهذا السيناريو، وهذا ما يجعلها خطيرة للغاية، وربما تفشل موسكو فى بعض أكثر المهام أهمية للقوى العظمى، ولكنها لا تزال تمتلك أسلحة نووية، وموارد طبيعية وفيرة، وقدارت استخباراتية وسيبرانية فعالة يستخف بها فى بعض الأحيان، وعلاوة على ذلك، يقودها رئيس حكيم من الناحية التكتيكية، ويحمل نفسه فوق ما يطيق.
ولو كان هذا التصنيف يتعلق بالاستعداد لاستخدام القوة، لكانت روسيا فى مرتبة اعلى من هذه بكثير، نظرا لأن اجتياح أوكرانيا لم يترك لأحد شكوك بشأن استعداد فلاديمير بوتين لفعل أى شيء لتعزيز وضع روسيا فى العالم، ولعكس – بأقصى ما يستطيع – ما يراه كأكبر مأساة فى القرن العشرين وهى انهيار الاتحاد السوفييتي.
وحالة الضعف التى تمر بها روسيا معروفة جيدا، وتذكر مرارا فى أروقة السياسة الغربية، وأهم مظاهر هذه الحالة تراجع عدد السكان، والفشل فى تطوير اقتصاد كفء بعد الفترة السوفييتية، بالإضافة إلى التوترات الكبيرة بين ذوى الأصول الروسية والأقليات المسلمة فى الدولة.
وسياسيا، تعد روسيا مثل منزل مبنيّ على الرمال، وربما يملك بوتين سلطة تخويفية على شعبه، بما فى ذلك الأقليات الثرية، ولكن وضعه أكثر ضعفا بكثير من رئيس فى دولة ديمقراطية راسخة أو حتى مُلك وراثي، وحاليا، وأدى تراجع أسعار البترول لتقويض الاقتصاد الروسى فى الوقت الذى بدأت فيه العقوبات الدولية بإلحاق الضرر.
ومع ذلك، تتمتع روسيا ببعض المميزات التى تجعل سعى بوتين لاستعادة جزء من العملاق السوفييتى أكثر من مجرد حماقة رجل مجنون، فباستثناء دول البلطيق والصين، يحيط بروسيا مجموعة من أضعف الدول وأسوأها إدارة فى العالم.
وعلى سبيل المثال، تناضل أوكرانيا لإدخال إصلاحات، ولكن الفساد المستشري، والضعف الذى يأكل فى الدولة، وعدم الكفاءة الاقتصادية يجعل أوكرانيا خصماً واهناً.
وما هو مقدار النقدية التى سيكون الاتحاد الأوروبى المتأزم والولايات المتحدة المشتتة بأمور أخرى على استعداد لإغداقها على دولة فاسدة سيئة الإدارة لا تستطيع الدفع من أجل تأمين الطاقة التى تحتاجها؟ وإلى متى سيقبل دافعو الضرائب الغربيون اقتطاع المزيد من الأموال لدولة يقوم أثرياؤها بنهبها؟ أما وسط آسيا ومنطقة القوقاز، ومعظمها جمهوريات سوفيتية سابقة، فى وضع أسوأ من أوكرانيا، ومع خروج الولايات المتحدة من أفغانستان، من المرجح أن يقل الاهتمام الغربى بساحة روسيا الخلفية، وقد تفترض موسكو – ولها أسبابها المعقولة فى ذلك – أن الغرب سيفضل النفوذ الروسى على الصينى فى هذه المنطقة.
ولدى روسيا نقاط مساومة فى اوروبا أيضا، فبلغاريا ورومانيا لم يستطيعا اتباع مسار بولندا الناجح بعد انهيار الاشتراكية، واليونان وقبرص تشعران بالغضب من الاتحاد الأوروبي، ومرتبطتان تاريخيا وثقافيا بروسيا، والمجر تستمتع باستغلال ورقة روسيا ضد زميلاتها الأعضاء فى الاتحاد الأوروبي، والبعض فى إيطاليا وفرنسا ينظر إلى روسيا على أنها ثقل قيم مقابل ألمانيا المتجبرة.
أما تركيا فأصبحت تثير المشاكل بشكل متزايد فى المؤسسات مثل الناتو، ولم تعد ترغب بجدية فى الانضمام للاتحاد الأوروبي، ويمكن أن يؤدى الاستهتار وحس المغامرة الذى تتصف به السياسة التركية هذه الأيام بقيادة رجب طيب أردوغان إلى نشوء علاقة ما بين تركيا وروسيا.
وبالنظر إلى الأداء السابق لبوتين، ومعرفة حقده العميق لجودة القيادة الغربية، من الصعب أن يتخلى عن الصراع قبل أن يقدم كل ما لديه.
6 – الهند
الاستثمار فى الخوف من الصين
لطالما تمتعت الهند بإمكانات النجاح فى العالم الحديث، فهى لديها عدد سكان كبير يتحدث اللغة الانجليزية أكثر من أى دولة أخرى غير ناطقة باللغة الانجليزية، كما انها تمتلك شبكة قوية من المؤسسات التعليمية الراقية، وقطاعاً تكنولوجياً مزدهراً، وديمقراطية راسخة.
ورغم أن الهند طالما خذلت الأجانب بسوء الأداء، فإن رئيس وزراءها الجديد، ناريندرا مودي، لديه أقوى تفويض حصل عليه مسئول هندى منذ سنوات عديدة، وترأس مودى حكومة ولاية غوجارات، ما يعنى أن لديه تاريخ من الوفاء بالإصلاحات الاقتصادية التى تحتاجها الهند بشدة وهى القضاء على الروتين، وتقليل إجراءات التراخيص، وإزالة الحواجز أمام التجارة سواء داخليا او خارجيا.
ويستفيد اقتصاد الهند بالفعل من العولمة وثورة المعلومات، وبالتالى يمكنه أن يزدهر بقوة إذا أوفت حكومة مودى بوعودها.
لكن الذى يجعل الهند قوة عظمى اليوم ولا يمكنها فعل الكثير حياله فى المستقبل القريب هو قدرتها على التموضع بشكل استراتيجى بين القوى الاسيوية المتنامية.
فبينما تأتى الهند فى المرتبة الرابعة بعد الولايات المتحدة والصين واليابان فى تلك المنطقة فإنها تتمتع بقدرة أكبر على المرونة للعب دور بارز نظرا لتعدد الخيارات أمامها حيث تقدم نفسها على أنها الصوت المرجح الذى يجعل كفة طرف ترجح أمام الآخر إذا ما تبنت وجهة نظرهوترغب كل من الولايات المتحدة واليابان فى بناء علاقات استراتيجية طويلة الامد مع نيودلهى كجزء من البناء الهيكلى لآسيا لإحداث التوازن مع صعود قوة الصين.
وتشعر الهند بنفس الشىء مع الصين لكنها تعلم أنه من المفيد لها أن تترك مسافة ولو قليلة بينها وبين طوكيو وواشنطن اللتين تخطبان ودها.
كما أنها تستفيد من تعدد علاقاتها وتنوعها دون أن يترتب على ذلك التزامات سواء من تنافس الولايات المتحدة واليابان والصين لكسب صداقتها أو حرص الاتحاد الاوروبى وروسيا على زيادة التبادل التجارى معها.
إذا كان النفوذ يعنى الحرية فى أن تفعل ما تريد بينما يرقص الآخرون على نغمتك فإن الهند تعطى العالم نموذجا يجسد كيف يمكن أن تقوم بمثل هذه اللعبة.
7 – السعودية
فتوة الشرق الأوسط
صدمت المملكة العربية السعودية العالم للمرة الثانية فى 2014 عندما صنعت انهياراً فى أسعار النفط، وكانت المرة الأولى فى 2013 عندما ساعدت الرياض الجيش المصرى على الاطاحة بحكومة الرئيس محمد مرسى المنتخب ديمقراطياً، فى خطوة القت بسياسة أوباما فى الشرق الأوسط الى الفوضى الشاملة.
وظهرت السعودية فى ثوب القوة العام الماضى، فالعديد من الدول تتفوق عليها بأشياء كثيرة منها التعداد السكانى والقوات المسلحة القوية ومؤسسات متطورة تكنولوجيا أكثر لكن المملكة لديها قدرة على تحقيق التوازن الجيوسياسى وإعادة ترتيب الاقتصاد العالمى إقليمياً. وعلى الصعيد العالمى يمكن للسعوديين القيام بالمزيد من المهام التى لا يمكن للعديد من القوى العظمى تحقيقها فى مناطقهم.
فنتيجة ذعرها من تهديدات إيران شكلت الرياض تحالف قوى يضم قوى سنية منها مصر والإمارات العربية المتحدة وكذلك، بصورة غير محتملة، إسرائيل.
كما واصلت الضغط على قطر للتخلى عن دعمها لجماعة الإخوان المسلمين والانضمام إلى التحالف السعودى لكن يبدو أن الجهود المبذولة تؤتى ثمارها ببطء.
وساعد الدعم السعودى مصر وإسرائيل متحدية الولايات المتحدة بجانب الضغط التركى والقطرى فى الحد من قوة حماس فى الحرب الإسرائيلية الأخيرة.
وعندما جاء الاسوأ مع إيران لجأ السعوديون للدفاع عن أنفسهم من دون الدعم الأمريكى التقليدى الذى لم يعد أمراً مفروغاً منه كما كان، فاضطرت الى حشد ائتلاف سنى موحد يمتد من دول الخليج إلى القاهرة وقد يدخل سلاح الجو الإسرائيلى كملاذ أخير.
أما العلاقة السعودية مع باكستان، التى شهدت نموا مطردا أقرب مع فقد السعوديين الثقة فى واشنطن، تؤكد أنه سيكون هناك قنابل نووية تملكها الانظمة السنية لتعويض الأسلحة النووية الشيعية المملوكة لايران.
ولكن ربما لن تذهب إلى هذا الحد ففى نهاية العام، فاجأت المملكة العالم باستخدام القوة الاقتصادية والثقل السياسى لإجبار صقور أوبك لقبول انهيار فى أسعار البترول العالمية.
ورغم ان الهدف المعلن هو استهداف نمو شركات البترول الصخرى فى الولايات المتحدة، لكن ما فعلته هذه السياسة حقا كان بداية خسائر مالية ضخمة فى عائدات البترول الايراني.
وتمتلك السعودية احتياطيات عميقة من المال وكذلك البترول ويمكنها استيعاب هذه الخسائر لفترة طويلة فى حين أن إيران فى وضع أصعب لتحمل هذا الألم، كمتحكم فى مسار انتاج البترول فى العالم يمكن للرياض أن تغير مسار الاقتصاد الدولى وقلب ميزانيات عشر دول وباعتبارها القوة الأيديولوجية الرائدة فى العالم الإسلامي، وكزعيم بلا منازع حاليا فى قلب العالم السنى فى الصراع الدينى فى الشرق الأوسط تستحق المملكة العربية السعودية مكاناً على طاولة بين أكبر القوى فى العالم.
كما برزت المملكة العربية السعودية كدولة أكثر حزماً بعد أحداث الربيع العربى، ولم تعد الحرب من المحرمات تستخدم حالياً كأداة للسياسة، دون الحصول على إذن من البيت الأبيض. وذكر تقرير منفصل لوكالة أنباء «بلومبرج» أن السعودية الغنية بالبترول والمعروفة بدبلوماسيتها الحذرة تتحول بشكل ملحوظ لقوة صلبة، وبدأ التحول منذ اجتاحت الاضطرابات العالم العربى فى عام 2011، وتولى الملك سلمان حكم السعودية يناير الماضى، وتعزيز مكانة ابنه كوزير للدفاع، وقد صاحب الوفد السعودى فى لقائه باراك أوباما، الرئيس الأمريكى فى كامب ديفيد. وأفاد ديفيد أوتاواى، الباحث البارز فى مركز ويلسون فى واشنطن، بأننا نشهد أول محاولة حقيقية لمعرفة ما إذا كانت السعودية يمكن أن تصبح قوة عسكرية عظمى فى العالم العربى. وأضاف أن التغيرات الجديدة قد لا تكون موضع ترحيب من الولايات المتحدة، المدافع التاريخى عن المملكة، جرّاء السياسات الأمريكية الأخيرة– وخاصة بعد السعى لإبرام اتفاق نووى مع إيران، المنافس الرئيسى والإقليمى للمملكة. وقال فواز جرجس، أستاذ العلوم السياسية للشرق الأوسط فى كلية لندن للاقتصاد، إن التدخل العسكرى فى البحرين سمح ببدء سياسة «فرد العضلات» باستقلال تام عن المظلة الأمنية الأمريكية، وتأتى الأسلحة ضمن مشتريات المملكة الرئيسية، وقفزت النفقات العسكرية السعودية %17 لتتجاوز 80 مليار دولار العام الماضى، والتى وصفت بأنها أكبر زيادة بين القوى الكبرى. ورغم كل ما تستخدمه المملكة من معدات عسكرية متطورة، فإنه ليس من الواضح مدى التقدم السعودى المبذول فى اليمن، حيث إن هدفهم المعلن هو استعادة الحكومة المخلوعة من قبل المتمردين الحوثيين الشيعة، ولكن بعد أكثر من ستة أسابيع من الضربات الجوية ضد الحوثيين، مازال المتمردون يحققون مكاسب، ويضربون أهدافاً داخل المملكة، وقال جيمس دورسى، لدى معهد الدراسات الدولية فى جامعة نانيانغ التكنولوجية فى سنغافورة إن ما وراء الأزمة فى اليمن يقلق السعوديين، حيث إن التغيير يقلب ميزان القوى فى الشرق الأوسط، فالمملكة لديها النفوذ المالى الذى يأتى من كونها أكبر دولة مصدرة للبترول فى العالم، ولها وضع خاص بين الدول الإسلامية كونها الحاضنة للمدن المقدسة، ودون التوصل إلى القوة العسكرية فالمملكة معرضة لمواجهة القوى الإقليمية الأخرى.