ذكر تقرير نشره موقع صحيفة “الجارديان” أن أسعار النفط قد فقدت أكثر من 50% من قيمتها خلال العام الماضي، بعد أن سجلت تذبذبًا واضحًا عبر العقد الماضي من الزمن.
وأشار التقرير إلى أن تراجع أسعار النفط أثر سلبًا على الدول المصدرة للخام، فيما كان الأثر إيجابيًا على الدول المستوردة.
وقت الإصلاحات الهيكلية؟
وتساءل التقرير عن الآثار غير الاقتصادية لهبوط أسعار النفط خلال الفترة الماضية، مشيرًا إلى أنه في حال الاهتمام بالعوامل البيئية وغيرها فهل يجب دعم صعود الأسعار لخفض الاستهلاك، أم العمل على خفض السعر لدعم هبوط الإنتاج؟
ويرى التحليل أنه على الدول السعي لدعم كلا الاتجاهين، من خلال خفض الأسعار التي يتم دفعها لمنتجي النفط، وزيادة السعر للمستهلكين، عن طريق تقليص الدعم الموجه للخام، وإعادة تسعير أو زيادة الضرائب عليها.
وقامت عدة دول من الأسواق الناشئة باستغلال تراجع أسعار النفط للقيام بإصلاحات هيكلية في أسعار الخام، في حين طالب التقرير الولايات المتحدة بضرورة القيام بخطوات مماثلة، خاصة بعد تحولها لدولة مكتفية ذاتيًا من الطاقة تقريبًا.
هل تفعلها الولايات المتحدة؟
وتعاني الطرق والجسور في الولايات المتحدة من الانهيار، حيث تحتاج البنية التحتية للنقل في البلاد مزيدا من الاستثمارات والصيانة، في حين يواصل الكونجرس الأمريكي تهربه من مسؤولية تمويل صندوق تمويل الطرق السريعة الفيدرالي، بسبب الخلاف حول كيفية سداد قيمة هذا الدعم.
ويرى اقتصاديون أمريكيون أن الحل يتمثل في ضرورة زيادة الضرائب على البنزين في الولايات المتحدة، من أجل دعم قطاع النقل في البلاد، بعيدًا عن التمويل الحكومي المنتظر.
واستقرت الضريبة الفيدرالية على البنزين في الولايات المتحدة عند مستوى 18.4 سنت للجالون الواحد منذ عام 1993، وهي الأدنى مقارنة بباقي الدول المتقدمة.
في حين اعتمد الكونجرس الأمريكي في 30 يوليو/تموز الماضي تدابير مؤقتة لمدة 3 أشهر بشأن البنزين على الطرق الأمريكية للمرة الـ 35 منذ عام 2009.
وأشار التقرير إلى أن تسعير الوقود الأحفوري يمثل استثناءً واضحًا للقاعدة العامة التي تشير إلى أنه في حال امتلاك الحكومة أداة سياسية واحدة فقط فإنه يمكنها تحقيق هدف سياسي واحد فحسب.
ومن شأن زيادة الضريبة على البنزين في الولايات المتحدة أو تقليص الدعم توفير أموال يمكن استخدامها في تقليص عجز الموازنة العامة، أو دعم المصروفات المحتملة في قطاع بناء الطرق وصيانتها مثلًا.
كما أن خفض استهلاك النفط سوف يؤدي إلى تقليل الاختناقات المرورية، والحوادث، وتلوث الهواء، وآثاره السلبية على الصحة، بالإضافة إلى خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والتي تؤدي إلى تغير المناخ العالمي.
ويعتقد التقرير أن هناك مبررات أيضًا للأمن القومي، حيث إنه في حال تراجع أسعار التجزئة للوقود فإن الاستهلاك المحلي سوف يرتفع، ما يسمح بتعرض البلاد للاضطرابات في سوق النفط، بينما في حال ارتفاع الأسعار وتراجع الاستهلاك، فإن تقلبات السعر العالمي للخام سيكون لها تأثير أقل على المستوى المحلي الأمريكي.
ويعود ما يتم ترويج دعم منتجات النفط في الولايات المتحدة لأسباب أمنية ووطنية، في حين أنه يمثل في الواقع سياسة لـ”استنزاف الولايات المتحدة”، ويقلل من الاكتفاء الذاتي على المدى الطويل، بحسب التقرير.
وعلى الرغم من أن دعم الوقود عادة ما يتم الإشارة إليه على أنه وسيلة لتحسين توزيع الدخل، فإن الواقع يظهر عكس هذا الادعاء، حيث إنه عالميًا يذهب أقل من 20% فحسب من دعم الوقود إلى أفقر 20% من السكان، مع ميل الفقراء إلى استخدام وسائل المواصلات العامة أو السير على الأقدام.
وأشار التقرير إلى أن الحكمة التقليدية تشير إلى أنه من المستحيل سياسيًا في الولايات المتحدة أن يصدر قرار بزيادة الضريبة على الوقود، مع وجود قيود سياسية في دول أخرى أيضًا
ومع معاناة عدة دول من اضطرابات اجتماعية، وحتى انقلابات بسبب زيادة الضرائب، او رفع الدعم عن الوقود، إلا أن دولا مثل مصر، وغانا، والهند، وإندونيسيا، وماليزيا، والمكسيك، والمغرب، والإمارات قامت بخفض أو إلغاء دعم منتجات النفط خلال العام الماضي.
ويرى تحليل “الجارديان” أنه بجانب زيادة الضرائب على استهلاك الوقود، فإنه على الولايات المتحدة وقف بعض دعمها لإنتاج النفط، حيث يمكن للشركات النفطية أن تقتطع مباشرة نسبة عالية من تكاليف التنقيب عن الخام من الضرائب المستحقة عليها، وهو ما لا يمكن للصناعات الأخرى أن تفعله مع استثماراتها.
كما تتمتع صناعة النفط في كثير من الأحيان بالقدرة على التنقيب في أراض اتحادية أو في الخارج، من دون دفع سعر السوق الكامل لعقود الإيحار.
وكانت دراسة حديثة صادرة عن صندوق النقد الدولي قد قدرت قيمة الدعم العالمي للوقود بأكثر من 5 تريليونات دولار أمريكي سنويًا، في حين تبلغ قيمة دعم الوقود الأحفوري في الولايات المتحدة حوالي 37 مليار دولار سنويًا، من دون حساب تكلفة العوامل البيئية.
وأشار التقرير إلى أنه كما أوضح قادة بعض الدول النامية، فإن تراجع أسعار النفط يمثل أفضل فرصة ممكنة للقيام بإصلاحات تسعيرية للوقود، حيث يمكن للحكومات التي سوف تتخذ قرارات في الوقت الحالي أن تخفض دعم الوقود، أو زيادة الضرائب مع تجنيب المستهلكين زيادة في أسعار التجزئة بشكل سنوي.
وبالنسبة للولايات المتحدة وباقي الدول المتقدمة، فإن الوقت الحالي يعتبر وقتًا مناسبًا للإصلاح من الناحية الاقتصادية، حيث إنه في الماضي كانت الدول قلقة من تأثير رفع الضرائب على الوقود على زيادة معدلات التضخم، بينما في الوقت الحالي تسعى البنوك المركزية لرفع تلك لمعدلات.
وأوضح التقرير أنه سيتعين على الكونجرس الأمريكي أن يعاود بحث مسألة تمويل الطرق السريعة في سبتمبر/أيلول المقبل، مشيرًا إلى أنه مع تمكن عدة دول من إعادة تسعير أسعار الوقود، فلماذا لا تقوم الولايات المتحدة بنفس الخطوة؟
وكالات