الشركات تعلق استثماراتها رغم ارتفاع أرباحها بنسبة 38%
علقت عدد من الشركات خططها الاستثمارية فى مختلف قطاعات الاقتصاد الروسى، خوفاً من استمرار تراجع قيمة الروبل إذا زاد انخفاض أسعار البترول مع توقعات بأن تجلب التوترات الجيوسياسية عوائق اقتصادية جديدة.
وتشكل احتمالية حدوث ركود لفترة طويلة تحدياً أمام الكريملين الروسى، الذى اعتمد على ارتفاع مستويات المعيشة لتعزيز الدعم الشعبى للنظام السياسى الذى بدأ ضربات عسكرية فى سوريا دعماً للرئيس بشار الأسد، بالإضافة إلى المستثمرين الأجانب الذين راهنوا بالمليارات على روسيا باعتبارها سوقاً للنمو.
وتسعى روسيا إلى الحد من التوترات فى أوكرانيا التى قد تؤدى إلى تخفيف العقوبات المفروضة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية على خلفية الأزمة الأوكرانية.
ويقول المسئولون الروسيون، إن الاقتصاد سجل أدنى مستوياته والرؤساء التنفيذيين للشركات غير راضين عن أداء الاقتصاد، وتراجعت الاستثمارات الرأسمالية بنسبة 6% خلال الثمانية أشهر الأولى من العام الجارى، وتتوافر النقدية لدى العديد من الشركات.
ارتفعت أرباح الشركات بنسبة 38% مدعومة بشكل رئيسى بانخفاض سعر صرف الروبل – لكن الشركات ليست على استعداد لزيادة استثماراتها، وقال أليكسى كودرين، وزير المالية السابق، إن الشعب ورجال الأعمال كونوا توقعات سلبية قوية، مازجين تأثير العقوبات بانهيار أسعار البترول، ما يؤدى لهروب التدفقات الرأسمالية وزيادة الانكماش الاقتصادى.
أضاف: «حتى إذا تعافى الاقتصاد فى غضون السنوات القليلة المقبلة، سيتباطأ النمو إلى حد كبير لدرجة أن حصة روسيا من الناتج العالمى ستتراجع إلى أدنى مستوياتها منذ انهيار الاتحاد السوفيتى، ما يمحى المكاسب التى حققها الرئيس الروسى فلاديمير بوتين خلال فترة حكمه البالغة 15 عاماً».
وبالفعل لجأت الحكومة إلى تأجيل أجزاء من خطة تحديث الجيش التى تبلغ 20 تريليون روبل، وجعلها بوتين على رأس أولوياته فى سعيه لإعادة بناء قوة روسيا العالمية بعد الضغوط السلبية على موازنة الدولة.
وأوضحت وكالة أنباء بلومبيرج فى تقرير لها، أن روسيا تعافت سريعاً من ركودين سابقين، وعادت إلى النمو فى غضون 18 شهراً، لكن هذه المرة، يتوقع البنك المركزى الروسى استمرار الانكماش فى البلاد حتى العام المقبل، وهو ما يجعله أطول ركود منذ الفترة التى أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتى، ومن المتوقع أن يكون التعافى «فاتراً» بمجرد أن يبدأ.
وقال سيرجى كوليسنيكوف، رئيس شركة «تيكنونيكول» المتخصصة فى مواد البناء: «تعد هذه الأزمة سيئة لأنها ستستمر طويلاً»، وأوقف كوليسنيكوف خططاً لبناء مصنع جديد، بعد انخفاض المبيعات المحلية بنسبة 15% العام الجارى، نظراً لأن البناة خفضوا الإنفاق، وازدادت الصادرات بفضل تراجع قيمة الروبل التى جعلت المنتجات أرخص فى الأسواق الأجنبية.
وتعد القطاعات المرتبطة بالاستهلاك والبناء الأكثر تضرراً من هذه الأزمة، إذ أنها تأثرت بشدة من الارتفاع الهائل فى أسعار الفائدة وانخفاض الدخل، وانخفض حجم عمليات البناء بنسبة 8.1% خلال الثمانية أشهر الأولى من عام 2015 لتسجل أدنى مستوياتها فى أكثر من خمسة أعوام، فى حين انخفضت المبيعات بنسبة 8.2%، وحتى القطاعات التى تبدو أفضل حالاً مثل الزراعة خفضت استثماراتها رغم استفادتها من دعم الحكومة والحماية من المنافسين الأجانب بفضل العقوبات التى تفرضها الكريملين.
وقال فاليرى ميرونوف، نائب مدير مركز التنمية فى المدرسة العليا للاقتصاد فى موسكو، إن الشركات تتمسك بأموالها.
أضاف: «حتى مع تأثير العقوبات التى حدت من الوصول إلى التمويل الأمريكى والأوروبى، حققت الشركات الروسية أرباحاً تجاوزت تريليون روبل، أى ما يعادل 15 مليار دولار، العام الجارى، لكن لم توجه الأرباح لاستثمارات جديدة».
ووفقاً لبعض المقاييس، فإن الركود الأخير فى روسيا لا يبدو سيئاً للغاية، إذ ارتفعت معدلات البطالة ارتفاعاً طفيفاً وسجلت 5.6%، وقال العديد من رؤساء الشركات وخبراء الاقتصاد، إن غالبية الشركات تحاول الاحتفاظ بموظفيها خوفاً من التداعيات السياسية لتسريح العمال، ويعنى تراجع عدد السكان ممن هم فى سن العمل أنهم سيواجهون صعوبة فى استبدال الموظفين المفصولين من العمل عندما يعود الاقتصاد للنمو.