يميل المحللون، فى تحليلهم لأسوأ بداية للأسهم فى العام الجديد، إلى التفسيرات الاقتصادية الكلية، مثل تباطؤ الاقتصاد الصيني، وما يصاحبها من زلات سياسية، ويفضل محللون آخرون، التركيز على تأثير الأسواق المضطربة مثل البترول، ومع ذلك فكلا التفسيرين غير شاملين بما يكفى، وغير قادرين على التسبب فى تغيرات رئيسية فى السيولة والتقلبات.
وتضخم تأثير تعثر النمو الصينى غير المحبب على الأسواق، من خلال بعض الخطوات السياسية غير المعتادة، ومنها التوقف المفاجىء عن تطبيق قطع التداول فى حالة انحدار السوق بأكثر من 7%، وفقدان التأثير السياسى جزئياً على سوق العملة الخارجى، وضعف التواصل.
وهذه الأسباب وحدها، غير كافية لتبرير موجة البيع التى اجتاحت العام، بما فى ذلك الولايات المتحدة، إذ فقد مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» نحو 8% فى الأسبوعين الماضيين، وهو أداء غير متناسب مع الاقتصاد الذى يواصل التعافى.
وهناك ديناميكية مشابهة فى سوق البترول، فبالتأكيد تأثرت أسعار الخام سلباً بعدم التوافق بين المعروض المتزايد، بما فى ذلك من البترول الصخرى، وبين تباطؤ النمو فى الطلب، ولكن بلا شك، تفاقمت الأمور بسبب قرار «الأوبك» بالتخلى عن لعب دور المنتج المتحكم فى الأسعار فى فترات هبوطها.
ولكن التحركات الناتجة فى البترول، ومدى مساهمتها فى عدم الاستقرار المالى الأوسع، كان مبالغ فيها، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بتأثيرها على القطاعات والدول التى تعد مستهلكة كثيفة للطاقة، والتى تستفيد من المكاسب المفاجئة من انخفاض أسعار الطاقة.
فلماذا إذن، تؤدى حتى التحركات الصغيرة فى هذين المتغيرين إلى تحركات كبيرة فى أسعار الأصول المالية، سواء لأعلى أو لأسفل؟ ولماذا تميل أسواق الأسهم العالمية بشكل عام إلى الاتجاه الهبوطى؟.
وتمر الأسواق المالية باثنين من التحولات، واللذان لا يضخمان فقط حتى أصغر الأحداث فى الصين والبترول، وإنما يتسببان بشكل عام فى تجنب المخاطر، ويخلقان الظروف لتطورات غير متوقعة.
ويتعلق الأول بتحول من نظام ممتد منذ فترة طويلة لقمع التقلبات المالية، إلى بيئة تكون فيها الاضطرابات أعلى وأقل توقعاً، والسبب فى ذلك، أن البنوك المركزية إما أقل استعداد (فى حالة الاحتياطى الفيدرالى)، أو أقل قدرة (فى حالة المركزى الأوروبى والصينى) فى التحرك لقمع التقلبات.
وعلى المدى القصير، يؤدى هذا التحول حتماً إلى تجنب أعلى للمخاطر، وتقليل المديونية، وتحمل مخاطر أقل فى المحافظ الاستثمارية، مما يضر بشكل خاص بنماذج المخاطر وأنواع الأصول التى تستخدم التقلبات كمدخل رئيسى.
ويتضمن التحول الثانى السيولة، وفى مواجهة التنظيمات الأكثر صرامة، وتراجع الشهية للانحرافات فى الأرباح على المدى القصير، أصبح السماسرة والمتداولون أقل استعداداً لحمل الأسهم فى أوقات التحركات العنيفة فى السوق، كما تواجه تجمعات الثروة الأخرى، مثل صناديق الثروة السيادية، قيوداً على زيادة تحمل المخاطر.
وسيواصل هذان التحولان، حال عدم ضبطهما، تغذية بعضهما البعض، والتأكيد على الشعور العام بعدم الاستقرار والأمان، وكلما استمر هذا الأمر، كلما ازدادت التقلبات وتضخم التهديد بتداعيات معاكسة للأسس الاقتصادية والشركات، وارتفعت المخاطر بأن عدم الاستقرار سيرتد على الأسواق المالية، مما سيؤدى بدوره إلى تغذية الدائرة المفرغة من الاضطرابات المالية والاقتصادية.
والأنباء الجيدة هى أن هذه الديناميكيات تنهك نفسها فى النهاية، ولكن هذا يحدث بعد الكثير من التقلبات، التى يصاحبها مخاطر كبيرة متعلقة بانحدار حاد وغير منظم فى أسعار الأصول المالية بالإضافة إلى تفشى عدوى الاضطراب، وخلال هذه العملية، يكون للتقلبات تأثير انكماشى على إنفاق الشركات والأسر، مما يؤدى إلى تباطؤ النمو الاقتصادى.
وسيكون حل أفضل بكثير إذا قمنا بتحسين الأسس التى ستدعم وتصحح أسعار الأصول المالية، والتى ستوفر بيئة المشاركة البنّاءة لأكوام كبيرة من النقدية مكدسة على الجانب، سواء فى ميزانيات الشركات، أو المدخرات المفرطة للأسر.
وسيتطلب ذلك الأمر تعديلاً فى السياسة، وهذه المرة لن تقع الاستجابة على عاتق البنوك المركزية بشكل عام و(الاحتياطى الفيدرالى بشكل خاص).
وبالفعل، حتى إذا لجأ «الفيدرالى» إلى برنامج جديد واسع النطاق لشراء الأوراق المالية (تيسير كمى رابع)، فإن تأثير الإجراءات الاقتصادية سيكون مشكوكاً فيه من البداية، إلا إذا صاحبتها إصلاحات هيكلية داعمة للنمو، وسياسة مالية سريعة الاستجابة، وإزالة للديون العالقة.
ومع ذلك، لا توجد نتيجة من هذه النتائج مضمونة، وإنما سيعتمد ما يأتى لاحقاً على الخيارات التى ستُتخذ فى الأسابيع والشهور المقبلة، خصوصاً من قبل الساسة الذين وضعوا، من خلال التقاعس والمشاحنات الحزبية، الكثير من العبء السياسى على البنوك المركزى منذ وقت طويل.
المصدر- وكالة أنباء «بلومبيرج»