%90 من الألبان المستخدمة فى مصر ينتجها الفلاحين و%3 من تجمعات المزارع
الشركة تضيف 4 خطوط إنتاج وتنشئ مصنعاً جديداً خلال 6 أشهر
«قتيلو»: لا توجد حوافز حكومية للمصانع
لم يكن يخطر على بال الحاج “على قتيلو”، أن معمله الذى أسسه قبل أكثر من 85 عاماً لتصنيع الجبن الدمياطي، سيكون نواة لتأسيس إحدى أكبر شركات الألبان فى السوق المصري، وأن تستحوذ عليه يوماً ما شركة عالمية بحجم “دانون” فى صفقة بلغت 120 مليون جنيه.
القدر والاجتهاد والتميز لعباً أدوار رئيسية لتحول المعمل الذى اعتمد على «المواشى والدواب» فى نقل الألبان، إلى شركة كبرى حاصلة على العديد من شهادات الجودة والضمان العالمية.
التقت «البورصة» عبدالمنعم قتيلو، رئيس مجلس إدارة شركات قتيلو لصناعة للألبان والجبن، وحفيد الحاج على قتيلو، للتعرف على تاريخ صناعة الجبن الدمياطى فى مصر وارتباطها بأسم الجد.
يحكى «قتيلو» أن البداية كانت فى مطلع القرن العشرين، عندما بدأ الشيخ «على قتيلو» –جده ـ الانتباه إلى أهمية الجبنة الدمياطى، وتميزها عن مختلف الأنواع المنتشرة فى ذلك الوقت، وقيامه بإنشاء معمل لتصنيعها.
قال «قتيلو»: «فكرة المعمل أو المصنع الصغير الذى أنشأه جدى فى مدينة دمياط كانت مبنية على فكرة الاقتصاد الدمياطى القائمة على مبدأ الشطارة، حيث استطاع التغلب على عدم وجود وسائل مبردة وسريعة لنقل الألبان لحفظها من التلوث والبكتيريا كالموجودة الآن، بإضافة الملح إلى اللبن فور حلبه لحفظه قبل عملية تصنيعه».
وأضاف أن جده بدأ باستغلال «الدواب والمواشى»، فى عمليات نقل الألبان من مزارع الألبان إلى المصنع، الذى حصل على جائزة أفضل المصانع التقليدية المنتجة بجودة ومواصفات قياسية عالمية فى مسابقة نظمتها إيطاليا قبل سنوات.
وأوضح أن الجد الأكبر حرص على إنشاء مزارع ألبان خاصة مجاورة للمصنع، لسرعة الحصول على الألبان قبل تلوثها ودخولها مباشرة لعملية التصنيع، لعدم وجود وسائل نقل سريعة آنذاك.
وأشار إلى حصول مصانع قتيلو على عضوية الاتحاد الدولى للألبان والأغذية بأمريكا، وأنها الشركة المصرية الوحيدة الحاصلة على تلك العضوية، لمطابقتها الشروط العالمية المطلوبة، كما حصلت الشركة على عضوية هيئة الأدوية والأغذية الأمريكية «FDA»، وانضمت إلى العديد من الاتحادات والهيئات العالية الخاصة بصناعة الألبان ومنتجاتها.
وأوضح أن الشيخ على قتيلو استطاع بفضل اهتمامه بالبحث العلمى أن يحصل على سلالة جديدة من الجاموس تحمل اسم «جاموس قتيلو»، عبر تهجين بعض السلالات مع بعضها البعض.
وقال إن الجد الأول قام بإنشاء ثانى مصانعه فى بداية الخمسينيات فى ميدان سرور بدمياط، ثم أنشئ المصنع الثالث بالمدينة نفسها فى بداية السبعينيات.
وتحدث عن توجه الدولة فى آواخر الثمانينيات إلى ضرورة «بسترة» الألبان، ما أدى إلى توقف العديد من المعامل والمصانع عن العمل، لضعف الإمكانات والمعدات الموجودة، إضافة إلى عدم صلاحية اللبن المصرى للبسترة نتيجة تعرضه للبكتيريا أثناء نقله من المصدر للمصنع.
وقال قتيلو: إن %30 فقط من إنتاج مصر من الألبان يصلح للبسترة الفورية، وأن %30 آخرين يمكن بسترتهم بعد إجراء العديد من العمليات الكيميائية، فيما لا يصلح %40 من الإنتاج لإجراء عملية البسترة، بسبب أنواع السلالات الموجودة فى مصر، وطريقة الحلب غير الآدمية، والنقل العشوائى.
وأشار إلى غياب ثقافة عمليات البسترة فى السوق المصرى، لضعف مستوى التعليم لدى الفلاحين أثناء القيام بعمليات الحلب، والنقل، والحفظ.
وتطرق قتيلو إلى صفقة إستحواذ شركة «دانون» العالمية على مصنع «حلايب قتيلو» مقابل 120 مليون جنيه، وقال: إن الصفقة جاءت نتيجة مطابقة المصنع للمواصفات المعتمدة من قبل «دانون»، من حيث جودة التخطيط والتنظيم الداخلى، وطرق الإنتاج، والمواصفات القياسية العالمية.
وأشار الى اهتمام الصحف الفرنسية بالصفقة، ووصفها لمصنع حلايب بأنه أحد أفضل المصانع فى إنتاج الألبان والجبن على مستوى العالم.
وذكر قتيلو أن شركته مستمرة فى التطوير بعد بيعها مصنع حلايب، وأنها ستقوم بإنشاء مصنع جديد خلال 6 أشهر، إضافة إلى إدخال 4 خطوط إنتاج توسعات خلال نفس الفترة، ورفض الإعلان عن أية تفاصيل حول القيمة الإجمالية لهذه الاستثمارات.
وتصدّر «قتيلو» %30 من إنتاجها، وتورد %70 للسوق المحلى، وتسعى الشركة لزيادة إنتاجها الفترة المقبلة.
وأشار قتيلو إلى عدم وجود بيانات دقيقة عن حجم إنتاج مصر من اللبن، لكنه توقع أن يترواح حجم الإنتاج ما بين 4.5 و5 ملايين طن لبن سنوياً، من إجمالى 6 ملايين رأس ماشية فى السوق.
وأوضح أن هولندا تمتلك نفس عدد رؤوس الماشية الموجودة فى مصر، لكن حجم إنتاجها يصل إلى 5 أضعاف الإنتاج المصرى، لاختلاف نوع السلالات وجودة الغذاء.
وأشار إلى أن %90 من إنتاج مصر من الألبان يأتى من عند الفلاح الذى يملك من بقرة الى 10 أبقار، ما يعرقل عملية إدخال التكنولوجيا الحديثة فى الإنتاج والحفظ والنقل للألبان.
وأضاف أن تجمعات مزارع الألبان الخاصة بالشركات الكبرى العاملة فى مجال صناعة الألبان والجبن، لا يتعدى حجم إنتاجها %3 فقط من إجمالى إنتاج مصر من الألبان.
وعزا تراجع صناعة الألبان المصرية وقلة قدرتها التنافسية عالمياً الى البيروقراطية، وغياب الرؤية، ونوع السلالات الموجودة فى مصر.
وتطرق «قتيلو» الى مبادرة «شروق» التى أطلقها الدكتور محمود الشريف وزير التنمية المحلية فى التسيعينات، لتطوير الريف، وصناعة الألبان، واستفادة العديد من أصحاب مصانع الألبان من المبادرة بإدخال عمليات بسترة الألبان.
وكانت مبادرة «شروق» تهدف إلى تقديم التمويل اللازم لاستحداث طرق جديدة فى الصناعة لزيادة الصادرات، عبر تطوير وتجديد المعدات والماكينات المستخدمة فى مختلف الصناعات ومنها صناعة الألبان.
وقال قتيلو إن المشروع توقف فور خروج الدكتور محمود شريف من الوزارة، ولم تحرص الدولة على استكماله أو السير على النهج المرسوم للمشروع.
واستعرض قتيلو عددا من المعوقات التى تواجه صناعة الألبان فى مصر، وتتسبب فى تراجع تنافسيتها عاليماً، وصعود دول أخرى مثل تركيا وإسرائيل، وقال: إن غياب العمل بالفكر المؤسسى، والحوافز الحكومية الخاصة بصناعة الألبان، تعرقل نمو القطاع بشكل طبيعى.
وأضاف أن العمل بنظام الفكر المؤسسى لا بفكر الشخص الواحد ممثلاً فى الوزير، هو الركيزة الأساسية لتطوير صناعة الألبان، وأن تركيا استطاعت أن تكون فى مقدمة الدول المنافسة عالمياً بفضل العمل بالفكر المؤسسى.
وطالب قتيلو بسرعة إصدار قانون الغذاء الموحد لحل أزمة تعدد الجهات الرقابية، التى تسببت فى غياب العمل وفق المواصفات العالمية القياسية للجودة.
وأشار إلى غياب الحوافز الحكومية لقطاع صناعة الألبان والجبن، من حيث عدم توفر الأراضى المرفقة بسعر مناسب، وعدم وجود مراعى طبيعية لغذاء الأبقار والاعتماد على الأعشاب والبرسيم، إضافة إلى عدم التوجه لتحسين السلالات الموجودة بالسوق.
وقال «قتيلو»: «العصر الذهبى للصناعة انتهى برحيل رشيد محمد رشيد وزير الصناعة الأسبق، صاحب الرؤية الجيدة للصناعة المصرية».
وأشار إلى وجود خطة لتطوير قطاع الألبان يستغرق تنفيذها 10 سنوات، تتضمن تغيير كل أنواع السلالات الموجودة فى مصر، وإستبدالها بأخرى منتجة، من خلال تدمير السلالات القديمة بها، وحظر توريد أو استيراد الأنواع القديمة لحين تدميرها وإنتاج سلالات جديدة.
وأوضح أن إسرائيل نفذت هذه التجربة، ما جعلها فى مقدمة الدول المنافسة عالمياً فى صناعة الجبن والإنتاج.
وتتضمن الخطة سرعة إصدار قانون الغذاء الموحد، وتقليص جهات الرقابة إلى جهة واحدة، وإنشاء مراعٍ طبيعية لتوفير غذاء جيد للأبقار والجاموس، وطرح أراضٍ مرفقة بسعر مناسب، لإنشاء مصانع ألبان داخل التجمعات الصناعية.