بقلم: جورج سوروس
تعرض رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون، ووزارة الخزانة البريطانية، وبنك إنجلترا المركزى، وصندوق النقد الدولى وغيرها، لانتقادات من قبل الحملة المؤيدة للخروج من «اليورو»، بسبب مبالغتها فى المخاطر الاقتصادية لهذا الخروج.
وانتشر هذا النقد على نطاق واسع فى وسائل الإعلام البريطانية وبين العديد من المحللين الماليين، ونتيجة لذلك، أصبح المصوتون البريطانيون يقللون بشدة من التكلفة الحقيقية للخروج.
وفى ظل تقلب نتائج استطلاعات الرأى، أرغب فى أن أقدم مجموعة واضحة من الحقائق، قائمة على 60 عاماً من الخبرة فى الأسواق المالية، لأساعد الناخبين على أن يفهموا التداعيات الحقيقية للتصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبى.
وقيّم بنك انجلترا المركزى، ومعهد الدراسات المالية، وصندوق النقد الدولى العواقب الاقتصادية طويلة الأجل لخروج بريطانيا، ويشيرون إلى تراجع الدخل سنوياً بمقدار 3000 إلى 5000 جنيه استرلينى لكل أسرة بعد 5 سنوات تقريباً من الخروج، ومع ذلك، هناك عواقب مالية فورية لم تذكر تقريباً أثناء الجدل بشأن الاستفتاء.
وبداية، سيتراجع «الاسترلينى» بالتأكيد بسرعة وبحدة حال التصويت لصالح الخروج، واعتقد أن هذا التراجع سيكون أكبر وأكثر تدميراً من الهبوط بنسبة 15%، والذى حدث عام 1992، حينها كنت محظوظاً بما يكفى لتحقيق أرباح هائلة للمستثمرين فى صندوق التحوط خاصتى على حساب البنك المركزى والحكومة فى بريطانيا.
ومن المعقول أن نفترض، بالنظر إلى التوقعات السائدة فى الأسواق حالياً، أن التصويت بالخروج سيجعل الاسترلينى يتراجع بنسبة 15% على الأقل، وربما أكثر من 20% من مستوياته الحالية من 1.46 دولار للجنيه إلى دون 1.15 دولار (وهو ما سيكون هبوطاً بنسبة تتراوح من 25% إلى 30% من متوسط سعر تداوله قبل الاستفتاء عند 1.50 دولار و1.60 دولار).
وإذا هبط الجنيه الاسترلينى إلى هذا المستوى، فمن المثير للسخرية أن الجنيه الواحد سيعادل فى قيمته يورو واحد، وهى طريقة من طرق «الانضمام إلى اليورو» لا يريدها أحد فى بريطانيا.
ويبدو أن مؤيدى الخروج يدركون أن الانخفاض الكبير فى قيمة العملة حتمى بعد خروج الدولة، ولكنهم يؤكدون أنه سيكون صحياً رغم الخسائر الكبيرة التى ستمنى بها القوة الشرائية للأسر البريطانيا، ففى الواقع، أثبت تراجع الجنيه فى عام 1992 أنه مفيد للاقتصاد البريطانى، حتى إنه تم مدحى لاحقاً على دورى فى التسبب فى ذلك.
ولكنى لا أعتقد ان تجربة عام 1992 ستتكرر، وكان الانخفاض فى الماضى مفيداً لأنه أزال عبء التزام الحكومة بالدفاع عن عملة مبالغ فى تقييمها، فى ظل ارتفاع أسعار الفائدة بشكل مدمر بعد انهيار آلية سعر الصرف، وهذه المرة سوف تكون عواقب الهبوط غير حميدة لثلاثة أسباب على الأقل.
الأول، البنك المركزى البريطانى لن يخفض أسعار الفائدة بعد انخفاض الجنيه حال الخروج، كما فعل فى عام 1992، وفى 2008 عندما تراجع الاسترلينى أيضاً بحدة، وذلك لأن أسعار الفائدة فى أدنى مستوى ممكن بحيث لا يضر باستقرار البنوك البريطانية.
وهذا سبباً آخر للقلق بشأن خروج بريطانيا لأنه إذا تسبب التراجع فى أسعار المنازل وفقدات الوظائف فى ركود – كما هو متوقع – فلن يكون أمام السياسة النقدية الكثير لتفعله لتحفيز الاقتصاد ومكافحة انخفاض الطلب المترتب على ذلك.
السبب الثاني، أن بريطانيا لديها عجز كبير جدا فى الحساب الجارى، وأكبر بكثير – نسبياً – عما كان عليه فى 1992 و2008.
وفى الواقع، تعتمد الدولة بشكل غير مسبوق فى التاريخ على التدفقات الداخلة لرأس المال الأجنبى، وكما قال محافظ البنك المركزى، مارك كارنى: «بريطانيا تعتمد على عطف الغرباء».
وعندما انخفضت قيمة الجنيه فى عامى 1992 و2008، شجعت التدفقات الرأسمالية الداخلة، خاصة فى العقارات السكنية والتجارية، وأيضاً الاستثمارات الصناعية، ولكن بعد خروج بريطانيا، ستتحرك التدفقات النقدية فى الاتجاه المعاكس بالتأكيد، خاصة خلال عامى عدم اليقين الذين ستتفاوض فيهم بريطانيا على شروط انفصالها عن المنطقة التى كانت – وستبقى على الأغلب – أكبر شريك تجارى واستثمارى لها.
أما السبب الثالث، فهو أن انخفاض الجنيه بعد الخروج على الأرجح، لن يؤدى إلى التحسن فى الصادرات الصناعية مثلما حدث بعد 1992، لأن الظروف التجارية ستكون غير واضحة لدرجة لن تسمح للشركات البريطانية بالقيام باستثمارات جديدة، وتوظيف المزيد من العمالة أو زيادة القدرة التصديرية.
ولهذه الأسباب اعتقد أن انخفاض الجنيه هذه المرة سيشبه أكثر ما حدث فى 1967، عندما لاحظ الشعب البريطانى ارتفاع تكلفة الواردات والإجازات الخارجية بحدة، وانخفضت مستويات معيشتهم بشدة.
وعلاوة على ذلك، توجد قوى تكهن اليوم فى الأسواق أكبر وأكثر قوة وتشوقاً لاستغلال أى حسابات خاطئة من جانب الحكومة أو الشعب البريطانى، والتصويت لصالح الخروج سيجعل البعض ثرياً للغاية، ولكن معظم الناخبين سيكونون أفقر بكثير.
وأريد أن يعرف الناس تداعيات الخروج من الاتحاد الأوروبى قبل الإدلاء بأصواتهم، والتصويت لصالح الخروج سيجعل بريطانيا تشهد نهاية أسبوع بها «جمعة سوداء»، وعواقب وخيمة للناس العادية.
إعداد – رحمة عبدالعزيز
المصدر – صحيفة «ذا جارديان»