القانون يأمر الشركات بما لا يُستطاع ويفتح الباب أمام المساهمين للتشكيك فى النزاهة المحاسبية
الصرافات تتعامل بالسعر الموازى وتمنح عملاءها فواتير بالأسعار الرسمية للإثبات المحاسبي
“معاطى”: الفوائض الدولارية يتم تغييرها بالسعر الموازى وتُدَوُن فى القوائم بالسعر الرسمي
“الشعبين”»: خسائر الشركات فى تدبير العملة لا تُخصم من الوعاء الضريبي
“البطران”: شركات تستورد خامات للغير بسعر السوق السوداء للتحايل على البنوك
“فخرى”: انتظار الدولار من خلال قائمة “المركزي” يعنى إغلاق المصانع فى مصر
“إمام”: جميع الشركات فى البورصة تستخدم فوائضها الدولارية لتغطية تأمين الاستيراد
أدى اتساع الفجوة السعرية للدولار بين السوقين الرسمى والموازى لوضع الشركات المساهمة فى مأزق يخص طبيعة تدوين المعاملات الدولارية فى قوائمها المالية، حيث يلزمها القانون بالقيد، وفقاً للأسعار الرسمية بفواتير معتمدة، الأمر الذى يستحيل فى ظل عدم توافر الدولار فى السوق الرسمى إلا لبعض السلع الأساسية، واتجاه معظم الشركات إلى تدبير احتياجاتها من السوق السوداء.
وبلغت الفجوة السعرية للدولار أكثر من 40%، ليصل سعر الدولار رسمياً 8.87 جنيه، مقابل 12.75 جنيه فى السوق الموازي.
ولم تجد الشركات المضطرة لشراء الدولار من السوق السوداء أمامها سوى تدوين الفارق فى بند خسائر فروق العملة الذى لا يمكن استخراج فواتير بشأنه، بما يدفع مصلحة الضرائب إلى عدم الاعتداد بتلك الخسائر من جهة، وإمكانية التلاعب فى تلك القيم من جهة أخرى.
أما على صعيد الشركات المصدرة صاحبة الفوائض الدولارية، فإنه لا يتاح لها أيضاً تسجيل أى معاملات لها فى سوق الصرف إلا بالسعر الرسمي، ومع فارق مغرٍ بين السعرين الرسمى وغير الرسمي، فإن طرقاً كثيرة للتحايل قد تسلكها بعض الشركات؛ للاستفادة من ذلك الفارق دون إثباته فى القوائم المالية، ما يضع الشركات مع مساهميها فى حلبة التشكيك فى نزاهة الإدارة دون القدرة على إثبات أى اتهام أو نزاهة، فى ظل حصول الشركات على إيصالات رسمية من شركات الصرافة.
وقال رافع البطران، رئيس مكتب رافع للمحاسبة، إن الشركات التى لديها فوائض دولارية لا تلجأ إلى عمليات الصرف فى السوق الرسمي، حيث يتجه بعضها إلى التعامل مع شركات الصرافة بإيصالات معتمدة، وفقاً للسعر الرسمى رغم أن المعاملات تتم بينهما بأسعار السوق السوداء.
وقال متعاملون فى الصرافات، إن الشركات تتعامل بيعاً وشراءً وفقاً لأسعار السوق السوداء، بينما تمنح عملاءها فواتير رسمية سواء فى عمليات البيع أو الشراء، من أجل القيد المحاسبى فى القوائم المالية للشركات، ومن أجل الرقابة الخاصة بالبنك المركزي.
وأوضح «البطران»، أن الشركات التى تعجز عن سحب أرصدتها الدولارية من البنوك بسبب القيود، قد تلجأ إلى أساليب أخرى مثل استيراد خامات تخص أنشطتها، ولكن تقوم ببيعها لشركات أخرى بالجنيه وبأسعار مرتفعة، وفقاً لأسعار السوق السوداء للدولار.
أما الشركات التى تحتاج إلى سيولة دولارية غير متوفرة لدى السوق الرسمي، فكشف «البطران» عن اتجاه تلك الشركات إلى السوق السوداء واللجوء إلى تحميل تلك الخسائر على مصروفاتها التى تتيح لها الضرائب تدوين 7% منها دون فواتير، وتحميل باقى الخسائر إلى بند خسائر فروق العملة، ودون مستندات، وبالتالى لا تعتد به الضرائب فى الخصم من الوعاء الضريبي.
وأكد عمرو الشعبينى، شريك المراجعة بشركة إرنست آند يونغ للاستشارات المالية والمراجعة، أن الضرائب تتعامل مع أرباح فروق العملة ولا تعتد بخسائرها، كما أن الشركات تواجه رقابة شديدة فى سحب أرصدة دولارية من البنوك نقداً، وتتم متابعة قنوات صرف تلك المسحوبات، وقد تضع الشركة نفسها فى موقف الاتهام إذا قامت بسحب تلك الأرصدة وتحويلها بالجنيه من خلال شركات الصرافة إذ كان يمكن لها تحويلها عن طريق البنك الذى قامت بسحبها منه.
وقال إن بند خسائر فروق العملة قد يحول نتائج أعمال شركات إلى الخسارة، ومع ذلك تقوم تلك الشركات بدفع ضرائب على الأرباح الأخرى دون خصم تلك الخسائر التى قد تتفاقم فى الفترة المقبلة مع اتساع الفجوة بين السعرين الرسمى وغير الرسمي، كما أن عدم ربط ذلك البند بأى مستندات أو فواتير قد يدفع بعض الشركات إلى التلاعب وزيادة الخسائر التى يتحملها المساهمون، لكنّ الأمر يعود إلا متابعة مراقب الحسابات واطمئنانه بشأن حساب متوسطات أسعار الصرف فى فترة إعداد القوائم المالية، أما خسائر فروق العملة فى التعاملات الرسمية وفقاً لفواتير معتمدة فإن الضرائب تعتد بها.
واعتبر محمد معاطى، مدير إدارة البحوث بشركة ثمار لتداول الأوراق المالية، أن الأمر أصبح اعتيادياً لدى الشركات وأبواب التلاعب عديدة بضغط من القانون، ولاسيما إلزام الشركات بقيد التعاملات الدولارية بالسعر الرسمى رغم عدم توفيره، بما يظلم الشركات الخاسرة، ويدفع الشركات الرابحة إلى الاستفادة من الفارق أو على الأقل عدم التصرف فى تلك الدولارات فى الوقت الراهن؛ انتظاراً لتخفيض سعر العملة، ما يشكل ضغطاً أيضاً على التعاملات الرسمية، وذلك بسبب اتساع الفجوة بين الأسعار.
وأكد أن المشكلة ليست فى القواعد المحاسبية وضمائر القائمين على إدارة الشركات، ولكنها مشكلة قانونية واقتصادية أدت إلى زيادة الفجوة بين الأسعار لتدفع الجميع إلى اتباع أساليب ربما تكون للتحوط فى حال سلامة النية، التزاماً بقانون يخالف الواقع، ولا يمكن الالتزام به، وربما يفتح ذلك أبواباً للتهرب والتلاعب يصعب إثباتها.
بينما قال أبوبكر إمام، مدير إدارة البحوث بشركة برايم القابضة، إنه لا مجال للتلاعب أو التحايل فيما يخص قيود الدولار داخل القوائم المالية، مؤكداً أن هناك رقابة صارمة من قبل البنوك على الشركات مع عدم إمكانية سحب أى دولارات نقداً، كما أن الشركات التى لديها فوائض دولارية محدودة للغاية، وتستخدمها فى الوقت نفسه فى تلبية احتياجاتها الخارجية،
وحتى إن كانت نسبة وارداتها أكبر من صادراتها، فإنها فى حاجة إلى أضعاف قيمة وارداتها لفتح الاعتمادات المستندية وإيداع التأمين البالغ 100%، ومن ناحية خسائر فروق العملة تتحملها الشركة وحدها دون الخصم من الضرائب.
واستنكر فيكتور فخرى، المدير المالى لشركة دايس، عدم احتساب خسائر تدبير العملة ضمن الضرائب، وخاصة بعد ارتفاع الفارق الكبير بين السوق الرسمى وغير الرسمى للعملة، ما يعنى تفاقم تلك الخسائر على الشركات، مقترحاً أن يتم احتسابها ضمن الوعاء الضريبى، وفقاً لمتوسط سعر السوق الموازى الذى لا يخفى على أحد ويتم احتسابها بنسب محددة من الوعاء الضريبى لتخفيض الضرر، بحيث لا تتحملها الشركة بأكملها.
وأكد «فخرى»، أن معظم الصناعات والشركات فى مصر تلجأ للسوق الموازى للدولار، لعدم توافره داخل البنوك، ما يعنى أن انتظار السوق الرسمى يؤدى إلى توقف الصناعة فى مصر، وفى الوقت نفسه تزداد خسائر فروق العملة على الشركات لاضطرارها إلى قيدها بالسعر الرسمي، وقد يؤدى بند خسائر فروق عملة إلى تحويل الكثير من الشركات خاصة الصغيرة منها إلى الخسارة، ومع ذلك قد تدفع ضرائب على إيراداتها باستثناء خصم خسائر فروق العملة التى تتكبدها الشركة.
وقال على راغب، المدير المالى لشركة إيبيكو للصناعات الدوائية، إن الشركة تقوم بأكبر عمليات تصدير بين شركات الأدوية، إلا أن إيراداتها الدولارية لا تكفى لتلبية احتياجاتها الخارجية، ورغم أنها شركة صناعات دوائية، فإن السوق الرسمى لا يوفر لها كميات مناسبة من العملة الصعبة، ما يضطر الشركة إلى اللجوء إلى السوق الموازى، وتسجيل الفارق بين السعرين ضمن بند خسائر فروق العملة الذى تتجاهله الضرائب.