قالت وكالة أنباء «بلومبرج»، إن خطة الحكومة السعودية لكبح جماح الإنفاق، والحد من الاعتماد على صادرات الطاقة بعد عامين من انخفاض أسعار البترول تفرض ضغوطاً كبيرة على المستهلكين السعوديين.
وخفض الدعم على البنزين والكهرباء والمياه، وهناك المزيد فى المستقبل. وتعهد الأمير محمد بن سلمان، مخطط برنامج التحول الاقتصادي، بالحد من أجور القطاع العام، وارتفعت رسوم التأشيرات، ما زاد من تكلفة استيراد العمالة المنزلية.
ويعد هذا تذكيراً بأن التقشف مصطلح نسبي: فالعطاءات السعودية لاتزال سخية والبنزين رخيص، وفقاً للمعايير العالمية، والعمالة المنزلية لاتزال غير مكلفة، فى حين أنها تعد فى غالبية الدول الغربية نوعاً من أنواع الترف.
ورغم ذلك، لاتزال تلك التغييرات تحولاً جذرياً لعائلة حاكمة لا تلقى خطاباً لمواطنيها فى المناسبات العامة، وتقدم بدلاً من ذلك الرفاهية الاجتماعية، وأى خروج على هذا النص يمثل مغامرةً، وفى هذه الحالة من جانب الأمير محمد.
وقال بروس ريديل، زميل بارز بمعهد «بروكينجز»، إن الخطر يكمن فى أن حزمة الإصلاحات لن تحد من اعتماد السعوديين على إيرادات البترول، ومن ثم تظل المملكة عُرضة للانخفاض الحاد فى سعر النفط، وهو ما قد يؤدى إلى حالة من عدم الاستقرار.
ويتراجع بالفعل نمو الإنفاق الاستهلاكى فى ظل تداعيات التقشف المالي، ومن المتوقع أن ينخفض بنسبة تتراوح بين 6% و7% خلال السنوات العشر المقبلة، وبين 2% و3% فى عامى 2017 و2018، وذلك وفقاً لمجموعة «كابيتال إيكونوميكس».
وانخفض الاستيراد من الاتحاد الأوروبى بنحو 10% خلال الربع الأول، وتراجعت، أيضاً، سحوبات النقدية من ماكينات الصراف الآلي، وفقاً لبيانات البنك المركزى السعودي.
ويعد جيل الشباب ممن هم فى عمر 33 عاماً بالمملكة الأكثر اعتياداً على وفرة النقدية أكثر من آبائهم، إذ ارتفع الناتج المحلى الإجمالى السنوى للفرد من 29.500 دولار فى عام 1990 إلى 53.624 دولار العام الماضي، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي.
والارتفاع المفاجئ فى إيرادات البترول غيّر ملامح المدن الرئيسية، مع ظهور مراكز التسوق وعرض المتاجر أشهر وأعرق العلامات التجارية الفاخرة، من هوجو بوس إلى لويس فويتون، وتضخمت صفوف القطاع العام بملايين المواطنين السعوديين، ويتقاضى العديد منهم أجراً أقل من العمل الذى ينجزونه.
ومن المتوقع أن ينمو الاقتصاد السعودى العام الجارى 1.5%، وفقاً لبيانات بلومبرج، وباستثناء الركود العالمى عام 2009، تعد هذه الوتيرة الأبطأ منذ أكثر من عشر سنوات، ويقدر صندوق النقد الدولى أن يستقر النمو على المدى المتوسط عند 2.5%، وهى نسبة كافية لخفض واحد من أعلى معدلات البطالة بين الشباب.
وكان من الممكن أن يكون تأثير تراجع أسعار البترول أسوأ من ذلك على السعودية.
وقال «ريدل»، إن السعوديين تجنبوا اندلاع أزمة حتى الآن؛ بسبب احتياطياتهم الضخمة.
وسحبت المملكة 175 مليار دولار من احتياطيات النقد الأجنبى منذ أن وصلت إلى ذروتها عند 737 مليار دولار فى أغسطس 2014، فى ظل مساعى الحكومة لتمويل عجز الموازنة الذى وصلت نسبته إلى 16% من الناتج الاقتصادي.
وقال الأمير محمد وفريقه، إن الوتيرة السريعة التى كانت تختفى بها الاحتياطيات هى التى جعلت خطوة الإعلان عن برنامج التحول القومى أمراً ملحاً، والذى يتضمن خفض الإنفاق العام من 45% حالياً إلى 40% مطلع عام 2020، وطرح أسهم الشركات المملوكة للدولة للاكتتاب، وتأسيس أكبر صندوق للثروة السيادية، وعدداً من القواعد التنظيمية التى تعيق شركات القطاع الخاص.
ويساور رجال الأعمال القلق حيال خطة التحول الاقتصادي، إذ اشتكى البعض أن أجواء العمل أصبحت أكثر صعوبة، بعد أن بدأت الحكومة فى تأجيل دفع مستحقات المقاولين، وانخفض مؤشر «تداول» 26% خلال العام، مقابل ارتفاع مؤشر مورجان ستانلى للأسواق الناشئة 6%، وإذا استمرت الأحوال على هذا المنوال، فقد تتسبب فى اضطرابات للأمير محمد.
وفى النهاية، فالشباب السعودى هو الذى سيحدد نجاح خطة ولى ولى العهد من فشلها، والنجاح فى توفير فرص عمل سيجعل التضحيات تستحق العناء.