ربما يعود المستثمرون الجريئون مرة أخرى إلى الأسواق الناشئة، نتيجة الاقتتال المتزايد على مطاردة العائدات.
لكن هل العائدات فى الأسواق الناشئة على وشك أن تتراجع؟
رداً على هذا السؤال، قالت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية، إنه من المحتمل حدوث ذلك، إذ يرى بنك الاستثمار الأمريكى «سيتي»، أن التضخم فى الأسواق الناشئة على وشك أن ينهار، ما يمهد الطريق لتحول التوقعات حيال أسعار الفائدة إلى التراجع بشكل حاد خلال الأسابيع القليلة المقبلة. وإذا حدث ذلك ستنخفض العائدات على السندات انخفاضاً شديداً.
وبدأ بالفعل تضخم أسعار المستهلك فى الانخفاض عبر الأسواق الناشئة، إذ تراجع من 4.5% بداية العام الحالى إلى 3.8% فى يونيو، وفقاً لبنك «سيتي».
ويفترض البنك أن تراجع معدلات التضخم يقوده اتجاهان، هما انتعاش العديد من عملات الأسواق الناشئة، ما خفض سعر البضائع والخدمات المستوردة، وانخفاض أسعار البترول بنسبة 15% منذ بداية شهر يونيو.
ومع ذلك، يقول رئيس قسم اقتصاديات الأسواق الناشئة فى بنك «سيتي»، ديفيد لوبين، إن تضخم أسعار الغذاء يسير فى الاتجاه المعاكس، ما يساعد على تباطؤ وتيرة تراجع معدلات التضخم.
فخلال الفترة ما بين أبريل ويونيو، على سبيل المثال، ارتفعت أسعار فول الصويا بنسبة 30%، وارتفعت أيضاً أسعار الأرز والذرة والسكر.
ومنذ شهر يونيو، اختلفت الصورة اختلافاً كبيراً، إذ انخفضت أسعار مجموعة من الحبوب والبذور الزيتية بنسبة تتراوح بين 15 و20%.
ويقول لوبين: «ينخفض الآن تضخم أسعار الغذاء، وربما يستمر فى الانخفاض. ويتلاشى عائق مهم يحد من التراجع فى معدلات التضخم، وإحدى نتائج هذا الأمر هى أن التضخم فى الأسواق الناشئة قد يتخذ اتجاهاً هبوطياً».
ويرى لوبين، أن الدلائل القوية على اتجاه الانكماش فى الأسواق الناشئة فاجأ العديد من الملاحظين.
ويضيف: «إذا بقينا فى عالم لم يختف فيه قريباً التحول الهبوطى فى أسعار الغذاء، أعتقد أن عواقب تراجع معدلات التضخم ستفاجئ الناس».
وسيعزز انخفاض أسعار الغذاء تراجع معدلات التضخم فى الدول المتقدمة، أيضاً، بالطبع، ولكن تأثيره سيكون أكثر وضوحاً فى الأسواق الناشئة؛ نظراً إلى ثقل وزن الغذاء فى سلة التضخم.
ويشكل الغذاء والمشروبات غير الكحولية نحو نصف سلة مؤشر أسعار المستهلك فى أوكرانيا، و45% من سلة التضخم فى الهند وأكثر من 25% فى الفلبين وبيرو ورومانيا وروسيا وتايلاند وماليزيا وكولوميا. وفى كل هذه الدول، يعد الغذاء أكثر أهمية بكثير فى تحديد التضخم فى أسعار المستهلكين.
وأفادت البيانات التى أصدرتها الصين، الأسبوع الماضى، بأن أسعار الغذاء والتبغ والمشروبات الكحولية ارتفعت بنسبة 2.8% خلال العام الحالى حتى يوليو، أى أقل بنقطة مئوية عن قراءة شهر يونيو، ما ساعد معدلات التضخم فى الوقوف عند مستوى معتدل بلغ 1.8%.
ومع ذلك، ارتفعت أسعار الغذاء فى البرازيل إلى 13.6% على أساس سنوى فى يوليو- وهى أعلى قراءة لها منذ أوائل عام 2013 جراء تراجع الحصاد وانخفاض قيمة الريال والارتفاع غير المتوقع فى أسعار اللبن- ونتيجة ذلك، انخفض إجمالى التضخم بنحو عشر نقاط فقط ليقف عند 8.7%.
ويتوقع لوبين، أن يبدأ تأثير انخفاض أسعار البترول، فى الظهور بقراءات التضخم قبل نهاية العام الحالي، ما يعزز الرأى القائل بأن البرازيل وكولومبيا وتشيلى وبيرو، وصلت إلى نهاية دورات تشديد سياساتها النقدية.
ويرى الرئيس العالمى لاستراتيجية عملة الأسواق الناشئة لدى «براون براذرز هاريان»، وين ثين، أن انخفاض أسعار الغذاء سيعزز اتجاه تخفيف السياسة النقدية الموجود بالفعل فى غالبية الأسواق الناشئة، فعلى سبيل المثال، من المرجح أن تبدأ البرازيل فى خفض أسعار الفائدة قريباً فى أكتوبر، وستخفض تشيلى وبيرو أسعار الفائدة العام المقبل، وستحذو حذوهما الهند وإندونيسيا والفلبين وكوريا الشمالية.
ومع ذلك، فإن بعض الخبراء أقل اقتناعاً باتجاه الدول الناشئة نحو مزيد من تخفيف السياسة النقدية، إذ يقول كبير خبراء اقتصاد الأسواق الناشئة لدى «كابيتال إيكونوميكس»، نيل شيرينج، إن بعض البنوك المركزية قد تختار دراسة تأثير انخفاض أسعار الغذاء، خصوصاً أن الانخفاض تقوده أحوال الطقس العالمية أكثر من تراجع الطلب المحلي.
وعلاوة على ذلك، فبحلول الربع الأول من 2017، قد لا تكون أسعار الطاقة على أساس سنوى سلبية، ما يبطل تأثير انكماش أسعار الغذاء.
ويرى شيرينج، أن تطورات السياسة النقدية فى الولايات المتحدة قد تحد من حرية الأسواق الناشئة فى خفض أسعار الفائدة.