من المؤسف أن نرى هوس المشاركين والمراقبين فى السوق بالتوقيت الدقيق للرفع القادم لأسعار الفائدة من قبل الفيدرالى الأمريكى، وتخضع خطابات وتصريحات المسئولين فى الفيدرالى لتحليل دقيق للحصول على أى إشارة عن موعد الرفع، فهل سيتم الرفع فى اجتماع اليوم الأربعاء أم سينتظر الفيدرالى حتى ديسمبر؟
ويخلق التركيز على التوقيت تقلبات مالية غير ضرورية، رغم أن الفحص الهادئ لمحركات النشاط الأقتصادى وأسعار الأصول سوف تخبرنا بأن توقيت الرفع القادم لا ينبغى أن يمثل كل هذه الأهمية، وعلاوة على ذلك، فإن مدى تأثير الفيدرالى على المستقبل المالى والاقتصادى يعتمد على مجموعة أكبر بكثير من العوامل، لا يخضع عدد كبير منها لسيطرة المركزى الأمريكى.
ورغم إغراء الاشتراك فى جنون التوقيت ذلك، هناك 5 تساؤلات رئيسية يمكننا التركيز عليها للحفاظ على سلامة تفكيرنا:
التساؤل الأول، هل التوقيت الدقيق لرفع الفائدة المقبل سوف يكون له تأثير على أين سينتهى الأمر بأسعار الفائدة الرسمية فى نهاية الدورة المنخفضة الحالية، أو ما يعرف بالقيمة النهائية؟
لا لن يكون له تأثير، وذلك لأن القيمة النهائية تحددها مجموعة أوسع بكثير من المتغيرات المالية والاقتصادية المستقلة بشكل كبير عن توقيت الرفع المقبل، وتتضمن الإنتاجية، وهيكل الاقتصاد، وعمق الوساطة المالية، والتفاعلات مع بقية العالم، كما أن هناك إدراكا متناميا داخل الفيدرالى وخارجه بأن القيمة النهائية المحتملة لأسعار الفائدة التى ستتراوح بين 2% إلى 3% سوف تكون دون المتوسطات التاريخية.
والثانى، هل توقيت الرفع المقبل سيؤثر على مسار الدورة الحالية لأسعار الفائدة؟
الإجابة هى لا مجددا، وعلى الأرجح سوف تحدث الزيادات فى أسعار الفائدة على فترات زمنية غير منتظمة بل إنه يمكن تخفيضها بعد رفعها فى بعض الأحيان.
والثالث، هل التوقيت سيغير ما سوف تقوم به البنوك المركزية الأخرى ذات الأهمية النظامية؟
تعد هذه احتمالية بعيدة، ففى الوقت الذى يدرسون فيه المزيد من المحفزات الإضافية، لدى البنك المركزى الأوروبى والمركزى اليابانى اعتبارات محلية أكثر أهمية ليأخذوها فى الاعتبار، بما فى ذلك، احتمالية المزيد من الضعف فى النشاط الاقتصادى، وتجدد مخاطر الانكماش، بجانب الحاجة لتقييم التداعيات غير المقصودة لأسعار الفائدة السلبية، والمخاوف من أن السياسة النقدية أصبحت أقل فاعلية بكثير، وحتى لها نتائج عكسية كما فى حالة المركزى اليابانى.
أما التساؤل الرابع، هل التوقيت، خاصة الرفع فى سبتمبر سوف يغير الآفاق قصيرة الأجل لأسعار الأصول المالية؟
على الأغلب نعم، ونظريا، سوف تكون الأصول الأكثر حساسية هى السندات قصيرة الأجل وأسعار الصرف، ومع ذلك، من المفترض ألا يكون التأثير كبيرا ونظاميا بالنظر إلى التساؤلات الثلاثة سابقة الذكر، وعمليا، قد يلحق برفع الفائدة تقلبات أعلى بالنظر إلى اعتماد الأسواق المفرط على دعم البنك المركزى، ما قد يؤثر على مجموعة أكبر من الأصول.
وهذا السيناريو الثانى هو الأكثر احتمالية خاصة أن الأسواق لا تزال تستبعد احتمالية رفع الفائدة الأسبوع الجارى رغم الإشارات المتكررة من العديد من المسئولين فى الفيدرالى على عكس ذلك.
وأخيرا، هل سيؤثر توقيت الرفع المقبل على الاقتصاد؟
قد يكون هناك بعض التأثير نتيجة التقلبات المالية الأعلى، ولكنه سيكون على الأرجح مؤقتا ويمكن احتواؤه، وتعتمد الآفاق الاقتصادية على 3 عوامل أخرى خارجة عن سيطرة البنوك المركزية وهى أولا أن احتمالية التحول عن الاعتماد المفرط على البنوك المركزية إلى موقف سياسى أكثر شمولية قد تؤدى إلى إصلاحات هيكلية داعمة للنمو.
وثانيا، اتجاهات الإنتاجية بما فى ذلك دور الابتكار والاستثمار فى البنية التحتية فى مكافحة الركود العام، وثالثا تطور الأحداث فى الصين وأوروبا.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء بلومبرج