يعد تخفيض الاحتياطى الفيدرالى توقعاته لمعدلات النمو وأسعار الفائدة نهاية الشهر الماضى، تذكيرا بالإجماع المتزايد حول أن النمو العالمى الضعيف، والمستقر نسبيا قد استمر لفترة أطول مما يجب، وربما يحق لنا التفكير بأن السنوات القلية المقبلة ستكون على الأرجح تكرارا لـ«الوضع الطبيعى الجديد» القائم منذ سبع سنوات.
ولكن على الأرجح سيكون الواقع مختلفا، وفى الوقت الراهن، هناك 3 سيناريوهات محتملة للاقتصاد العالمى خلال السنوات المقبلة، وهى استمرار التقدم المتعثر أو ركود اقتصادى ومالى كبير، والثالث انطلاق محبذ للنمو.
ومن بين هذه السيناريوهات، يعد استمرار الأداء الضعيف حاليا الأقل احتمالية، خاصة أن فى ظل استمرار الأمور على ما هى عليه الآن، ينبغى أن نكون واثقين بأن التوترات الاجتماعية والسياسية والمالية والاقتصادية الناجمة عن النمو الضعيف، لن تصبح المحركات الحاسمة للاقتصاد، وهو غير وارد فى ضوء ما يحدث على الأرض يوميا.
وبدءا بالظروف الاقتصادية، تمتد عواقب النمو الضعيف إلى ما وراء الفرص الضائعة اليوم، وكلما استمر الضعف، تآكلت فرص النمو مستقبلا، وهو ما تؤكده تعاملات الشركات التى أصبحت أكثر حذرا، وأجلت الخطط الاستثمارية، ومع الوقت يدمر ذلك معنويات المستهلكين، ويضعف محركا رئيسيا للنمو.
وتتضخم هذه المخاوف بعد أن ذهبت فوائد النمو المحدود للفئات الميسورة من السكان بنسب متفاوتة، مما قوض تنوع ومرونة آليات النمو.
وتعمل مثل هذه الأحوال الاقتصادية المحبطة كوقود للاستقطاب والشلل السياسي، وتهز الثقة فى «آراء الخبراء»، وعندما يجتمع ذلك مع تفاقم عدم المساواة فى الدخل والثروة والفرص، تزداد حدة الشك فى النخبة الحاكمة والقيادة، سواء فى القطاع العام أو الخاص.
وكلما استمرت المشكلات الاقتصادية، تفشت سياسات الغضب، خاصة مع التقدم التكنولوجى الذى يسهل آليات حشد الأفراد ذوى الأفكار الواحدة، وهذا بدوره يضع ضغوطا أكبر على الساسة.
ورغم عدم اليقين، كافأت الأسواق المالية ذات التقلبات المنخفضة العديد من المستثمرين بأرباح عالية، ويعود الفضل فى ذلك للبنوك المركزية.
وبدافع من استهداف نتائج اقتصادية أفضل، وفى ظل عدم امتلاكهم سوى «قناة الأصول» تحت تصرفهم، اضطرت البنوك المركزية لتطبيق إجراءات تجريبية تتضمن أسعار الفائدة السلبية وشراء الأصول، ولكن مع الاعتماد لفترة طويلة على هذه التدابير الاستثنائية تأتى المخاوف بشأن الآثار الجانبية والعواقب غير المقصودة.
وتعد التقييمات المالية المشوهة والتحمل المفرط للمخاطر تهديدات حقيقية لصحة الاقتصاد العالمى مستقبلا، خاصة عندما تكون السياسية النقدية غير مدعومة بإصلاحات هيكلية معدة جيدا وبتنسيق دولى، ونتيجة لذلك، لا ينبغى على الأسواق أن تظل واثقة فى قدرة البنوك المركزية على قمع التقلبات باستمرار.
وإذا وضعنا كل هذه الأمور معا، سيكون من الصعب أن نرى كيف سيتمكن الاقتصاد العالمى من احتمال سنوات عديدة مقبلة من النمو المنخفض ولكن المستقر، وبدلا من ذلك، سيكون السيناريوهان الآخران أكثر احتمالية اعتمادا على كم سيستغرق الأمر من الأنظمة السياسية فى الولايات المتحدة وأوروبا للاستجابة لتحديات الجيل الحالى.
وإذا استمرت الاستجابة السياسية فى تخييب الآمال، فإن النمو المنخفض سيمهد الطريق لركود، وحينها سوف تحل الاضطرابات محل الاستقرار المصطنع فى النظام المالي، ولكن إذا تحمل الساسة مسئولياتهم الاقتصادية، سيكون سيناريو انطلاق النمو ليس فقط محتملا، وإنما مرجح.
بينما سننتظر لنرى كيف سوف يتصرف الساسة، هناك أمر واحد فقط واضحا، وهو أن «الوضع الجديد» يقترب من نهايته، والسبب بسيط، وهو أنه استمر لفترة أطول مما ينبغى لدرجة أنه يغذى بنفسه أسباب دماره.
إعداد: رحمة عبدالعزيز المصدر: صحيفة «فاينانشال تايمز».