عرقلة اتفاقات دولية جراء خضوع الساسة للضغوط الشعبية
%1 ضرائب شركة أبل فى أيرلندا نتيجة حرية تنقل الأموال
تأسس مصنع «الثورة» فى جريسنبور عام 1900 لتصنيع المنسوجات القطنية بولاية نورث كارولينا وتميز المبنى العريق بأحرف كلمة «ثورة» المرسومة بالطوب الأحمر وكان ذلك فى وقت ازدهار المؤسسات المحلية.
وتحركت صناعة القطن الأمريكية جنوباً من نيو انجلاند للاستفادة من انخفاض الأجور فتضاعف عدد المصانع فى الجنوب بين عامى 1890 و1900 إلى 542 مصنعاً، وبحلول عام 1938 أصبح مصنع «الثورة» هو الأكبر فى العالم المتخصص فى صنع أقمشة الملابس الداخلية بطاقة إنتاجية تبلغ 50 مليون ياردة من القماش سنوياً.
وتقول مجلة الايكونوميست البريطانية، إن المصنع احتفظ بشكله القديم بأرضياته الصلبة والروافد الخشبية الأصلية، لكن لم يعد يُسمع له صوت لأكثر من ثلاثة عقود بعد توقفه عن العمل عام 1982 فى إنذار مبكر لقدوم ثورة أخرى على نطاق عالمى.
وتجسدت صورة الثورة الجديدة لصناعة الغزل والنسيج فى عصر هجرة المصانع بحثاً أيضاً عن العمالة الرخيصة، لكن الوجهة هذه المرة أمريكا اللاتينية وآسيا.
وفى نصف العقد الأول من القرن الحالى هاجر مصنع توماسفيل للاثاث الى الصين لاول مرة منذ تأسيسه فى عام 1950 فى ولاية كارولينا الشمالية حفاظاً على نجاحه الذى كان من الصعب مواصلته داخل الولايات المتحدة.
لكن الجانب المظلم فى الأمر هو تضرر ولاية كارولينا الشمالية من عولمة مفهوم الاقتصاد المفتوح الممزوج بدعم الدول للمنافسين الاجانب.
ويستفيد المنافسون الأجانب من الدعم غير العادل والقواعد المترهلة، مما زاد من القلق فى جميع أنحاء العالم الغربى حول العولمة وهذا النوع غير المستقر للرأسمالية، ونتيجة لذلك ظهرت ردة فعل مضادة لتحرير التجارة مما أعاد تشكيل سياسات الدول.
ويلقى دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهورى للانتخابات الرئاسية الامريكية دعماً من الرجال ذوى الياقات الزرقاء (العمال) فى الأماكن التى فقدت الكثير من وظائف التصنيع فى الفترة ما بعد عام 2001 إثر تعرض أمريكا لارتفاع الواردات من الصين التى يقول انه سيفرض عليها تعريفات عقابية.
وتعهد ترامب من جانبه ببناء جدار على طول الحدود مع المكسيك لمنع تسلل المهاجرين الذين يعتبرهم سبب الكوارث الأمريكية على حد زعمه.
وتبرأت هيلارى كلينتون مرشحة الحزب الديمقراطى من اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ وهو اتفاق تسهيل التجارة مع دول آسيا التى ساعدت فى التفاوض لإنهائه.
وتعثرت مؤخراً محادثات اتفاقية تجارة جديدة مع الاتحاد الأوروبى للشراكة التجارية والاستثمار عبر الأطلنطى حيث يعارضها حالياً كبار السياسيين فى ألمانيا وفرنسا لمواكبة المعارضة الشعبية للاتفاق، الذى يهدف إلى رفع عوائق الاستثمار والحواجز التنظيمية بين أوروبا وأمريكا.
وفى داخل التكتل الأوروبى العريق بدأ التململ من التزام الدول الاعضاء بحرية تنقل الأشخاص وكان خروج بريطانيا فى يونيو الماضى تتويجاً لضغوط شعبية فى واحدة من الاقتصادات الأقوى فى أوروبا، وظهر دعم الانسحاب من الاتحاد الأوروبى قوياً فى شمال انجلترا وويلز بسبب تراجع الكثير من الصناعات التحويلية هناك نتيجة هجرة الاستثمار بحثاً عن تكلفة أقل، ولكن ذروة دعم خيار مغادرة السوق المشتركة كانت فى المناطق التى شهدت زيادة كبيرة فى أعداد المهاجرين فى السنوات الأخيرة.
ومنذ التصويت البريطانى على الرحيل ترددت اصداء الدعوة فى فرنسا وهولندا وألمانيا وإيطاليا والنمسا وهو فى الحقيقة نداء من أجل مزيد من الحدود المغلقة، والعقبات أمام الهجرة وزيادة الحواجز أمام التجارة.
وهناك حالة من القلق المتزايد أيضاً من الحركة غير المقيدة لرأس المال حيث تستغلها الشركات فى الانتقال الى أماكن الضرائب المنخفضة فضلاً عن ملاذات التهرب الضريبى لإخفاء الثروات.
وفى الوقت الذى تشدد فيه أمريكا القيود على نقل اموال شركاتها للخارج يعلو صوت الأوروبيون رافضين دور الشركات الأمريكية فى الكثير من الحيل الذكية لتجنب الضرائب.
وفى أغسطس الماضى أمرت المفوضية الأوروبية أيرلندا باسترداد ما يصل الى 14.5 مليار دولار ضرائب غير مدفوعة من شركة أبل التى دفعت متوسط 1% ضرائب فقط بسبب استغلال ثغرات قانونية.
ومن أضرار حرية حركة رأس المال انتقال عدوى الأزمات لجميع أنحاء العالم مثل أزمة الرهن العقارى الأمريكية التى انتشرت بسرعة إلى مناطق أخرى، وتكرر الأمر مع أزمة تعثر الديون فى دول الاتحاد الأوروبى بداية من اليونان ثم إيطاليا وأيرلندا والبرتغال وأسبانيا.
لكن المدافعين عن تحرير التجارة يؤكدون أن الأضرار التى لحقت ببعض الأطراف ناجمة عن تراجع النمو العالمى وطول فترة الركود الاقتصادى بعد ازمة الائتمان فى 2008.
ويشير هذا الفريق إلى عوامل مؤثرة أخرى منها التغير التكنولوجى الذى زاد من البطالة وفجوة الأجور بين الطبقات الأفضل تعليماً والأقل تعليماً بسبب حالة التطور التقنى وانتقال ذلك التطور إلى الدول الصاعدة أيضاً.
كذلك أثر الظهور السريع للصين كقوة اقتصادية تعتمد على التصدير إلى البلدان متوسطة الدخل لإنقاذ مئات الملايين من مواطنيها من براثن الفقر.