من الطبيعى أن تحصل الدولة على إيرادات ضريبية من تلك الكتل الأسمنتية العظيمة التى انتشرت بطول الساحل الشمالى الغربى، وفى كثير من منتجعات راقية غير مأهولة بأكثر من 20% من مالكى الوحدات المقامة فيها على أفضل تقدير!!.
طبيعى أن تلاحظ الدولة هذا النشاط غير المنتج الذى يلقى بمئات المليارات فى الهواء ليغذّى فقاعة عقارية كبيرة، سوف تنفجر بالتأكيد إذا انكشفت الفجوة العميقة بين المعروض العقارى وبين الطلب الفعّال المدعوم بقوى شرائية يمكنها فعلاً شراء تلك الوحدات بأسعارها الخرافية التى تتزايد يومياً بغض النظر عن حجم المبيعات أو الصفقات الفعلية!.
طبيعى أيضاً أن تفتش الدولة فى مكاسب سماسرة الإنترنت العقاريين الذين يحققون مكاسب صافية كبيرة جداً بغير تكاليف ولا تراخيص ولا مكاتب ولا ضرائب مهن حرة…
لكن الذى حدث غير ذلك تماماً فقد صدر قانون الضرائب العقارية دون تمييز بين تجار تسقيع العقارات وبين قاطنى تلك العقارات وحائزيها بغرض السكن! كان منطقياً أن تخرج المسودات الأولى للقانون لتعفى المسكن الخاص من الضرائب تماماً، لكن وضع شرط لقيمة العقار بحيث إذا تجاوزها يصبح الساكن مضطراً لدفع ضريبة سكن للدولة التى لم توفّر له السكن أصلاً، وتركته ليبحث عن وحدات فى المدن الجديدة ويتحمل فى ذلك جميع مشاق البعد المكانى وتكاليف الانتقالات والبحث عن مدارس مناسبة.. إلى غير ذلك من خدمات يعز تواجدها فى تلك البقع الجديدة.. وفوق هذا وذاك تدخلت الدولة بمزاداتها الفاشلة قبل الثورة لتشعل الأسعار السوقية للعقارات دون تدخل من قاطنيها، ودون أي قيمة مضافة حقيقية للمدن الجديدة التى ارتفعت بها الأسعار سوى تحوّل الاستثمار العقارى إلى الوعاء الاستثمارى الخاص الوحيد تقريباً الذى تموّله البنوك ويحقق عائداً استثنائياً على مدفوعاته!
هنا يعاقب المواطن غير المستثمر فى العقار والذى يستخدمه
فقط بغرض السكنى مرتين.. مرة حينما تحمّل ثمن العقار بغير أى بديل مجدٍ للتمويل العقارى كما هى الحال فى مختلف الدول. ويعاقب المواطن مرة أخرى حينما تخضع رقبته لتقدير جزافى لموظفين محدودى الكفاءة والتدريب، يقيّمون مسكنه وفقاً لحالة السوق المتخمة أصلاً بالفقاعات! ثم يقدّرون له قيمة إيجارية.. ثم يحاسبونه على ضرائب مستحقة على تلك القيمة!!! ما الذى حوّل المالك فجأة إلى مستأجر بينما نكافح لإعادة الوضع الطبيعى الذى لم يكن فيه المستأجر مالكاً ومورّثاً قبل ثورة يوليو 52؟!
وما هو البديل أمام هذا المالك المطالَب بدفع ضريبة على مسكنه لو لم يجد قيمة الضريبة؟!..الطرح الساذج هو أنه يبيعها وينتقل إلى عقار أصغر أو أرخص بتعبير أدق!! هذا محض هراء، لأن السوق العقارية لا تتمتع بهذا القدر من السيولة؛ فالأسعار ترتفع على الرغم من توقّف البيع والشراء بفعل المنتفعين والسماسرة المحتالين وأخطاء الدولة فى تخصيص الأراضي.. كما أن هذا التقدير الجزافى يفتح أبواباً للفساد والمساومات حتى وإن تم التقييم من خلال لجان مختصة كما يحدد التشريع.
يجب مراجعة هذا القانون وإعفاء المسكن الخاص تماماً من أي ضريبة مهما كانت قيمته السوقية، وليدفع عنه ضريبة هذا المالك لو أنه باع مسكنه فعلاً لا تقديراً وبيعاً بالنوايا!! وكأنك تفرض ضرائب على أرباح رأسمالية لم تتحقق فعلاً ولكنها تقديرية دفترية لو أراد مالك الأصل بيعه!! أما العقار الثانى المدّخر كوعاء للقيمة سواء أتم استغلاله بالتأجير أو تم تسقيعه فلتفرض عليه الدولة ضريبة عقارية مرتفعة محققة العديد من أهداف الجباية وإصلاح خلل الاقتصاد الريعي.
د. مدحت نافع
خبير الاقتصاد والتمويل وإدارة المخاطر