منذ بداية ثورات الربيع العربى، عانت مصر عدة صعوبات على مدار السنوات الخمس الأخيرة، إذ تسببت حالة عدم الاستقرار السياسى والاقتصادى في تراجع ثقة المُستثمرين والحدّ من النمو.
وبلغ نمو الاقتصاد المصرى بين عاميّ 2011 و2015 نسبة 2.5 فى المئة سنوياً. كما انخفض احتياطى النقد الأجنبى إلى مستويات متدنية بالإضافة إلى ذلك، أثَّرت العملة المُغالى فى قيمتها سلباً على القُدرة التنافُسية للصادرات المصرية، وحال نقص العُملة الأجنبية دون مشاركة الشركات المحلية والأجنبية فى الاقتصاد.
غير أن مصر اتخذت فى الشهر الماضى خطوةً مهمةً نحو تحقيق الاستقرار الاقتصادى، وتنشيط القطاع الخاص، إذ بدأت سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية الجريئة، شملت خفض الدعم الموجّه للوقود، وفرض ضريبة القيمة المُضافة، وتحرير قيمة سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية. وجارٍ إطلاق العديد من المُبادرات لتحفيز الاستثمارات الخاصّة وخفض تكاليف ممارسة الأعمال التجارية.
وهذه التغييرات تعد من أهم التغييرات التى أجرتها مصر على مدى العقود الماضية، إذ إنها تعتبر حجر أساس لاقتصاد جديد أكثر مرونة، تدعمه شركات خاصّة مُبتكرة وأكثر قدرة على خلق الفرص التى يسعى إليها الشعب المصرى.
ومن المتوقع أن تؤدى تلك التغييرات لتعزيز دور القطاع الخاص فى تحسين الوضع الاقتصادى المصرى، وخفض مُعدّلات البطالة وتحفيز الاستثمار الأجنبي.
غير أن تحقيق تلك الأهداف لن يكون بالأمر الهين. فعلى المدى القصير، من المُرجَّح أن تكون الإصلاحات مؤلمة، خصوصاً بالنسبة إلى ملايين المصريين ذوى الدخل المحدود، الذين يعتمدون على الدعم الحكومى فى أشياء مهمة مثل الوقود. لذلك يجب أن تكون الإصلاحات الحكومية مصحوبة باتّخاذ التدابير اللازمة لتعزيز الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر حاجة من خلال الدعم الموجّه.
البقاء فى المسار أمر بالغ الأهمية
لماذا؟
لقد ظل المُستثمرون فى وضع «الانتظار والترقُّب» منذ عام 2011. وقد انخفض الاستثمار الأجنبى المُباشر بنسبة تجاوزت الثُلثين بعد الثورتين اللتين شهدتهما مصر خلال السنوات الست الماضية، حيث وصل لأدنى مستوى له، مقارنة بما كان عليه قبل الثورتين. ومن المتوقع أن تساعد الإصلاحات، التى أُعلِن عنها الشهر الماضي، فى تصحيح المسار.
وسيزيل خفض دعم الوقود الثغرات الموجودة فى السوق، كما سيُشجِّع الشركات على أن تعمل بمزيد من الكفاءة. وسيعود ذلك بالنفع على قطاع الطاقة المُتجددة الواعد فى مصر، ما يجعل مزارع الرياح ومحطات الطاقة الشمية أكثر قدرة على منافسة محطات الكهرباء التى تعمل بالنفط والغاز.
وستُساعد ضريبة القيمة المُضافة على زيادة الإيرادات الحكومية، وخفض العجز المالى المتضخم فى البلاد.
وأخيراً، ستُصبِح مصر – نتيجة تحرير سعر الصرف – وجهة أكثر جذباً للمُستثمرين الأجانب والسياح، وستصبح السلع والمُنتجات المصرية أكثر قدرة على المنافسة فى السوق العالمي.
ولكن هذه الإصلاحات فى حدّ ذاتها ليست كافية لإنعاش الاقتصاد المصري، إذ تحتاج أن تقترن بتغييرات هيكلية أخرى تُشجِّع على تطوير القطاع الخاص. وتُعتبر المُبادرات التى أعلِن عنها مؤخراً لتحسين مناخ الاستثمار، بداية جيدة. ويُمكن للحكومة أن تتخذ خطوات إضافية لخلق الفرص الاستثمارية.
أولاً، يجب على الحكومة مواصلة تنفيذ الشراكات بين القطاعين العام والخاص فى مجال البنية التحتية، وبذلك يُمكن لشركات القطاع الخاص أن تستخدم رأسمالها وخبراتها الفنية لتقديم الخدمات التى من شأنها تحسين حياة المصريين. فمنذ خمس سنوات، دعمت الحكومة شراكة بين القطاعين العام والخاص، وقامت بتشييد مرفَق رائد لمُعالجة مياه الصرف الصحّى على أطراف محافظة القاهرة.
ومن الممكن إقامة العديد من المشروعات الرئيسية الأخرى، من محطات الطاقة ومروراً بالمُستشفيات إلى محطات الشحن.
ثانياً، يجب أن تبذل مصر مزيداً من الجهد لتيسير حصول الشركات الصغيرة والمتوسطة، والمحرك الرئيسى للاقتصاد، على التمويل الذى تحتاجه لتحقيق الازدهار. ولتحسين فرص الحصول على التمويل، فوجود قانون الضمانات المنقولة من شأنه تعزيز البنية التحتية المالية، ومن ثم تيسير حصول الشركات الصغيرة على القروض.
ثالثاً، لتسليط الضوء على الإمكانات غير المُستغلَّة لدى القوى العاملة الشابّة فى مصر، يتعيَّن على الحكومة تشجيع إنشاء كليات فنية ومعاهد التدريب المهنى، لا سيما تلك المتخصصة فى مجالات مثل تكنولوجيا المعلومات والخدمات اللوجستية، الأمر الذى سيسهم فى تحلى الطلاب بالمهارات اللازمة للحصول على فرص عمل.
وأخيراً، يُعتبر توجيه الاستثمارات إلى مسرعات (accelerators) الأعمال للشركات الناشئة، وصناديق الاستثمارالجريئة (venture capital) أمراً ضرورياً. ومصر لديها العديد من هذه الشركات الناشئة النشيطة، فى ظل وجود شركات مثل «Flat6labs» و«Algebra» و«ومضة». وتحتاج البلاد لمزيد من هذه الشركات لخلق اقتصاد معرفى، من شأنه توفير فرص عمل مُجزية للشباب.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تمتلك مصر إمكانات هائلة على المدى الطويل. فلديها موقع استراتيجي، وعدد كبير من الشباب، وقاعدة استهلاكية كبيرة، وتراث ثقافى غني.
إن البلاد تمضى بخطى واسعة نحو تأسيس مُستقبل أفضل لشبابها. وقد تستغرق الإصلاحات بعض الوقت لتؤتى ثمارها. غير أن المجتمع الدولى يدعم مصر فى هذه المرحلة الانتقالية. وقد استثمرت مؤسسة التمويل الدولية IFC نحو 2.8 مليار دولار فى مصر على مدى العقد الماضي، وسنواصل دعم تطوير البنية التحتية للبلاد مع تعزيز قدرتها التنافسية وتحسين فرص الحصول على التمويل وتعزيز تنمية المهارات لدى الشباب.
ومصر لديها فرصة عظيمة، لتحفيز القطاع الخاص على الاستثمار فى مُستقبل البلاد. ونحن مؤسسة التمويل الدولية «IFC» على أتمّ الاستعداد للمُساعدة فى تمويل تلك الاستثمارات.
فيليب لو هورو، هو نائب الرئيس التنفيذي والمدير التنفيذي لمؤسسة التمويل الدولية (IFC)، أحد أعضاء مجموعة البنك الدولي.