عضو بارز بـ«مستثمرى بدر» يؤسس شركة سمسرة لبيع الأراضى بالمنطقة الصناعية
«محررة الجريدة» تتواصل مع السمسار لشراء قطعة أرض بالطرح الأخير.. وتحصل على وعود بالتخصيص مقابل عمولة 250 جنيهاً فى المتر
«الجرف» يطالب بإسناد مهام التخصيص لـ «الوطنى لتخطيط الأراضى» ووقف نظام التمليك
«المرشدى»: إلغاء المطور الصناعى والبيع بـ«التوكيلات» ضرورى لحل الأزمة
العادلى: القوانين واللوائح معيبة وتسمح للسماسرة باختراقها
«خميس»: يجب وضع المتنازلين عن الأراضى فى «قوائم سوداء»
«المنوفى»: 50% من أراضى ومصانع «العاشر» و«أكتوبر» المغلقة تؤجر كمخازن لمستثمرين آخرين
«فتوح»: تسريب كشوفات الفائزين بالطرح يشير إلى إمكانية التلاعب فى ترسية الأراضى
على الرغم من إعداد هيئة التنمية الصناعية آليات وضوابط عديدة لمنع الإتجار فى الأراضى الصناعية، إلا أن تلك الظاهرة لم تختف بل أصبحت ممنهجة ومنظمة فى عدد من المناطق الصناعية، وتنفذ تحت إشراف مستثمرين أعضاء بتلك المناطق.
وكشفت «البورصة» فى تحقيق لها، «ألاعيب السماسرة» للإتجار فى الأراضى الصناعية التى تطرحها هيئة التنمية الصناعية للمستثمرين بمدينة بدر، من خلال التواصل المباشر مع عدد من أولئك السماسرة الذين أسسو لأنفسهم شركات لتكون ستار لممارساتهم غير المشروعة.
وأظهر التحقيق قيام عضو بارز بجمعية مستثمرى بدر الصناعية (تتحفظ الجريدة على نشر اسمه)، بتأسيس شركة لإدارة نشاط السمسرة فى الأراضى الصناعية والعقارية بالمدينة.
وكانت «البورصة»، نشرت قبل أسبوعين قيام أحد سماسرة الأراضى بمدينة بدر الصناعية بالحصول على كشف غير معتمد بأسماء الفائزين بقطع الأراضى التى طرحتها هيئة التنمية الصناعية العام الماضى، وأخطر الفائزين قبل الإعلان الرسمى بهدف التواصل للبيع والشراء على القطع الجديدة.
وكشفت عن قيام السماسرة بتأسيس شركات تضامن جديدة (يصدر لها سجل تجارى)، وعمل دراسات جدوى بالتعاون مع مكاتب استشارية ومحاسبين، وتقديم طلبات باسماء عاملين بالشركة لتخصيص الأراضى، ثم تتولى الشركة بيعها لمستثمرين من غير المتقدمين للهيئة.
وبعد أيام من التحقيق فى الأمر، توصلت محررة «البورصة» لسمسار الأراضى الصناعية بمدينة بدر (الذى تبين أنه أحد كبار مستثمرى المدينة)، وأجرت معه محادثة هاتفية على أنها مسئولة بإحدى شركات الاستيراد وترغب فى شراء قطعة أرض صناعية على مساحة 4 آلاف متر مربعة مخصصة لنشاط المنسوجات، شريطة أن تكون من الأراضى التى طرحتها هيئة التنمية الصناعية بمدينة بدر للمستثمرين نوفمبر الماضى.
ولم ينف السمسار قدرته على توفير قطعة الأرض المطلوبة، وأخبر المحررة نصاً: «سيتم تحديد الراغبين فى البيع خلال أيام.. ستتم عمليات البيع والشراء على أراضى الطرح الأخير بمجرد استلامهم للأراضى والأوراق الرسمية وممكن نوفر قطعة أرض من طروحات سابقة».
وبعد مفاوضات على السعر، قال السمسار: «سعر المتر يصل إلى 1000 جنيه، وعمولة الشركة 250 جنيهاً للمتر تدفع فورى، أما سعر الأرض كامل يحدد تقسيط أو فورى بناء على نظام الهيئة».
وكشفت «البورصة» أن تلك الشركات تتاجر أيضاً فى أراضى الإسكان الاجتماعى، وتمارس عليها السمسرة كما هو الحال مع الأراضى الصناعية، إذ قامت إحدى تلك الشركات التى تحتفظ «البورصة» باسمها، بتدشين صفحة على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» تعلن من خلالها اسماء الفائزين بقرعة أراضى الاسكان الاجتماعى، واستعدادها للتعاون بالبيع والشراء الفورى والتراخيص والبناء، كما أرفقت الشركة أرقام التليفونات المتاحة لها، مع 78 صورة لكشوفات الفائزين.
ويحمل الإعلام المنشور على «فيس بوك» نفس النص الذى أرسلته الشركة العاملة فى مدينة بدر فى رسائل الفائزين بقطع أراضى الطرح الأخير، والذى أخبرتهم فيه بفوزهم وبسرعة توجههم لهيئة التنمية الصناعية لاستكمال الإجراءات، مع عرض خدمات الشركة من بيع وشراء.
وكانت هيئة التنمية الصناعية طرحت 750 ألف متر مربع أراضٍ للنشاط الصناعى فى مدينة بدر لأنشطة الصناعات الهندسية والغزل والنسيج بسعر 545 جنيهاً للمتر خلال نوفمبر الماضى.
ووضعت هيئة التنمية الصناعية ضوابط للحد من الإتجار بالأراضى الصناعية وتضمنت الضوابط والتى بدأت تفعيلها على الطروحات خلال العام الجارى الزام المستثمر بالانتهاء من بناء المصنع خلال 3 سنوات، وفى حالة عدم الانتهاء تسحب الأرض منه لعدم جديته.
وتضمنت الاشتراطات فى حالة عدم إنجاز المستثمر 50% من أعمال البناء بالمصنع خلال 18 شهراً تسحب منه الأرض، ومنعت المستثمر بيع الأراضى الصناعية إلا بعد عامين من تشغيل المصنع.
وتدرس «الهيئة» سحب نحو 4200 ألف قطعة أرض من المستثمرين بمختلف المناطق، لعدم جديتهم فى تطوير الأراضى التى خصصت لهم العام الماضى.
وقال بهاء العادلى، رئيس جمعية مستثمرى بدر: «السمسرة تخترق الهدف من طرح الأراضى الصناعية، ولكن العيب يكمن فى القوانين واللوائح المنظمة، خاصة مع عدم وجود تشريع قانونى يجرم الاتجار بالأراضى الصناعية».
وقال الدكتور محمود الجرف، الرئيس الأسبق لهيئة التنمية الصناعية، إن الأراضى الصناعية فى مصر أصبحت أحد مدخلات الصناعة على الرغم من أنها يجب أن تكون متاحة للجميع، وأضاف «ما يحدث فى الصناعة تهريج.. المستثمر يتحمل عبء تكاليف الأراضى بدلاً من وضعها فى الآلات والمعدات وتكنولوجيا التصنيع».
وتابع: «لن نعيد اختراع العجلة من جديد، الأراضى الصناعية يجب أن تطرح للمستثمر مباشرة بحق الانتفاع وليس تمليك، مع تحديد مهلة للتنفيذ وإلغاء البيع بالتوكيل وسحب الأرض فى حالة عدم التنفيذ».
واقترح الجرف أن يتم إسناد مهام تخصيص الأراضى للمركز الوطنى لتخطيط استخدامات أراضى الدولة، الذى يملك جميع المعلومات عن الأراضى الصناعية.
وأضاف: «دور هيئة التنمية الصناعية زرع الصحراء بالصناعة، بحيث يتقدم لها المستثمر بطلب أرض لمشروع صناعى وتقوم بدراسته، ويحدد المستثمر فى الطلب المكان، وتصدر له الهيئة سند بأحقيته فى مساحة معينة بالأرض، يتوجه به المستثمر إلى المركز الوطنى لتخطيط استخدامات أراضى الدولة للحصول على الأرض، ويقوم المركز بسحب الأرض بعد المتابعة وإثبات عدم الجدية حتى فى حالة إضافة أساسات.. يجب أن تكون عمليات السحب حاسمة».
وأوضح أن الأعتماد على المركز الوطنى لتخطيط استخدامات أراضى الدولة، سيمكن الحكومة من التحكم فى أراضيها، ومنحها للمستحقين بدلاً من تركها فى يد التجار والسماسرة والموظفين، وكذا سيساعد المركز على القيام بدوره الحقيقى وعدم اقتصار عمله فى نظاق تخطيط الأراضى وتحديد الأنشطة الأفضل لاستغلالها.
وطالب الجرف بإلغاء نظام طرح الأراضى، وقال إن حصول المستثمر مباشرة على الأرض يساهم فى تحجيم دور التجار، خاصة أنه فى حالة رغبة مستثمر إنشاء مصنع جديد فى وقت لم تطرح فيه الهيئة أراضى سيتوجه للشراء من التجار.
وقال إن ملف الأراضى الصناعية يحتاج لحسم وإعادة صياغة ومتابعة جيدة، وإن هيئة التنمية الصناعية يجب أن تتخلى عن دورها فى التصرف العقارى وطرح الأراضى، وأن تتفرغ لتذليل عقبات المستثمرين وتنمية الصناعة ووضع استراتيجية حقيقية لتنميتها.
وقال محمد خميس شعبان، رئيس جمعية مستثمرى السادس من أكتوبر، إن ضوابط تخصيص الأراضى يجب أن تتضمن عدم التنازل عن الأرض بأى شكل، ولا تسمح بتحويل الملكية إلا بعد 10 سنوات و«أن يتم البيع فى صورة مصنع وليس أرض»، وأن يتم معاقبة من يخالف ذلك بسحب الأرض ودفع غرامة تساوى ثمن الأرض، إضافة إلى وضع من تنازل عن الأرض أو تصرف فيها من الطروحات السابقة فى قوائم سوداء حتى إذا كانوا مستثمرين.
وأضاف خميس: «السماسرة موجودين فى جميع المناطق الصناعية.. طرح الأراضى بنظام التمليك يساهم فى المتاجرة عليها، وطرحها بحق الانتفاع قد يعمل على تقليل فرص السمسرة».
وطالب الدولة بطرح الأراضى الصناعية بسعرها الحقيقى، وقال: «الدولة تحولت إلى تاجر أراضى بتلك الأسعار التى تطرح بها.. من حق الدولة أن تحقق مكاسب من الأراضى المخصصة للإسكان وليس من الأراضى الصناعية التى يبنى عليها مصانع تساهم فى تشغيل العمالة وزيادة الإنتاج المحلى والعوائد الضريبية»، واقترح أن تقدم الدولة حوافز للمستثمرين من خلال استرجاع تكلفة الأرض بعد تشغيل المصنع.
وقال محمد المنوفى، رئيس شركة إلكتروستار، إن هيئة التنمية الصناعية مطالبة بالتأكد من الملاءة الصناعية للمتقدمين على الأراضى قبل التخصيص، من خلال اشتراط تقديم سجلات ضريبية ونتائج أعمال للشركات القائمة، ودراسة اقتصادية شاملة للمشروعات الجديدة، وأن تتابع الهيئة خطة التنفيذ والتمويل، ومنح مهلة لا تتعدى سنة لغير الملتزمين، يعقبها سحب الأراضى بشكل حاسم.
وأضاف المنوفى، أن 50% من أراضى منطقتى السادس من أكتوبر والعاشر من رمضان الصناعيتين غير مستغلة، وأنها تحوى مصانع مغلقة تؤجر بالمتر لمستثمرين آخرين.
وتابع: «يمكن تأجير مصنع على مساحة 5 آلاف متر بسعر 400 ألف جنيه لمستثمرين جدد، دون تحملهم أعباء تصنيع أو ضرائب أو عمالة، ويصل سعر متر الإيجار للمخازن إلى 120 جنيهاً».
وذكر أن نظام التمليك يساهم فى زيادة المتاجرة بالأراضى، كما أن الحكومة تسببت فى ارتفاع أسعار الأراضى بشكل مبالغ فيه، ما أدى إلى تفاقم الأزمة.
وقال محمد المرشدى، رئيس جمعية مستثمرى العبور، إن ضوابط «التنمية الصناعية» لتخصيص الأراضى، تحدد مدة معينة للمشروع وأن يتم السحب فى حالة عدم الالتزام، وأن عدم تطبيق تلك الضوابط يهدر حق الدولة ويساهم فى زيادة المتاجرة على الأراضى.
وأضاف المرشدى، أن طرح المجمعات الصناعية الجاهزة، قد يحد من السمسرة على الأراضى بحيث يكون الحجز والتخصيص لمشروع معين وفى حالة عدم التشغيل يتم سحب الأرض، وطالب بضرورة إلغاء العمل بالتوكيلات ووقف نظام المطور الصناعى.
وقال عمرو فتوح، رئيس شركة بولى بلاست وأحد مستثمرى بدر، إنه لم يتمكن من الحصول على أرض من الهيئة لإنشاء مصنعين فى بدر، نتيجة سيطرة التجار على الأراضى.
وطالب فتوح بضرورة محاسبة الطرفين السماسرة وموظفى هيئة التنمية الصناعية الذين قاموا بتسريب الكشوفات، وأضاف: «من يسرب كشوفات قبل إعلانها الرسمى من الوارد أن يسهل حصول شخص غير مستحق لأرض صناعية».
وأكد على أهمية إلغاء توكيلات البيع وتغيير النشاط لضمان تنفيذ المشروعات التى قدمت لها دراسات جدوى وعلى أساسها تم الحصول على الأرض، وأن يتم إجراء استعلام عن المتقدمين مثلما تفعل البنوك لإثبات جدية المتقدم، واستعلام آخر لمتابعة تنفيذ المشروع، وأن يتم سحب الأرض خلال مدة لا تتجاوز عام فى حالة عدم تنفيذ المشروع المتفق عليه.
وقال فتوح، إن سمسرة وتسقيع الأراضى أحد أسباب تراجع الصناعة فى مصر، باعتبارها السبب الرئيسى فى ارتفاع التكاليف الاستثمارية للمشروعات، خاصة أن السعر التجارى يصل أضعاف السعر الرسمى.