ما زال الجدال قائماً حول ما هو الأفضل، الدعم العينى أم الدعم النقدي؟ الدعم بصفة عامة هو إعانة تتكفل بها الحكومة لجماعات أو أفراد، عادة ماتكون في توفير سلع بأسعار تقل كثيراً عن مثيلتها فى الأسواق، أو تقديم الخدمات بأسعار تقل عن التكلفة الحقيقية أو في شكل مبلغ نقدى. وعادة ما يتم إعطاء الدعم لإزالة الأعباء عن كاهل الفئات الفقيرة ومحدودة الدخل كنوع من تحمل المسئولية من الدولة تجاه أبنائها. وفى سبيل تحقيق أهداف الدعم، يتم تحميل الفئات القادرة جزئياً بالتكلفة الحقيقية للسلع والخدمات المدعومة وفرض رسوم تؤول حصيلتها إلى برامج الدعم كنوع من توزيع الثروة فى المجتمع وتحقيق العدالة الاجتماعية.
تعتمد الحكومة على تقديم الدعم بشقيه العينى والنقدى منذ سنوات طويلة، وإن كان أسلوب الدعم النقدى أقل كثيراً من العيني. ولا يخفى على الجميع أن الدعم لا يصل إلى مستحقيه؛ لعدة أسباب أبرزها الهدر والفساد؛ الفساد المتغول أوساط المسئولين فى سلسلة التوزيع؛ حيث يتم تسرّب السلع المدعومة إلى خارج المنظومة إلى السوق السوداء لتحقيق أرباح باستغلال فرق سعر السلع المدعومة عن نظيرتها فى السوق. ومهما وضعت من قيود واتخذت من إجراءات رقابية فلن تقف عائقاً أمام سلسلة الفاسدين للالتفاف، وسيجدون طرقاً لتجاوزها عن طريق تقديم الرشوة إلى مفتشى التموين وغيرهم. ولعل أبرز أمثلة عن مافيا الفساد التى تسرق الدعم هو فضيحة توريد القمح التى أهدرت 2 مليار جنيه، وكذلك مافيا البطاقات الذكية، وفساد منظومة الخبز التى بلغت نحو مليار جنيه سنوياً.
فبينما يتحمل بند الدعم فى ميزانية الدولة مخصصات تقدر فى حدود 429 مليار جنيه، يصل إلى الفقراء ومحدودى الدخل نسبة 26% فقط من هذه القيمة، بينما يشاركهم الفئات القادرة جميع أنواع الدعم المقدم المخصص إلى السلع والمحروقات والطاقة؛ حتى إن السفارات الأجنبية والمصانع تحصل على نصيب من الدعم.
يرى المعارضون للتحول إلى الدعم النقدى أن لديهم مخاوف من زيادة التضخم فى مجتمع يقل فيه الإنتاج بشكل عام، فيصبح الدعم النقدى غير مناسب، وتستمر معاناة الفقراء فى عدم قدرتهم فى الحصول على السلع والخدمات فى ضوء ارتفاع أسعارها، وعدم قدرة الحكومة على كبح لجام التضخم.
السمة الغالبة فى الدول التى تلتزم بتنفيذ منظومة الدعم هو اتباع أسلوب الدعم النقدي. ولا يقتصر الدعم النقدي على السلع، ولكن يشمل التعليم والتغذية المدرسية وإعفاء من المصاريف الدراسية. والتحول للدعم النقدى يحتاج إلى تنقية قوائم المعلومات لتحديد الأسر المستحقة ومراقبة الفئات المستحقة لمعرفة إمكانية زيادته أو إلغائه لأسرة أو لشخص حسب تطورات حالته المادية.
ومن ناحية أخرى، يرى عدد من المعارضين أن تحويل الدعم العينى إلى نقدى لن يسهم فى القضاء على الفساد، ولن يضمن توصيل الدعم لمستحقيه، بل سيكون كارثياً على الفقراء فى ضوء الارتفاع المستمر فى الأسعار، وعدم قدرة الحكومة على فرض سيطرتها على الأسواق. فالاعتماد على الدعم العينى يلزم الحكومة بتوفير السلع الغذائية المدعومة للمواطن دون أن يتأثر متلقى الدعم بارتفاع الأسعار.
وبعد عرض وجهة نظر الفريق المعارض والفريق المؤيد للتحول للدعم النقدي، أرى أنى أنحاز إلى مؤيدى منظومة الدعم النقدي. فاذا اتبعت الحكومة برامج الإصلاح الاقتصادى بجدية، فسوف تأتى بثمارها بعد فترة وسوف يكون مستوى التضخم فى الحدود المقبولة. أما إذا استمرت منظومة الدعم العيني، فإننا بذلك نشجع على ازدهار الفساد المستشرى دون قدرة فعلية على التحكم فيه. وسوف تستمر معاناة المواطن فى عدم حصولة على الدعم.
[email protected]